المستشار عبد الجيد العوامي وكيل مجلس الدولة يكتب: في محاولات المساس باستقلال السلطة القضائية احترام السلطة القضائية وعدم التدخل في شئونها تابعت وبمزيد من القلق محاولات بعض نواب مجلس الشعب، الحديث تحت قبة البرلمان حول السلطة القضائية والتعرض للقضاة وأعضاء النيابة العامة، بالنقد والتجريح، وطمس معالم الحدود الفاصلة بين السلطات الثلاث، والتشكيك في سير العدالة وإدارة شئونها، وهو الأمر الذي أصاب الأوساط القضائية والرأي العام القضائي بالصدمة والفجيعة، باعتبار أن التعليق علي سير المحاكمات وأحكام القضاء في الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، مدحا أو قدحا، غير جائز بعامة، ومن مثقفي الشعب المصري بخاصة، ممن كانوا شهداء علي التضحيات التي قدمها رجال القضاء والتي أودت بحياة البعض منهم وتعرض البعض الآخر لإصابات جسيمة، من أجل أن تكون تلك الانتخابات حرة نزيهة، معبرة عن الإرادة الحقيقية للشعب المصري، وهو ما كان مثار إشادة وإعجاب من العالم أجمع. ولا مراء في أن التعليق علي سير المحاكمات يعد ضربا من ضروب التأثير في القضاة والتدخل في عملهم، وهو الأمر الذي لم تجزه الدساتير وحرصت علي تجريمه القوانين، واستقرت التقاليد القضائية والأعراف العلمية الراسخة علي حظر التعليق علي الأحكام القضائية أو التعرض لها، إلا بإحدى وسيلتين: الأولي: وهي الطعن علي الحكم أمام محكمة الطعن ووفقا للطرق والضوابط المقررة قانونا. والثانية: وهي التعليق العلمي علي الأحكام، وبضوابط منها: أن يكون التعليق من متخصص، وأن يتناول حكما استنفدت طرق الطعن عليه تفاديا لمظنة التأثير علي قضاء الطعن، وألا يناقش التعليق إلا المبادئ التي شيد الحكم عليها بناءه دون أدني تعرض للهيئة التي أصدرته أو التفتيش في خبايا النوايا أو مكنون الضمائر، وأخيرا أن يتم التعليق من خلال مطبوعة قانونية متخصصة. وبغير هاتين الوسيلتين يحظر التعليق علي أحكام القضاء، ويضحي التعليق جريمة ويوقع صاحبه تحت طائلة العقاب، خاصة إذا تجاوز للمساس بشخص القاضي. وإزاء ما تقدم، ولما كان هذا التصرف غير المسبوق، قد جاء في مضمونه وغايته، مهدرا لكافة القيم والأعراف، ولمبدأ الفصل بين السلطات، ومخالفا للإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، فخالف المادة (46) منه، والتي أكدت علي أن السلطة القضائية مستقلة، فمس استقلالها، وشجع الغير علي انتهاج هذا المسلك في الاعتداء علي حجية الأحكام القضائية، كما خالف المادة (47) منه، والتي أكدت علي أن القضاة مستقلون، وأنه لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وأنه لا يجوز لأية سلطة أن تتدخل في القضايا أو في شئون العدالة، فخاض في التحقيقات التي تجري وأسلوب إدارة الجلسات وأساء إلى سمعة رجال النيابة العامة الشرفاء والقُضاة أعضاء تلك الدوائر، والتعريض بسمعتهم، وكان من الأجدر بالذين تعرضوا للسلطة القضائية، أن يبادروا دون إبطاء إلى دعم رجال القضاء و التأكيد علي استقلالهم وتوفير المناخ الملائم لأداء رسالتهم السامية، وأن يطالبوا بوضع التشريعات التي من شأنها تدعيم استقلال القضاء وسرعة تنفيذ أحكامه ومعالجة بطء إجراءات التقاضي، باعتبار أن ذلك يعود بالفائدة علي جموع الشعب المصري، وليعلم كل من يحاول المساس أو النيل من سمعة ومكانة القضاء المصري الشامخ، أن قضاء مصر العظيم بناه قضاة شرفاء نقف أمام تاريخهم إجلالاً واحتراماً وتوقيراً، قضاة أشربت نفوسهم احترام القانون، وغُرس في قلوبهم حب العدل، وناضلوا دفاعاً عن حق هذا الشعب النبيل في أن يتمتع بكامل حقوقه وحرياته العامة غير منقوصة، وحق مؤسساته في أن تكون قوية معتصمة بالقانون، وحق هذا الوطن العظيم في أن تقوم نظمه ودعائمه على مرتكزي القانون والعدالة، فثبت في عقيدتهم ووجدانهم أن لقضائهم شعب يحميه، لإيمانهم الكامل بأن العدالة ليست ملكا للقائمين عليها، بل هي ملك لهذا الشعب الذي كان ومازال مهدا للحضارات، وصانعا للأمجاد، والذي سيكون هو المدافع الأول والأخير عن حق أفراده في بناء قضاء مستقل، كحرصه علي بناء دولته الحديثة التي يزهو بها بين الأمم، بما يمكن الجميع من أداء دوره علي الوجه المأمول خدمة للعدالة وحماية لمسيرة ثورة الخامس والعشرين من يناير البيضاء ومكتسباتها، ومن أجل أن يطمئن الجميع بأن العدالة حتما ستعيد الحقوق إلي أصحابها، وستكون هي السياج الواقي والحصن الحصين لثورتنا البيضاء العادلة، من الدخول غيا بات التيه والضلال، والوصول بها إلي تحقيق غاياتها وأهدافها. وعليه فإنني أهيب بالجميع احترام السلطة القضائية وعدم التدخل في شئونها، أو التعرض لأحكامها بغير الطريق الذي رسمه القانون، والالتزام بالضوابط العلمية عند تناولها، صونا لمكانة القضاء وتوطيدا لاستقلاله ونأيا بهذه السلطة عن كل ما يمس هيبتها وكرامة أعضائها، باعتبار أن الأحكام دوما عنوان الحقيقة والعدالة، وتصدر باسم الشعب وعلانية، وتتجاوز في قدسيتها كل صاحب قرار أو سلطة مهما كان منصبه، وأتوجه بنداء صادق ومخلص، إلي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بأن يحمي دور العدالة، وأن يهيئ للقضاة المناخ الملائم لأداء رسالتهم المقدسة وواجبهم الوطني. وأؤكد بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن كل قاض غيور علي قيمة وقامة القضاء المصري العظيم، أننا ندعم زملائنا قضاة مصر الشرفاء ومجلس إدارة ناديهم في التصدي لكل محاولات النيل أو المساس بهيبة و استقلال رجال القضاء وكرامة أعضائه، ونرحب بكل أوجه التعاون البناء بين السلطات الثلاث، من أجل النهوض بمصرنا الغالية والعبور بها إلي مصاف الدول المتقدمة، باعتبار أن ذلك أحد أهم أهداف ثورتنا المجيدة.