منذ الاعلان عن زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الى القاهرة تلبية لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى ووسائل الاعلام المحلية والعالمية لم تكف عن التحليلات والابعاد السياسية والاقتصادية فى ظل عالم تموج فية الصراعات فى الشرق الاقصى والادنى، فزيارة رئيس اكبر دولة فى الشرق الاقصى فى هذا التوقيت الحساس بالنسبة له ولدولته وعلاقاته الفاترة والتى تصل الى حد العزلة من قبل المعسكر" الغربى" الاوروبى والامريكى، والذى أدى الى شبه انهيار فى العملة الرسمية للبلاد وتدنى الاقتصاد الروسى فى ظل انخفاض اسعار النفط العالمية، ولا يقل الشرق الاوسط حدة عن نظيرة الادنى، اذ تتوغل الجماعات الارهابية فى بعض الدول مما يستلزم الاتحاد فى مواجهة هذه الجماعات التى باتت تهدد العديد من الدول، فنجد ان مصر تخوض حربا شرسة على الارهاب، وتريد الانفتاح شرقا على المعسكر الروسى فى مجالات الطاقة والغذاء وجذب استثمارات فى بلد ينضب بالعديد من المشروعات العملاقة. حيث وصل إلى القاهرة مساء الاثنين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رأس وفد رفيع المستوي فى زيارة للقاهرة والتى استغرقت يومين بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي. كان في أستقبال الرئيس الروسى لدى وصوله إلى مطار القاهرة الدولى الرئيس السيسى. وقد اصطحب الرئيس السيسى نظيره الروسى فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية إلى دار الأوبرا المصرية، حيث شهد الرئيسان عرضا ثقافيا عن تاريخ العلاقات المصرية الروسية، أعقبه عشاء خاص أقامه الرئيس عبد الفتاح السيسى لنظيره الروسى فى برج القاهرة اعلى مكان فى قاهرة المعز لكى يرى بوتين ارض الكنانة صاحبة اعرق الحضارات…. وفى اليوم الثانى للزيارة أجريت مراسم الاستقبال الرسمية للرئيس فلاديمير بوتين، تلتها مباحثات قمة بين الرئيسين تناولت تعزيز مختلف اوجه العلاقات الثانئة بين البلدين.. كما تم خلالها إعادة التأكيد على تمسك البلدين بثوابت العلاقات الاستراتيجية القائمة بينهما، كما تم مناقشة الأوضاع في المنطقة العربية وسبل دفع عملية السلام في الشرق الاوسط بما يحقق إقامة الدولة الفلسيطنية وعاصمتها القدس. ثم عقدت جلسة مباحثات موسعة بحضور الجانبين المصرى والروسي، واعقبها حضور الرئيسين لمراسم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم تتعلق بتعزيز التعاون فى مجالات الطاقة والاستثمار، ثم عقد الرئيسان بعد ذلك مؤتمرا صحفيا، واقام الرئيس مأدبة غداء تكريما لضيفه الروسى والوفد المرافق له. وخلال المؤتمر الصحفى رحب الرئيس السيسى بضيفه الروسى قائلا "انني اشعر بسعادة بالغة ان تاتي زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للقاهرة في هذا التوقيت لتؤكد على موقف روسيا المتضامن مع مصر في حربها ضد الارهاب ولتؤكد على التطور الذي تشهده العلاقات بين البلدين منذ قيام ثورة الثلاثين من يونيو ولتضيف الى ما شهدته زيارتي لموسكو في شهر اغسطس الماضي من تعزيز للعلاقات المصرية الروسية ". وقال السيسي: "أكدت والرئيس بوتين على الاستمرار في تعزيز التعاون العسكري بين البلدين خاصة في ظل الظروف الراهنة واتفقنا على تيسير حركة التبادل التجاري وازالة المعوقات امامها وعلى التعاون في مجال تخزين الحبوب، كما اتفقنا على تيسير جهود اقامة منطقة التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الجمركى الاورواسي/أوروبا واسيا / بما يوسع افاق العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا وسائر دول الاتحاد". وتابع السيسي: "اتفقنا أيضا على تعزيز التعاون في مجال الطاقة بمختلف أنواعها بما في ذلك التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لاسيما وان روسيا تتمتع بمزايا نسبية كبيرة وخبرة واسعة في هذا المجال الذي توليه مصر اهتماما خاصا في إطار خطتها الطموحة للتنمية وتوفير احتياجاتها من الطاقة" . وأضاف السيسي اننا استعرضا إعداد مصر للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ والتطلع لوجود مشاركة روسية فاعلة وهو ما اكد عليه الرئيس الروسي، واتفقنا على دفع العلاقات الاستثمارية وإقامة منطقة صناعية روسية في شمال عتاقة على محور قناة السويس. واتفقنا على تعزيز التعاون في مجال السياحة واكد بوتين تشجيع السائحين