رحلة أشبه بالتوغل في أدغال أفريقيا من مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية وحتي قرية الطوبجي أو «الخصة» - كما يطلق عليها أهلها- القرية التي عاشت أياماً حزينة وصعبة في انتظار فقيدها الشاب المصري أحمد ممدوح عبدالعزيز السيد قتيل إيطاليا، الذي قُتل في مشاجرة في مدينة ميلانو الإيطالية؛ المسافة بين المركز والقرية لا تتعدي 20 كيلو متراً لكنها مليئة بالمتاعب ويكفي أن الطريق لا يعلم عن الأسفلت شيئاً لما يقرب من 15 كيلومتراً تسير فيه السيارة وسط سحابة من التراب والرمال والأراضي الزراعية والمنحنيات الخطرة.. القرية التي اتشحت بالسواد من مدخلها تعلم أنها تعاني الكثير حيث يحيط بجانبي الطريق مصرفان قال عنهما أهل القرية إنهما الخطر الأكبر علي الأطفال وأكدوا أن آخر الضحايا كانت طفلة لا تبلغ من العمر 4 أعوام التهمها المصرف وفشلت كل المحاولات لإخراجها.. وتساءل الأهالي لماذا لا تردم الحكومة هذا المصرف القاتل وتنقذ الأطفال من موت محقق؟ والمشاكل في القرية لا حصر لها ورغم حمد الأهالي لله وشكره علي نعمة الماء رغم أنها غير نقية والكهرباء رغم أنها غير مستمرة فإنهم يحلمون بوصول الأسفلت إلي قريتهم ومنحهم سبيلاً للراحة بدلاً من عناء الوصول لمدينة منيا القمح حيث قال الأهالي إن مرور سيارة علي قريتهم أمر نادر الحدوث فهم يلجأون لركوب ثلاث مواصلات للوصول لأقرب المدن وقضاء مصالحهم وقبلها المشي نحو كيلو متر علي الأقدام أملاً في إيجاد سيارة تقلهم إلي قرية مجاورة يركبون منها سيارة نصف نقل أخري نحو منيا القمح وسط سحابة من التراب وتحت أشعة الشمس صيفاً والأمطار شتاء. الفقيد أحمد ممدوح ليس الشاب الوحيد الهارب من جحيم البطالة في القرية فغيره كثيرون ممن تركوا قريتهم وسعوا في بلاد الله الواسعة أملاً في إيجاد لقمة العيش وسط حالة كساد غير عادية في قرية تفتقد أي مشروع أو منفذ عمل ينتشل شباب القرية من الضياع والاستقرار في بلدتهم الصغيرة الهادئة بدلاً من السفر وحرق قلوب أهاليهم عليهم.. المشاكل لم تنته بعد، فالأغرب في الطوبجي كان الكهرباء حيث تعيش القرية بأكملها علي محول كهرباء واحد فضلاً عن استمرار استخدام أسلاك الكهرباء غير المعزولة التي تتسبب في أزمات ومشاكل كثيرة خاصة أن أغلب منازل القرية مبنية من الطين ويعلوها قش الأرز ومع أقل شرارة كهرباء تشتعل الحرائق وتلتهم ما حولها. مطالب أهل الطوبجي لم تنته ورغم وجود مدرسة ابتدائية وأخري إعدادية تخرج فيها الفقيد أحمد ممدوح فإنها دون مدرسة ثانوية مما يدفع طلبة القرية للذهاب إلي مدرسة ثانوية في قرية تبعد نحو 2 كيلو متر عن الطوبجي وأحياناً يقطعون هذه المسافة مشياً علي الأقدام وحلم المدرسة الثانوية ينهي كل هذه الصعوبات. الطريف أن الطوبجي لا تحتوي علي وحدة محلية وليس بها عمدة أو شيخ قرية وتتبع ميت سهيل وهي قرية مجاورة فيها عمدة يحكم القريتين وبالطبع الأقربون أولي بالمعروف والتطوير! قرية بعيدة عن مظاهر الحياة المدنية الحديثة تبحث عن مشروع يجتمع عليه أبناؤها وردم مصرف لإنقاذ أطفالها وأسلاك كهرباء معزولة تنهي حرائقها ومدرسة ثانوية تريح طلابها وأسفلت ينهي عناء كل زائريها وسكانها.