يبدو أننا في حاجة إلي إعادة اكتشاف الحكومة والمسئوليات والدور الذي يجب ان تقوم به, وقد برزت الحاجة إلي ذلك بعدما أفرزت السنوات القليلة الماضية ظواهر جديدة علي مجتمعنا وتحولات غريبة كظواهر الاعتصام والاحتجاج بصور مختلفة والتي يربطها خيط واحد هو ضعف الأجور وتزايد الفجوات بين الأغنياء والفقراء وانخفاض مستوي التعليم والصحة, وفجأة تدهور الخدمات, فضلا عن ان البعض تصور بالخطأ أن طبيعة مرحلة التحول الي الاقتصاد الحر يعني تخلي الحكومة عن بعض مسئولياتها بعدما كانت تضطلع بمساحة مسئوليات واسعة تجاه المجتمع. دعونا نبحث عمليات إعادة اكتشاف الحكومة ومسئولياتها الجديدة علي ضوء التغييرات الأخيرة وضعف الأداء. ما هو دور الحكومة الجديدة؟ من المؤلفات التي حازت علي اهتمام الإدارات الحكومية المعاصرة كتاب إعادة اكتشاف الحكومة لمؤلفيه أوسبورن وجايبلر وهنا توضيح بضرورة الانطلاق من عدة اعتبارات ومبادئ هي: * تعزيز دور الحكومة والدولة مع إدخال تعديلات جوهرية مستمرة علي هذا الدور. * تراجع مستوي أداء الأجهزة الحكومية يعود إلي النظام الإداري السائد وليس إلي العاملين. * الحكومات البيروقراطية والمركزية لا يمكن أن ترقي إلي مستوي التحديات. * المشكلة الرئيسية التي تواجه الحكومات لا تكمن في شكل الملكية أو في الفكر التقليدي ليبرالي, اشتراكي ولا في حجم الإنفاق كبيرا كان أو صغيرا بل تكمن في عدم فاعلية الحكومة وعدم قدرتها علي تجديد نفسها مع مناهج الفكر الإداري المعاصر. * إن الخطوة الأهم التي تحدد مدي نجاح الحكومة هي صياغة وتحديد الأهداف المرحلية والمستقبلية وترجمتها إلي خطط وبرامج قابلة للتنفيذ بعد تأمين جميع مقومات تحقيقها. الحكومة: الدور والأهداف * الدولة القوية اقتصاديا هي ذات الدولة القوية سياسيا. * أن يتمحور دورها حول تطوير القطاعات الاستراتيجية التي قد لا يفضل القطاع الخاص دخولها. * اعتماد مبدأ الفاعلية والكفاءة في التعامل مع الموارد البشرية والمادية لتحقيق تعظيم المخرجات, والعمل علي استقطاب الكفاءات المهاجرة. * تحديد معدلات النمو الاقتصادي المطلوب تحقيقها وتوفير جميع المقومات والمستلزمات اللازمة لتنفيذ هذه الأهداف. * استخدام الأدوات الاقتصادية المعروفة لتفعيل النشاطات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات. * نشر وتثبيت ثقافة وأخلاقيات العمل الاقتصادي الفاعل علي المستوي الجماهيري والمؤسسي. * انتهاج سياسة ضغط النفقات الخاصة بأجهزة الإدارة العامة وترشيدها تمهيدا لوضعها وتثبيتها في حدودها الدنيا. * توفير البيئة القانونية المؤهلة لا ستقطاب المزيد من الاستثمارات المحلية والعربية والدولية وتوفير شروط نجاحها. * تحديد الآليات المطلوبة في سبيل ضمان مشاركة ومساهمة جميع القوي والفعاليات الاقتصادية في برامج التنمية, من خلال التعريف الواضح لحقوق وواجبات ومسئوليات هذه القوي والمنظمات العامة والخاصة. * الحاجة إلي دور الدولة التدخلي في الدول النامية أكثر منه في الدول المتقدمة بسبب هشاشة التشريعات وتغليب الخاص علي العام وتداخلهما الشديد, والحاجة للإصلاح وإعادة الهيكلة ومحاربة الفساد, وبحث القطاع الخاص عن الربح السريع وعدم رغبته في المخاطرة في إقامة مشاريع حيوية وغير ذلك. * زيادة الإنفاق علي التعليم والصحة والبيئة الاساسية والخدمات الاجتماعية * النهوض بتأكيد جودة المنتجات وبث مفهوم الجودة الشاملة في الاقتصاد. تحديدا تتعين مهام الحكومة في التالي: * التخطيط والمتابعة والإشراف والرقابة علي جميع الخدمات الصحية والتعليمية واستحداث المؤسسات الضامنة لجودة واعتماد الخدمات والمرافق الصحية والتعليمية. * تعديل القوانين الاقتصادية القائمة, واستحداث قوانين جديدة بما يحقق قيام التقدم الاقتصادي. * وضع سياسات اقتصادية, مالية ونقدية وتجارية,مرنة ومستقرة وواضحة المعالم. * تفعيل وتطوير القوانين والتشريعات بما يضمن الانضباط والمحاسبة والشفافية والمنافسة. * دعم برامج البحث والتطوير والتحديث في المؤسسات الاقتصادية. * وضع برامج وتبني أساليب للخصخصة تتناسب مع طبيعة المؤسسات الاقتصادية, وتلافي المشاكل الناجمة عن عملية الخصخصة. * تحري الرشد في الإنفاق العام, بما يحقق الاستخدام الأفضل للموارد العامة. * حماية البيئة بما يحقق تحسنا واضحا في نوعية الحياة لأفراد المجتمع. * الحد من الاحتكار والاتجاهات الاحتكارية وتعزيز المنافسة, وتهيئة المناخ المناسب. * ضمان حسن استخدام الموارد الاقتصادية للمجتمع كالأراضي والغاز والبترول والكهرباء والطاقة. * ضمان العدالة وتقليل التفاوت في توزيع الدخل. * توفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ برامج التنمية المستدامة. * توفير السلع والخدمات العامة ذات الاهتمام الاجتماعي. هذه هي أبعاد مسئوليات الحكومة الجديدة.. فهل تعاد صياغة العمل التنفيذي ليتواكب مع متطلبات هذا التغيير؟ ومواجهة ضعف الاداء الحكومي الذي انعكس علي حياة المواطن. نقلاَ عن صحيفة "الاهرام" المصرية*