الروس علي زيارة مصر. وأوضح السيسى أن المباحثات تناولت ضرورة إحياء جهود السلام للتوصل الى تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وتحقيق الوفاق بين مختلف المكونات الوطنية للعراق ودعم جهود مكافحة الإرهاب وتوسيع جهودنا لتوفير الأجواء للقاء الأطراف السورية للتوصل الي اتفاق يستند إلي مرجعيات جنيف. واشار الي انه حضر مع بوتين مراسم التوقيع علي مذكرات تفاهم لإقامة منطقة نووية في الضبعة وايضا في مجالات الاستثمار والغاز. وأكد السيسى أن مصر تستند في علاقاتها مع روسيا على أسس عميقة من التعاون الممتد وتري فيها شريكا استراتيجيا، وان مصر تمد يدها بالصداقة لكافة الدول التي ساندتها ولا تزال لتحقيق ما يصبو اليه شعبها من تقدم وازدهار علي كافة المسارات. ومن جانبه, شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس السيسي علي دعوته لزيارة مصر وشكر المواطنين المصريين على حسن الضيافة في شوارع العاصمة المصرية، وأضاف انها الزيارة الاولي له لمصر منذ عشر سنوات. واستطرد قائلا "اننا احتفظنا بالعلاقات الثنائية على مستوي عال بل ارتقينا.. كما اجرينا مفاوضات بناءة حول القضايا الإقليمية والدولية التى تهم البلدين "، ودعا الرئيس بوتين السيسي أن يقوم بزيارة رسمية قريبا لروسيا لمواصلة المحادثات. وأضاف أن محادثات اليوم ركزت على التعاون الاقتصادي والتجاري الذي زاد بنسبة 80% بفضل التعاون المكثف في مجال المنتجات الزراعية وتم مضاعفة حجم الصادرات الزراعية المصرية، فضلا عن التعاون في مجال الطاقة حيث أرسلنا في العام الماضي اكثر من 1.4 مليون طن من المشتقات النفطية، بما يقدر بسدس احتياجات مصر النفطية. وأضاف بوتين اننا بحثنا التعاون في مجال الطاقة النووية، وفي حالة الوصول الي قرار نهائي سيمكن اقامة محطة لتوليد الطاقة النووية علي ارض مصر وتدريب الكوادر وتطوير الأبحاث العلمية في مشروع متكامل، فضلا عن الاستخدام السلمي للفضاء الكوني والملتحة باستخدام الاقمار الصناعية وسنركز علي تقديم جملة من المشاريع الاستثمارية في مجالات المواصلات والسيارات والصناعات الكيميائية . اقتصاديا… ففي سبيل تقوية العلاقات بين مصر وسوريا اتجه البلدان لعقد اتفاق بموجبه يتم إلغاء التعامل بالدولار الأمريكي في التبادل التجاري بين البلدين، واستبداله بالعملة المحلية. فروسيا تكرر موقفها من مصر في حرب 73 حينما تم التعامل بمبدأ "تبادل السلع"، حيث زودت روسيا مصر بالسلاح مقابل سلع مصرية، واليوم تعتمد الدولتان العملة المحلية في التبادل التجاري، وعن مدى نجاح هذه الخطوة وأهميتها بالنسبة للبلدين حيث يرى بعض الخبراء "إن التبادل التجاري بين مصر وروسيا باستخدام العملات المحلية مفيد جدا للبلدين خاصة بعد انخفاض السعر العالمي للبترول". وان تجنب التعامل بالدولار سيخفف الضغط على احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية، مما يفيد في التضييق على بيع الدولار في السوق السوداء، وربما يضربها في مقتل. كما ان روسيا تسعى إلى تعويض نقص وارداتها من الدولار بعد انخفاض سعر البترول حيث إنها أكبر مصدر للبترول في العالم، فنجد ان البلدين في حاجة إلى هذه الخطوة بسبب نقص المخزون الاستراتيجي من العملة الأجنبية لدى البلدين. وفي هذا الإطار رحبت الدكتورة بسنت فهمي الخبيرة المصرفية بفكرة إلغاء استخدام الدولار في التعامل التجاري بين مصر وروسيا، موضحة أن ذلك يساهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. وقالت "فهمي" إن التعامل الدولي يتم بعملتين معتمدتين هما الدولار واليورو، وإن اعتماد العملات الروسية والمصرية في التعامل التجاري بين مصر وروسيا من شأنه أن يكثف حجم التجارة الدولية بين البلدين"، مضيفة أنه لا مانع من هذه الخطوة،ومرجحة أن يتم التعامل التجاري بين البلدين عن طريق نظام "تبادل السلع" لما ينطوي عليه من منفعة للبلدين، مشيرة الى أن هذا الاتفاق يتضمن عدم الاعتراف بالدولار. اذن فهى زيارة جاءت فى توقيت ربما يكون ممتازا لكلا البلدين فى ظل الضغوط الاقتصادية التى تواجهها،كما انه تعيد فتح افاق تعاون قديم حديث بين حليفيى الامس واليوم وغدا لتحقيق طموحات مصر والعودة الى مكانها الريادى الطبيعى فى الشرق الاوسط، والتى ظلت مجرد احلام بالانخراط فى التعامل مع قوى وحيدة لم تقدم الكثير الى وطننا بل والى امتنا العربية.