من يحكم مصر الآن؟ أقصد هذه الأيام التي يغيب فيها الرئيس مبارك في رحلة علاجية. ويغيب فيها عن الظهور العلني منذ 10 أيام تقريبًا. ولم يعرف بعد موعد عودته أو المدة التي يحتاجها للنقاهة.. أو نصيحة الأطباء علي طريقة إدارته البلاد بعد الأزمة الصحية. هل الدكتور أحمد نظيف يحكم مصر فعلا؟ أم أنه واجهة وهناك مجلس طوارئ خاص يدير البلاد ويتخذ القرارات المهمة ويرتب الأوضاع للمستقبل؟ سؤال عادي، لكن لا أحد يملك إجابة يقينية عنه. لأننا ببساطة في دولة أسرار وليست دولة مؤسسات. يعرف الجميع أن المؤسسات تعمل عندما يريدها الرئيس أن تعمل أو بعدما يكون الرئيس قد رتب أشياء أو رُتبت له ويعلن عن إجراء آخر تماما. دولة الأسرار والكهنة الذين يعملون من وراء الستار لم تنته في مصر كما يروج النظام. مازالت الناس تنتظر أن يسمي خليفة مبارك من نفس الجهات التي اختارت مبارك ومن قبله السادات. تلك المجالس السرية التي تختار الاسم وتترك للشعب فقط حق الاستفتاء عليه. وستظهر هنا الأوامر والتوجيهات وكأنها مسرحية كاتبها مجهول. الفارق الوحيد بين أمس واليوم أن هناك قوة أخري تدخل علي الخط. هذه القوة تربك المسرحية إلي حد كبير وتغير كل يوم من نصوصها.. ويصل الارتباك إلي حد الارتجال. وإذا تأملنا مقالات كتاب الكتيبة الأمامية من الحرس الصحفي للنظام سنجدهم مرتبكين.. يكتبون برعب شديد وبحذر لا يعرفون معه الخطوة القادمة. يحاربون البرادعي بأسلحة جديدة عليهم.. لا تصلح المشاتم المعتادة.. لكنهم ليسوا خبراء بعد بالأسلحة الجديدة، وتفلت منهم أفكار تورطهم وتورط النظام. وضباط أمن الدولة تعودوا أيضًا علي طرق قديمة في بث الرعب أو الحصول علي معلومات.. وهذا ما جعل الضابط محمد عبدالتواب.. يجرد الطبيب طه عبدالتواب من ملابسه، ولم يكن يعلم أن الطبيب عنيد وأن الدولة ستتحرك فورًا لتثبت أنها دولة مؤسسات. الأمر جديد علي النظام كله. وكتائب الحراسة في الإعلام وأمن الدولة ليسوا خبراء بالحالة الجديدة التي يشعر فيها المجتمع بالقوة. إنها قوة الأمل. التي لم يحسب لها النظام حسابه.. قوة خارج السيطرة أو الصفقات. يعرف النظام كيف يسكت أي مجموعة.. حتي الإخوان عرف أن لديهم استعدادًا للدخول في الصفقة. يسميها قادة الجماعة: تفاهمات. وهو اسم أنيق للصفقة التي اتفق فيها أحمد عز مع الإخوان علي تأييد مرشح الوطني في الرئاسة مقابل 25 مقعدًا في مجلس الشعب. الصفقة من آليات السيطرة وليست مقتصرة علي الجماعة.. هناك شخصيات حزبية تلعب إدوارًا سياسية في المعارضة وفق مساحة متفق عليها.. قد تصل إلي الترشح للرئاسة ولعب دور السنيد لمرشح الحزب الوطني سواء مبارك الأب أو الابن. صوت هذه الشخصيات عالٍ عند اللزوم. لكن حركتها الفعلية مضمونة بوعود شخصيات في النظام تلعب دور : المفاتيح. صفوت الشريف أهم هذه المفاتيح الآن. ومتابعة حركته في هذه الأيام تقول إن هناك شيئًا ما يُرتب.. أو يعد له. وهو يلعب دورًا في التنسيق بين جهات لم تتعود علي التنسيق بينها مباشرة. وأحمد عز جديد علي الدور ويحاول لكنه غالبًا قد يذهب ضحية الأيام المربكة. أو قد تساعده «اللخبطة» الحالية علي النجاح ب 50% في لعب دور أكبر، خاصة أنه يملك القوة السحرية للمال. اللعبة هذه المرة علي المكشوف أكثر من المرات السابقة. والفرجة لم تعد مجانا. قوة الأمل الجديد. تعمق أزمة النظام وتجعله أمام وضع كل الاحتمالات مفتوحة. قوة الأمل تشعر قطاعًا كبيرًا في المجتمع بأننا نعيش فعلا في «العهد البائد».