لقد بات كل شىء قامت من أجله الثورة ضد مبارك ونظامه قائمًا: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. وكرامة إنسانية.
تلك هى شعارات الثورة.. فأين نحن منها الآن؟
لقد كان المجتمع مؤهلا تمامًا لتحقيق تلك الأهداف التى قامت من أجلها الثورة وأطاحت بنظام مستبد فاسد (أقصد رأس ذلك النظام) لكن مَن تولى بعد ذلك حافظ على رجال النظام واستمر على منواله، فكانت إدارة فاشلة للمجلس العسكرى الذى تولى السلطة بعد الثورة، وكان الشعب يثق، لكنه أثبت أنه لم يكن أبدًا على قدر هذه الثقة.
وأدخل جنرالات «العسكرى» البلاد فى أزمات أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن. وفى الوقت الذى فشلوا فيه فى إدارة البلاد أهملوا حماية البلاد، وها نحن نرى حصيلة هذا الإهمال فى المذبحة التى جرت لجنودنا فى سيناء الذين سقطوا شهداء.
وتنتقل السلطة إلى الرئيس المنتخَب محمد مرسى وجماعته الذين يثبتون الآن أنهم لم يكونوا على قدر الثورة التى قامت للتخلص من الاستبداد والظلم والقهر -فهم يريدون استمرار ذلك- فكل المؤشرات التى يفعلونها تؤكد ذلك.
وكانت تجربة الإخوان فى مجلس الشعب قبل أن ينحل تثبت أنهم يتصرفون كأكثرية مسيطرة، ولم يفعلوا شيئًا من أجل الشعب الذى قام بثورته.
واختار الرئيس محمد مرسى حكومته التى لا يمكن وصفها إلا بأنها استنساخ من حكومات مبارك الفاسدة التى أوصلت الشعب إلى الثورة.
وبعد كل ذلك يريدون أن يَرِثوا الحزب الوطنى بفساده وتكميمه للحريات.. فها هو رئيس الدولة لا يتحمل النقد ويرفع قضايا على وسائل إعلامية، متلازمًا مع مرشده العام الذى يقدم البلاغات ضد الصحف ويسبّ الإعلام.
.. وتستمر الأكثرية من جماعة الإخوان الممثلين فى مجلس الشورى -الذىن حصلوا فقط على 7٪ من الأصوات كأنها انتخابات لمجالس شورى النظام المخلوع- فى السيطرة على الصحافة الحكومية وتبدع فى اختيار الموالين والموالسين الجدد فى رئاسة تحرير الصحف. ورغم فضح لجنة المعايير التى شكلوها فإنهم يصرون على تغييرهم بطريقة أسوأ مما كان فى عهد مبارك وصفوت الشريف وأمانة سياسات الحزب الوطنى «الساقط» وأمن الدولة ويستبدل بكل ذلك جماعة الإخوان ومكتب الإرشاد ولجنة الحاج فتحى شهاب ومستشاريه من الذين لا علاقة لهم أصلا بالصحافة أو الإعلام ومنهم من ظهر فجأة ليسطو على الصحافة ما دام يقدم فروض الولاء والطاعة التى تسير عليها جماعة الإخوان.
.. ولم يكتفوا بذلك..
وجاء أول اجتماع للجنة الاقتصادية بوزرائهم الذين أتوا من «حظيرة الحزب الوطنى» ليهددوا بسحب تراخيص القنوات الفضائية وإغلاقها.
إن الحرية فى خطر فعلا من حكم جماعة الإخوان والرئيس مرسى ومكتب الإرشاد.
إننا نعود إلى الخلف بعد أن تخيلنا أن الحرية قد بدأت فى البلاد وتتسع لنكون مجتمعًا حرًّا ديمقراطيًّا يليق بالثورة التى قامت للإطاحة بنظام فاسد ومستبد وظالم.
ولعل ما جرى فى «التأسيسية» فى باب الحريات، خصوصا ما جاء فيه من النص على الحبس فى قضايا النشر، لمهزلة.. والمهزلة الأخرى اعتبار البعض فى اللجنة أنه انتصار لإلغاء هذه المادة الذين كانوا يريدون «دسترة» الحبس فى قضايا النشر.. وهو ما ينم على جهل يقلق على كتابة الدستور بشكل كامل.. فالدساتير لا توضع فيها عقوبات، وإنما توضع فيها مفاهيم «مؤسسة» تدعو إلى الحريات وإلى المزيد منها، خصوصًا فى مجتمع خارج من ثورة ضد الاستبداد.
لكن ماذا تقول لجماعة الأكثرية التى لا تريد الحرية بعد أن سيطرت على البلاد؟
وماذا تقول لنقيب الصحفيين الذى نشر فى «الأهرام» يوم 21 يوليو الماضى مواد حرية الصحافة فى الدستور الجديد ويضع نص الحبس فى جرائم النشر ضمن مواد حرية الصحافة ويفتخر بكتابتها؟! أليس هو نقيب الصحفيين.. وأليس عضوًا فى الجمعية التأسيسية بحكم منصبه كنقيب؟!
وللأسف الشديد لم ينتقد السيد النقيب وضع هذه المادة فى مشروع باب الحريات.. وينتقدها غيره.. إن الحرية فى خطر فعلا..