فى جلسة جمعتنى فى أثناء مهرجان أبو ظبى السينمائى مع المخرج حاتم علِى، باح لى بالكثير حول مسلسل عمر (رضى الله عنه) الذى حطَّم «تابو» التحريم فى العالم العربى، ورغم أن عددا من الشيوخ الأجلاء قد أباحوا تجسيد الخلفاء الراشدين، من بينهم يوسف القرضاوى وسليمان العودة وقد تحلّوا بقدر كبير من المرونة وأغضبوا عددا آخر من كبار العلماء فى الدين الإسلامى الذين يحرِّمون التجسيد قطعيا وعلى رأسهم بالطبع الأزهر الشريف، فإن هؤلاء العلماء الكبار الذين أباحوا التجسيد كان أيضا لديهم العديد من التحفظات. كان موقفا ثوريا أن نرى عمر والصحابة على الشاشة لأول مرة، أبو بكر وعثمان وعلى (رضى الله عنهم جميعا) ولكن فى نفس الوقت تكتشف أن العلماء الأفاضل رفضوا أن يمثل شخصية عمر ممثل محترف وأصروا على أن تُسند الشخصية إلى وجه جديد، وعلى الجانب الآخر كانوا يريدون لكل شخصيات الخلفاء الراشدين أن لا يسبق لهم تجربة فى التمثيل كمحترفين ولكن المخرج أصر على أن يكتفى بسيدنا عمر فقط وأسند باقى الشخصيات إلى ممثلين محترفين مثل غسان مسعود الذى أدى دور سيدنا أبو بكر الصديق وكان دورا محوريا، وهو مثلا سبق أن لعب دور صلاح الدين الأيوبى فى الفيلم العالمى «مملكة الجنة» للمخرج ريدلى سكوت.
ما المرجعية لتحريم تجسيد عمر بممثل محترف ولهذا أُسند الدور إلى الوجه الجديد سامر إسماعيل؟ وكيف تمت الموافقة فى نفس الوقت على أن يؤدى دور أبو بكر ممثل مشهور؟ فى الحقيقة لن تجد أسبابا موضوعية شرعية تُبيح سيدنا أبا بكر وتمنع سيدنا عمر، ولكن هو مجرد تخوُّف من العلماء الأفاضل، ربما كانوا يستشعرون حجم الغضب القادم فقرروا أن يبادروا هم بالتقليل من حجم المفاجأة.
وعن الإسهاب فى تقديم تفاصيل عديدة تُثقل العمل الفنى وكان ينبغى اختصارها قال لى حاتم علِى إن هناك بالطبع قانونا للدراما ربما يفرض حذف أشياء أو الاكتفاء بلمحات لكلمات أو مواقف، ولكن العلماء الذين راجعوا النص كانوا يعترضون معتبرين أن هذا يُعَدّ خيانة للتاريخ لا تجوز مع العمل الفنى الذى يتحلى بالصدق والوعى والدقة والأمانة أن يقدم ذلك، وهنا بدأ الكثير من النقاط الخلافية. وحول ما تردد -وهو أيضا ما لم ينفه بطل المسلسل الممثل سامر إسماعيل- أنه مسيحى الديانة، قال لى حاتم علِى إن هذه المعلومة غير صحيحة والممثل من الطائفة العلوية، وهى من المذاهب التى تنتمى إلى الشيعة، رغم أنه كمخرج لا يجد حرجا أن يلعب الدور ممثل مسيحى، ولكن الحقيقة أنه ينتمى إلى نفس طائفة الرئيس السورى بشار الأسد.. ملحوظة على مسؤوليتى: ربما كان الممثل السورى قد فضل الصمت ولم يبُح بطائفته العلوية بسبب الظلال السلبية التى صارت تحيط الآن العلويين فى سوريا بسبب مذابح الأسد.
وعن الاستعانة بصوت آخر فى الأداء بدلا من سامر قلت لحاتم إننى فى لقاء برنامج «العاشرة مساءً» على الهواء جمعنى مع وائل الإبراشى وسامر إسماعيل قلت إن المخرج حاتم علِى لجأ إلى أبغض الحلال الفنى وركّب صوتا على أداء سامر لأنه لم يقدم الإحساس الدرامى المطلوب، وليس صحيحا أنه مطلب رجال الدين الذين أشرفوا على المسلسل ووافقنى المخرج.
قال لى أيضا حاتم إنه قد استعان بعدد من فنانى المكياج الإيرانيين وهم قيد التحقيق الآن فى إيران لأنهم قدموا شخصيات الصحابة، واستند الفنانون فى أثناء التحقيق معهم إلى أن المخرج قد غرَّر بهم وأنهم وافقوا على هذا العمل بعد أن وعدهم المخرج بأنه لن تظهر صور حقيقية للصحابة، وهم لهذا السبب وافقوا على العمل، ورغم ذلك فإن هناك لوما شديدا لفنانى المكياج الإيرانيين ربما لن يصل إلى الإدانة والسجن ولكنهم سوف يواجهون مشكلات فى العمل مجددا داخل أو خارج إيران.
يبقى أن أهم ما فى مسلسل «عمر» ليس ما رأيناه على الشاشة ولكن تحطيم هذا المانع العقَدِى الذى استسلمت له الدراما طوال عقود من الزمان والذى يقضى بمنع تجسيد الخلفاء والصحابة والمبشَّرين بالجنة بينما العالم من حولنا يتقدم.. بالتأكيد المسلسل يعوزه الكثير على الصعيد الفنى، ولكنه نجح فى أن يفتح الباب أمام أعمال دينية قادمة أكثر نضجا بعد أن مهَّد لها سيدنا عمر الطريق!