فى خطوة جديدة، ضمن سلسلة إجراءات تشهدها الساحة المصرية للحد من حرية الإعلام وإرهاب الإعلاميين والصحفيين، انتهى المستشار ثروت حماد قاضى التحقيق المنتدب من وزير العدل للتحقيق فى الاتهامات الموجهة إلى الإعلام المصرى بإهانة القضاء فى أثناء محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك من التحقيق مع مسؤولى قناة «أون تى فى». ويأتى هذا التحقيق على خلفية تقديم 1164 قاضيا بلاغات إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، طلبوا فيها التحقيق مع جميع مقدمى البرامج ومسؤولى ورؤساء تحرير الصحف المصرية بسبب نشرهم وإذاعتهم أخبارا ومواد صحفية تصف محاكمة مبارك بأنها «مهزلة القرن وليست محاكمة القرن»، وأنها مسرحية معدة مسبقا، واستضافة معلقين من متخصصين وغير متخصصين يوجهون إهانات إلى القضاء والقضاة والمحكمة التى تنظر القضية، حسبما أكدت مصادر قضائية مطلعة.
وكان 6 من مسؤولى إدارة وتحرير القناة، بينهم مدير عام القناة ألبير شفيق، وجمال الشناوى مدير عام البرامج بالقناة، ومحمد الشواف رئيس تحرير برنامج «صباح أون»، وحسام الدين حسين، وريم وجدى، المذيعان بالقناة، وعمرو أبو خطوة، قد مثلوا للتحقيق أول من أمس، واستمر التحقيق معهم عدة ساعات، وقرر قاضى التحقيق إخلاء سبيلهم جميعا بضمانهم الشخصى، بعد توجيه عدة اتهامات إليهم، منها ازدراء هيئة قضائية والحط من قدرها.
مصدر قضائى قال ل«التحرير» إن قائمة الاتهامات التى ستوجه للإعلاميين والصحفيين فى تلك التحقيقات تصل إلى 10 اتهامات، وإنه من المنتظر استدعاء مسؤولى قناة (دريم) و(سى بى سى) بعد انتهاء التحقيقات مع مسؤولى (أون تى فى).
وتأتى خطوة هذه التحقيقات فى سياق الاتهامات التى طالت عددا كبيرا من الصحف المصرية والقنوات الفضائية، تتهمها بالتدخل فى أعمال القضاء وإهانة هيئة قضائية، هى محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد فهمى رفعت رئيس الدائرة التى كانت تنظر قضية الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه.
وقد تم إعداد قائمة بمسؤولى القنوات الفضائية، ورؤساء تحرير الصحف، لاستدعائهم وسماع أقوالهم فى البلاغات والاتهامات الموجهة إليهم من القضاة، خصوصا أن هناك إصرارا من جانب القضاة على المضى قدما فى هذا التحقيق، وأوضح المصدر القضائى أن أغلب مقدمى البرامج ورؤساء تحرير الصحف اليومية والأسبوعية قد وضعوا على قائمة الاستدعاءات.
كان القضاة قد تقدموا ببلاغهم بعد النطق بالحكم فى قضية مبارك، والذى أثار جدلا واسعا بعد براءة نجلى مبارك من جميع الاتهامات التى نسبت إليهما، وكذلك جميع مساعدى حبيب العادلى المتهمين بقتل المتظاهرين، بينما أدين مبارك والعادلى وحكم عليهما بالسجن المؤبد، وقام النائب العام بندب قاضى تحقيق من وزارة العدل للتحقيق فى تلك البلاغات، وتم استدعاء الدفعة الأولى من مسؤولى (أون تى فى)، ومن المنتظر استدعاء مسؤولين إعلاميين آخرين خلال الفترة القادمة.
البلاغ الذى تقدم به مئات القضاة ضد عدد من الإعلاميين والسياسيين لتناولهم الحكم القضائى الصادر ضد الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى يونيو الماضى، ووصفهم له بالجائر، أثار دهشة القانونيين، حيث أكدوا أن تناول الأحكام لا يشكِّل أزمة، ولا يستدعى تقديم بلاغات فى من تناقشوا حولها، لا سيما أنهم لم يتعدوا على القاضى الذى أصدر الحكم فى تلك القضية. وكيل أول نقابة المحامين محمد الدماطى قال ل«التحرير» إن الشكوى حق مكفول للجميع وهو مبدأ دستورى مستقل، وهو ما يكفل للقاضى أن يشكو الإعلام إذا أخطأ فى حقه، ولكن على القضاة المتقدمين بالبلاغات أن يتذكروا أن بعض زملائهم القضاة انتقدوا الحكم بنفس طريقة الإعلاميين، وعليهم تقديم بلاغات ضدهم أيضا، وإلا تصبح الشكوى انتقائية قد تكون فيها الكيدية لبعض من تناولوا الحكم، مثل المستشار محمود الخضيرى، ومحامى جماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم عبد المقصود ومحمد البلتاجى. الدماطى تساءل: «وزير العدل المستشار أحمد مكى انتقد الحكم فى قضية الرئيس المخلوع هو الآخر، فلماذا لم تتضمن الشكوى اسمه؟»، مشيرا إلى أن «تلك البلاغات مصيرها الحفظ فى الغالب، لأن النقد كان للحكم لا للقاضى الذى أصدره، إلا إذا كانت هناك نية مبيتة ضد المشكو فى حقهم»، لافتا إلى أن «الحكم سيأتى طبقا لما تنتهى إليه التحقيقات»، مشددا على أن «تهمة السب أو القذف فى حق قاض أو إهانة المحكمة عقوبتها الحبس من يوم إلى ثلاث سنوات، أو الغرامة التى تبدأ من جنيه واحد وتصل إلى 40 ألف جنيه».
وكيل نقابة المحامين مقرر لجنة الحريات بالنقابة العامة خالد أبو كريشة، من جانبه يرى أن البلاغ فى حد ذاته يشكل خطوة جديدة فى الاعتداء على حرية الرأى المكفولة للجميع، حيث إن من تناول الحكم ووصفه بالجائر لم يتعد القانون، مضيفا أن ذلك البلاغ ربما هو محاولة للحد من تعليقات الإعلام والمواطنين أيضا على أحكام القضاء، إعمالا للقاعدة التى تقول إنه «لا تعليق على أحكام القضاء»، ومشيرا إلى أن مصير ذلك البلاغ سيكون الحفظ. وكيل مجلس النقابة العامة للمحامين، لفت إلى أنه لا يمكن القبول بتوقيع عقوبة على أى من المعترضين على الحكم سواء بالحبس أو بالغرامة، لا سيما أن ذلك يخالف الحريات التى لا بد من ترسيخها، وأنه لا يوجد بمواد القانون ما يمكن تقييد حرية إنسان به، لأنه أعلن اعتراضه على حكم، أو أعلن رأيه الشخصى فيه، ما دام لم يتناول المحكمة أو القاضى بسوء.