هى لحظات عصيبة ولم يسأل أحد نفسه لماذا هى عصيبة؟، هل لأنها «بتعصب» الجميع بداية من سائقى «التوك-توك» نهاية بسائقى «التوك-شو»؟، أم أنها عصيبة لأنها أهلكت أجهزتنا العصبية فى بلد لا يوجد به توكيل لهذه الأجهزة؟، أم أنها عصيبة لأن عصب الوطن أصبح كالسلك العريان لا أحد يمتلك جرأة كافية للإمساك به لإزالة ما ظهر على سطحه من طفيليات؟ هى عصيبة لأسباب كثيرة أهمها الطريقة التى يقاوم بها البرلمان حاليا ترشيح عمر سليمان.
فالقدرة على امتلاك بجاحة تفصيل القوانين أمر مخيف، الترزى البلدى فى العهد السابق تحول إلى ترزى إسلامى، ومبدأ تفصيل القوانين الذى ثار ضده فى ما مضى الجميع، بمن فيهم رئيس البرلمان الحالى عندما كان عضوا فى البرلمان، صار الآن مقبولا ما دام يخدم فكرة معينة، لم يفكر البرلمان فى إصدار هذا القانون عندما كانت قائمة المرشحين تضم من رموز العهد الماضى فقط شفيق وموسى، ربما لأنه لا خوف حقيقيا منهما، أما بظهور عمر سليمان بصندوقه الأسود وبوجهة نظره القديمة فى الثورة التى يؤمن أنها بتحريض من الإخوان، بظهور رجل مخابرات يعرف ما لا نعرفه، ويعتبره الإسلاميون خصمًا شرسًا وصوله إلى الحكم، يعنى التنكيل بهم ببطء، لكن بثقة، الآن فقط وبظهور هذا الرجل أصبحت صياغة قانون هى الأمر الوحيد الذى يحمى الإسلاميين وطموحاتهم من مصير غامض، فلماذا لا نلجأ إلى الطريقة التى كان النظام السابق يحمى بها نفسه ويؤمِّن مصالحه، البرلمان الجديد الذى صاحوا يومًا فى قلبه «تجوع الحُرَّة ولا تأكل بثدييها» يرقص الآن رقصة استربتيز سياسى يخلعون فيها ملابسهم قطعة قطعة بما لا يخالف شرع الله.
الفكرة لا تتجزأ وقدرة البرلمان الفاحشة على سن قوانين من هذا النوع بهذه السرعة إذا قبلنا بها -حتى لو كانت تحقق لنا ما طالب به الثوار منذ أول يوم.. أقول إذا قبلنا بها فهذا يعنى أننا نعتمدها كطريقة عمل سياسى قد يكون أى واحد فينا ضحيتها يومًا ما، حتى إذا انقلبت الآية وأصبح البرلمان أغلبيته ليبرالية ثورية يسارية وأصبح الإسلاميون قلة تسبب ضجة ما فسنرفض تماما لىَّ ذراع القانون للتخلص من هذه الأقلية المزعجة، فقوانين اللعبة ستسرى علىَّ وعليك وما دمت قد شرَّعت طريقة ما فلا تأمن أن تنقلب عليك.. دامت لمين؟
عمر سليمان الذى بُحَّ صوت الثوار خلال العام الماضى مطالبين بالتحقيق معه واستجوابه وعدم الاستهانة بوجوده حرًّا طليقًا أصبح الآن هدفًا لسهام الأحزاب الدينية ورجال البرلمان بعد أن صدَّروا للثوار الطرشة خلال الفترة الماضية، ليقينهم أن عُرس الديمقراطية أهم من مثل تلك الأمور، وأول ما دخل عمر سليمان قاعة عُرس الديمقراطية تذكر البرلمانيون موضوع الثورة وحماية الثورة.
سليمان مرفوض، وكذلك الطريقة التى يتعامل بها البرلمانيون مع ترشحه مرفوضة، والصناديق والأغلبية التى أكل بها الإسلاميون رؤوسنا فى الفترة الماضية كشفوا لنا برعبهم هذا أنهم لا يثقون بها ولا فى أنفسهم، فكان البديل طريقة تقكير سندفع كلنا ثمنها فى مواقف مختلفة.
هذا العك يقرِّب البعيد وأعتقد أنها هانت.
أكتب ويؤسفنى أن تتطابق فى هذه اللحظات الخنيقة وجهة نظرى مع وجهة نظر النائب مصطفى بكرى، لكن لا يجعلنك هذا تغيِّر وجهة نظرك، فصياغة قانون عزل عمر سليمان مع حماية المشير الذى أعده البرلمان هى «باطل يُرَاد به حقٌّ»، أما اعتراض بكرى عليه فهو فى أغلب الظن الذى أغلبه إثم هو «باطل يُرَاد به باطلٌ».