السياسة الخارجية تتضمن في الغالب المساعدة على التوصل لنتائج تكون بالكاد سيئة، لكنها ليست كارثية، ولو كان الرئيس باراك أوباما حاول الحفاظ على نظام مستبد لديه الاستعداد لتلبية طلبات واشنطن، فإن الأمور فى مصر ربما كانت ستصبح أسوأ مما هي عليه الآن، تقول مجلة «نيوزويك» الأمريكية فى تقرير أشادت فيه بطريقة تعامل إدارة أوباما مع صعود قيادي من جماعة الإخوان المسلمين إلى قمة السلطة في أكبر بلد عربي، وحليف واشنطن المهم في المنطقة. وتقول «نيوزويك» فى تقرير بعنوان «السياسة المتبعة مع مصر تظهر كيف أدار أوباما تراجع أمريكا بشكل جيد»، إن مؤيدى أوباما لن يعترفوا أبدا بشكل معلن بأن القوة الأمريكية فى تراجع، «لكن إذا قارنا وضع أمريكا على الصعيد الدولى اليوم بوضعها في أواخر التسعينيات، فإن التراجع واضح».
وتوضح أنه في فترة بيل كلينتون الثانية، كانت لدى الولاياتالمتحدة وفرة من النقد، وخرج جيشها بانتصارات من حرب الخليج والبوسنة وكوسوفو، وكانت الحكومات فى أنحاء العالم تتبنى النظام الرأسمالى الحر على الطريقة الأمريكية، وكان خصوم أمريكا الجيوسياسيين يظهرون إلى جانبها كأقزام، لكن اليوم على النقيض -تضيف «نيوزويك»- تغوص أمريكا فى ديونها، وجيشها منهك ومستنزف، وفكرها الاقتصادي لا يحظى بنفس القدر من الهيبة، وتواجه الصين، وهي قوة عظمى ثانية حقيقية كان التعامل مع هذا الواقع التحدى المركزى بالنسبة إلى فترة أوباما الرئاسية الأولى، ورغم أن حملته لا يمكنها أن تجهر بهذا، فإنه أدى مهمة جيدا للغاية.
وتوضح «نيوزويك» أن مصر مثال جيد على أداء أوباما الطيب فى هذا الخصوص، منذ سبعينيات القرن الماضى -والحديث للمجلة- كانت مصر دعامة للهيمنة الأمريكية فى الشرق الأوسط، حيث صنع الحكام المستبدون المصريون سلاما مع إسرائيل. لكنها تقول إن الرئيسين السابقين، الراحل أنور السادات والمخلوع حسنى مبارك، «لم يكونوا عميلين مثاليين بالتأكيد»، موضحة أنهما تساهلا، بل أحيانا دعما مشاعر العداء لأمريكا وإسرائيل فى مصر. لكن الأمر ليس كذلك اليوم، حسب المجلة، التى تقول إن أوباما جرى تحميله مسؤولية تراجع نفوذ الأمريكيين فى القاهرة، حيث يقول بعض المحافظين إنه يتحمل المسؤولية جزئيا عن «خسارة مصر».
وترد «نيوزويك» بأن «أوباما لم يخسر مصر»، لأن أمريكا فى الواقع لم تكن أبدا تملك مصر، فالمصريون البسطاء لم يقبلوا أبدا بالتحالف مع الولاياتالمتحدة، لأن هذا التحالف لم يحقق لهم لا الحرية ولا الازدهار. وما خسره أوباما هو نظام كان مستعدا لتنفيذ طلبات واشنطن، على حساب رغبات شعبه، ولو أن الرئيس الأمريكى حاول الحفاظ على هذا النظام لكانت الأمور فى القاهرة أسوأ مما هى عليه اليوم. وتشير المجلة إلى أنه منذ وصل الربيع العربي مصر قبل 18 شهرا، واجه أوباما لحظتين محوريتين لاتخاذ قرار، وفي اللحظتين فإن استعداده لقبول النظام المصرى الناشئ، خدم مصر وأمريكا على السواء، كانت اللحظة الأولى عندما تدفقت حشود المصريين على ميدان التحرير تطالب بتنحى مبارك، وهاجمه المحافظون من الخليج إلى إسرائيل إلى الجمهوريين فى أمريكا، بسبب عدم وقوفه بقوة إلى جانب حليف أمريكا القديم.
وتقول «نيوزويك» إنه لو كان أوباما دعا مبارك إلى تحويل ميدان التحرير إلى ميدان تيانانمين (فتحت قوات من الجيش الصينى النار على متظاهرين فى وسط بكين عام 1989 فى مجزرة قتل فيها المئات من المطالبين بالديمقراطية) لكانت مصر أشبه كثيرا بسوريا اليوم. وكانت اللحظة الثانية الأسبوع الماضى عندما ظهر أن المجلس العسكرى الذى تولى السلطة بعد مبارك، يفكر فى إعلان تابعه المطيع أحمد شفيق فائزا بمنصب الرئاسة، رغم حقيقة أنه كان خاسرا فى حكم المؤكد تقريبا. لكن إدارة أوباما ضغطت على الجنرالات بشكل متكرر لقبول انتخاب محمد مرسى بدلا من هذا، حتى رغم أن شفيق كان من المرجح أن يكون أكثر استجابة لرغبات أمريكا. وتضيف المجلة أنه بهذا أسهم البيت الأبيض مرة أخرى فى تجنب مذبحة فى شوارع مصر وانهيار كامل لعملية الانتقال الديمقراطى فى هذا البلد. لكن أيا مما يحدث فى مصر اليوم ليس سببا للاحتفال، فمصر محاصرة بين نخبة عسكرية تسعى للحفاظ على النظام القديم، وحركة إسلامية تأمل فى خلق نظام قمعى جديد. وقالت إن أوباما يواجه في مصر وضعا أكثر قسوة من نظيره في أوروبا الشرقية فى 1989، حيث يمكن أن تكون ديمقراطية الشرق الأوسط غير ليبرالية ومعادية لأمريكا، «لكن الرئيس فعل الصواب وجنب مصر سفك الدماء، وساند المبادئ الديمقراطية، حتى وهى تمكن الشعب الذى لا يحبنا، ومع هذا حافظ على قنوات اتصال مفتوحة مع طرفي الصراع فى مصر».