لكل اختراع على الأرض جنسية ما، ما عدا الألعاب فهى اختراع قدمه الأطفال للبشرية متجاوزا التاريخ والحدود والجنسيات، فلا يمكن الجزم بأن الاستغماية اختراع اسكتلندى ولا أن نَطّ الحبل قادم من حضارة شرق آسيا، لا أتحدث عن الألعاب الحديثة ولكن عن الألعاب التى خرجت من بطن الفطرة ربما فى وقت واحد لكن فى أماكن متناثرة على الكوكب. اخترع الأطفال ألعابهم ليمتلكوا طريقة تشبههم فى استكشاف الكون وقدراتهم كبشر، والجميل أن كل طفل تَفوّق فى لعبة ظلت بداخله حتى آخر يوم له على الأرض، فالبارع فى «الاستغماية» ومشتقاتها يكبر وهو يمتلك القدرة على إخفاء عيوبه وأن يدارى على الناس ما يحلو له أن يداريه، هذا الشخص الذى بدأ حياته يتدرب على «فن الاختباء» بإخلاص، اكتسب مهارة لا بد أن يحمد الله عليها فى عالم قائم على الفضول وملاحقة الآخرين، مهارته تلك تَعظُم كلما كان قرينه فى اللعبة شخص يمتلك ذكاء المطاردة وقراءة أفكار الآخرين، هذان الشخصان خرجا من اللعبة بفائدة تتجاوز اللهو، هما أفضل من فى شلة الاستغماية، أقرانهما بين شخص يمكن توقُّعه بسهولة «اطلع يا مراد من ورا العربية»، وشخص قليل الحيلة يقع فى قبضة «اللى هيغمّى عينيه» بمجرد أن يفتحهما، وشخص ثقيل الدم يقف مكانه بجوار حائط التثبيت منتظرا أن يظهر أحدهم دون أدنى رغبة فى المغامرة أو حتى تشغيل المخ، فقط مَن يجتهد فى قراءة خريطة المكان جيدا يكبر فيصبح على علم بكل نقطة فى عالمه، تخصه وتجعله مميزا، ووحده من يجتهد فى قراءة أفكار كل من يشاركونه اللعبة، يكبر فيصبح قادرا على قراءة أفكارهم فإما يعبر عنهم وإما يستدرجهم فى تحقيقات النيابة للاعتراف. لاعبو «السيجا» أو «إكس أو» هم المفكرون العظماء المؤسسون لمبدأ «اللعب على خسارة الخصم هو أقصر طريق للفوز» فتراه معظم الوقت مشغولا أكثر بالتقفيل على الخصم، يمتلكون مهارة إرباك المنافس ويعولون عليها، إذ غالبا ما تقصِّر عليهم الطريق بالفعل، لكن أهم ما يكبر معهم من حكمة هذه اللعبة أن الخسارة ليست مسألة مباراة واحدة، فخسائر متعددة ستقود حتما إلى انتصار ما، ووقتها يتحدد مصير الاستمرار فى اللعب. مدمنو «نلعب عصابة أو رِست» أو كل ما ينطوى على عنف، هم الذين يشبُّون وتكبر معهم فكرة أن البقاء للأقوى، وبمرور العمر يترجمون القوة فى مال أو منصب أو حقن عضلات، يفرحون فى البداية بالحصول على مرتبة القوة الأقرب إلى فطرة الطفولة، أولئك الذين كثيرا ما تأملوا عضلاتهم النحيفة أمام المرآة، غير مهتمين بالقراءة أو الروحانيات إلا نادرا ويؤمنون بأن فكرة القيادة قد خُلقت من أجلهم وأن مخالفيهم يستحقون ضربًا يتغيّر شكله بتغيُّر نوع القوة. «الأُولى» لعبة البنات المفضلة تلخص قصة حياتهن فى بلد شرقى، لا بد من الخفة والدلال مع تشغيل المخ والحرص، فالحركة من مربع إلى مربع محسوبة، ودخول مربع خطأ غلطة لا تُغتفر قد تهدم اللعبة كلها. مدمن «ملك ولّا كتابة» هو الطفل النصاب أبو دم خفيف، أكثر أبناء شلته حبًّا للمقامرة فى معناها الأوسع، هو أكثرهم تحقيقا لإنجازات تدعو للفخر وهو فى الوقت نفسه من أكثرهم انكسارات. مدمن القراءة هو الطفل المتوحد فى شلته الذى لا تشعر بوجوده حتى تصل إلى اللحظة التى يغير فيها وجهة نظرك فى الحياة كلها بكلمة طائشة أو ربما بسؤال ينعش خلايا مخك «هل تعرف ما شروط الحداية لإلقاء الكتاكيت؟». مدمن «البلِى» لعبًا وجمعًا هو طفل مادىّ يكبر ومسألة كَنْز الأشياء تشغله لكن دون احتيال، هو مجتهد بالفطرة ولا تعيبه رغبة ملحَّة فى الاستحواذ ما دامت فى حدود المعقول، هى تتخطى حدود المعقول أحيانا إذا كان طفلا سمينا وبخدود. مدمن «نلعب بيت» أو «عريس وعروسة» سيشبّ اجتماعيا، ومع ذلك سيمر وقت طويل قبل أن يستقر فى بيت حقيقى بعروسة حقيقية. مدمن «بنك الحظ» سيشبّ كلاسيكيا مؤمنا بأن العمر محطات وأجمل ما فى كلاسيكيته إيمانه بأنه لا بأس مهما تأزمت الأمور من العودة مجددا للمحطة الأولى. مدمن «النبلة» وبنادق الصيد طفل يشبّ قليل الكلام ذا صمت مهيب، كثير السكون وقادرا على امتلاك أعصابه ولا يتحرك إلا فى اللحظة المناسبة.. حركة من أعماق السكون مليئة بقوة مكتومة.. فاحذر ضرباته.