أخذ الرئيس محمد مرسي يعدد طوائف الشعب التي يعد بحل مشكلاتها في أحد البرامج التي استضافته قبيل انتخابه؛ الفلاحون والعمال والمهندسون وسائقو التوك توك وسائقو التاكسي الأبيض وغيرهم.. وانتظرت أن يذكر الأطباء.. ولم يذكرهم. وانتخب الشعب رئيسه، وجلسنا حول التلفاز نستمع إلى خطاب الرئيس الأول وهو يعد بأن يكون رئيسًا للجميع.. محافظة محافظة، ومهنة مهنة، وانتظرت أن يذكر الأطباء.. ولم يذكرهم.
ثم كان خطاب التحرير واستهله الرئيس بذكر من سقطوا سهوًا من الخطاب الذي سبقه، فذكر الفنانين والأدباء ومتحدي الإعاقة وذكر المحافظات التي لم تذكر قبلاً.. وانتظرت أن يذكر الأطباء.. ولم يذكرهم.
ولم أهتم كثيرًا بذلك، فما أشد موقفه وما أصعبه، لكني كذلك لم أفهم لماذا يغفل الرئيس – رغم حرصه على ألا ينسى أحدًا- مهنة مثل مهنة الطبيب، وقطاعًا كاملاً مثل قطاع الصحة في مصر.
وعاودتني علامة الإستفهام تلك هذه الأيام ونحن نرى الحرب التي يخوضها الأطباء لأجل مصر، ولن أقدر على تسميتها بأقل من هذا الإسم، فهي حرب بكل ماتعني الكلمة من معان.. أن يصل الأمر بالطبيب أن يضرب عن عمله، تمامًا كأن يصل الأمر بأحدهم أن يشنق أو أن يحرق نفسه، ولعل هذا هو ثواب مهنة الطب في بلادنا وهذا هو عقابها..
فالطبيب في بلادنا جزء من رحمة الله بنا، نراه فوق مستوى النظر، وعليه أن يلتزم برداء الملائكة فلا يشكو ولا يتذمر ولا يطالب برفع أجره، وعليه أن يرضى بما هو مقسوم كما نرضى نحن بما هو مكتوب علينا من أمر مرضنا، وأظنني أميل إلى أن الرئيس مرسي قد غفل عن ذكر الأطباء سهوًا.. لأنهم في نظره كما هم في نظر الإنسان المصري أقرب إلى مصاف الملائكة منهم إلى مصاف أفراد الشعب.. جزء دفين من معتقداتنا، وهذا ما يجعل الإضراب عند الأطباء كما الإنتحار.. هل سمعتم من قبل عن ملائكة تضرب عن العمل؟
فلماذا إذا يضربون؟
نعود ثانية إلى خطاب التحرير، وإذا كنا قد التمسنا العذر للرئيس لإغفاله ذكر الأطباء، فلا أظن أنه بالإمكان إغفال ذكر قطاع بأهمية قطاع الصحة في بلادنا، وكلنا يعلم حجم المشكلات الصحية التي تفوّقنا فيها على كل دول العالم، وكلنا يعلم مستوى التلوث الذي حققناه في بيئتنا والذي جنينا ثماره أمراضًا تأتي على الأخضر واليابس في صحة مواطنينا، ولا يخفى على أحد مستوى الخدمات الصحية في مستشفيات ومراكز وزارة الصحة، وتبح الأصوات لأجل كرامة الطبيب وكرامة المريض، ولأجل حال المستشفيات وأمنها، وتدمى قلوبنا لمرضى يموتون لأنه لا علاج، ولأمراض تنتصر لأنه لا سلاح، ولأطباء يهانون ويظلمون لأنه لا كرامة للملائكة في بلادنا.
وعندما يقف الأطباء صفوفًا يعلنون انتحارهم صرخة لأجل انقاذ صحة مصر.. ولا تتحرك الدولة بكل رجالاتها لتلبي هذه الصرخة.. فإلى أين نحن ذاهبون؟
وماقيمة عودة المليارات المنهوبة.. وماقيمة استقطاب مليارات أخرى للإستثمار.. وما قيمة البنزين والسولار والكساء والحذاء لو أن جسد مصر عليل مشرف على الإحتضار؟