حائط متهالك تتشابك فيه الشقوق والخطوط مكونة لوحة سيريالية غير مقصود رسمها تجلس أمامه سيدة ترتدى حجابا أصفر خراوى اللون وأمامها طن من الأوراق و طنان من اللب والسودانى وفى يدها ساندوتش بيض بالبسطرمة وبجانبها مجموعة من الملابس الداخلية الحريمى (كومبليزونات بمبى مسخسخ) فهى تعرض بضاعتها أمام زملائها. المشهد برمته فى الغالب لرصيف ممتلىء بالباعة الجائلين فى شارع طلعت حرب بوسط البلد . عليك واحد ، لست فى وسط البلد ، أنت فى مكتب شئون الطلبة بالكليات الحكومية ، تعرف ذلك عندما تخرج تلك السيدة من جيبها الكائن الورقى المقزز المسمى ب"الدمغة" وتلعقه بطرف لسانها فى مشهد تكتمل بشاعته عندما تأتى ذبابة هائمة على وجهها لتقف على الساندوشت فتقوم المدام بهش الذبابة فيبظ البيض ويسقط على شهادة تخرجك التى تصبح بذلك منتجع جرثومى . قوة مبارك لا تكمن فى شخصه ولا شفيقه ولا عنانه ، قوة مبارك تكمن فى ثقافة نظامه ،سلاح الفساد المؤسسى والإدارى المتغلغل فى كافة أركان دولة العسكر هو سلاح أقوى لديهم من سلاح المدرعات فى مواجهة الثورة. ثقافة النظام هى ثقافة قائمة على إيصال اليأس والأحباط إلى كل خلية فى جسد المواطن المصرى إلى أن يصل لمرحلة الكفر بهذا البلد بمعنى أن يستقر فى ذهن المواطن أن ذلك البلد لن يتقدم، سيظل هكذا ، ستظل مصر دولة من دول العالم الثالث، ستظل المؤسسات الحكومية مكانا لقضاء الحاجة (كنيف يعنى) ، نحن عرب والعرب جرب ، نحن نقاد ولا نقود . ثقافة النظام هى ثقافة نابعة من كسر طموح المواطن المصرى ، بمعنى أن يكون همك هو كيفية الوصول إلى مكان عملك واجتياز كوبرى السادس من أكتوبر فى ست ساعات كما اجتزت خط بارليف فى اليوم نفسه وليس همك هو أن تعمل وتنتج وتبتكر (تبتكر تحتها خط أحمر). ثقافة النظام هى ثقافة منبثقة من أقوال المصريين المشهورة "دى بلد وسخة وهتفضل طول عمرها وسخة دى بلدهم مش بلدنا " ثم " بقولك ايه ما تسافر دبى أو قطر (السعودية راحت عليها) ولا أقولك هاجر استراليا (كندا راحت عليها) !" أحمد شفيق صادق ، الرجل يريد مصلحة ذلك البلد وهى من وجهة نظره أن تظل كما هى ، لا تسىء الظن بالرجل ، إدارته وليس إرادته هى التى سوف تؤدى إلى انهيار كامل للدولة المصرية . أحمد شفيق لن يكون فى حاجة إلى تحديد النسل لمعالجة الإنفجار السكانى بالقاهرة لأن عدد سكان مصر سوف ينخفض إلى النصف بعدما يختفى النصف الاخر بين مهاجر و مقتول و مفقود مع كل كلمة يلقيها لأنه لا يتمتع بأى قدر من الثبات الأنفعالى وهو كان ما يمتع به المخلوع على مدار ثلاثين عاما . مشكلة الفاسدين فى بلدنا أنهم اخطأوا واخطأوا واخطأوا فى حق ذلك الوطن فأصبح الخطأ بالنسبة لهم صحيحا والان وقد وصلوا إلى الذروة فإذا قلت لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون . كبروا والوساخة كبرت معاهم ...الله يمسيك بالخير يا تيتو !