«كاذبون» هى آخر كلمة باللغة العربية تنضم إلى قاموس الصحافة الأمريكية، وهى تتناول بالتفاصيل يوما بعد يوم الثورة المصرية وتطوراتها، الكاتبة الأمريكية "روبن رايت" في مقال لها بصحيفة «وول ستريت جورنال» وهى تتعرض لعام من عمر الثورة وثورة الشعب المصري من خلال حياة الناشطة الحقوقية "غادة شهبندر"، وقد استخدمت الكاتبة الكلمة مبينة معناها ومدلولها السياسي في الفترة الأخيرة، والكلمات العربية التي سبقت «كاذبون» في التبني والتداول تشمل «فلول» و«بلطجية» و«الشعب يريد» و«كلنا مصريين»و.. طبعا «التحرير». ومع اقتراب 25 يناير شهدت العاصمة الأمريكية في الأيام الأخيرة عديدا من الندوات واللقاءات واطلعت على تقارير تلقى الضوء وتحاول تقييم ما حدث وتوقع ما قد يحدث في مصر خلال الفترة المقبلة، هناك شبه إجماع على أن تغييرات كبيرة وجذرية حدثت وتحدث كل يوم إلا أن هناك أيضا قلقا وتوجسا مما قد تأتي به الأيام مع اكتساح الإسلاميين للانتخابات البرلمانية وعن المتوقع أو المنتظر من مجلس الشعب الجديد، وأيضا قلق تجاه الجدية أو التردد أو التلكؤ في الانتقال الديمقراطي إلى سلطة مدنية من خلال المجلس العسكري، وأخيرا وبشكل واضح المشكلات والتحديات الاقتصادية التي تتفاقم مع الأيام. ولم يعد بالأمر الخفي أن روشتات الإنقاذ والعلاج للأزمة الاقتصادية لن يكون لها مفعول أو تأثير إلا مع «تحقيق الأمن» وضمان «الاستقرار السياسي»، أو كما قال أحد المشاركين في إحدى الندوات :«علينا أن نشهد أن مصر بدأت تسير في طريقها للاستقرار السياسي، وهناك أصحاب قرار يمكن أن نتفق معهم على خطط وخطوات». والوضع الاقتصادي في مصر والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي تناولها الرئيس الأمريكي "أوباما" مع المشير "طنطاوي" في محادثته التليفونية يوم الجمعة (20 يناير) التي شملت أيضا أمورا أخرى، أبرزها الانتقال الديمقراطي ودعم أمريكا لمصر في تحقيق ذلك وترحيب "أوباما" بالانتخابات البرلمانية وتهنئته للشعب المصري «لاتخاذه هذه الخطوة الهامة نحو الديمقراطية»، كما شدد الرئيس (حسب بيان صادر عن البيت الأبيض) على أهمية الالتزام بالمبادئ الإنسانية، وأكد أهمية الدور الموجود لدى المجتمع المدني ومنه المنظمات غير الحكومية في مجتمع ديمقراطي، مضيفا أن هذه المنظمات يجب أن يكون في إمكانها العمل بحرية. ومعروف أن هذا الملف ما زال عالقا حتى الآن والأخطر أنه ما زال محيرا ومثيرا للشكوك بالنسبة إلى الجانب الأمريكي، لأن ما جرى وما يجري لا يتم فى إطار إجراءات قانونية فقط يمكن الالتزام بها والسير من خلالها، بل في أجواء إعلامية وحملات سياسية تتحدث عن تدخل أمريكي وخرق للقوانين وعملاء!! وقد صرح "ليزلي كامبل" - مدير الشرق الأوسط للمعهد الديمقراطي الوطني - لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز» بأن السلطات المصرية تستجوب موظفي المعهد في القاهرة كل يوم، وأن نبرة الاستجواب تزداد حدة يوما بعد يوم ولا تنقص، حسب وصفه،وأضاف أن السلطات لم ترد نحو 100 ألف دولار نقدا أو أجهزة كمبيوتر أو أدوات أخرى صادرتها خلال المداهمة للمكاتب، كما أعرب مسؤولو المنظمات الأمريكية عن تخوفهم على سلامة العاملين بها في القاهرة. وإذا كانت وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية قد تابعت محاكمة مبارك وأبدت اندهاشها تجاه بعض ما قاله محاميه "فريد الديب" فإن صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي (20 يناير) لم تتردد في أن تنتقد وبشدة محاكمة مبارك، واصفة إياها بأنها مهزلة بكل المقاييس وهى تستعرض ما دار فيها حتى الآن وما قدم فيها من أدلة، وكلها في نهاية الأمر تستهدف من جانب «العسكري» (حسب الصحيفة) إرضاء الغضب العام وتمهيد الطريق لضمان الحصانة له في ما بعد. في المقابل نجد صحيفة «نيويورك تايمز» اهتمت باقتصاد مصر وتدهور أوضاعه، وكتبت في افتتاحيتها يوم السبت (21 يناير) تحذر من أن أزمة مصر الاقتصادية تزداد حدة وسوءا، وهذا يمثل تهديدا خطيرا للانتقال الديمقراطي. وبعد أن استعرضت «نيويورك تايمز» تفاصيل الأوضاع التي وصلت إليها مصر من انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي من 36 مليار دولار إلى نحو 10 مليارات وارتفاع نسبة البطالة وما تم (أو لم يتم) بخصوص القروض من صندوق النقد الدولي وأن الصندوق قد لا يبت في الأمر قبل شهر مارس المقبل، فإن الصحيفة تطالب واشنطن والاتحاد الأوروبي ودول الخليج بالوفاء بوعودها التي أعطتها من قبل لمصر، بمدها بمليارات من دولارات «التي لم تنجز، لأنهم ينتظرون مؤشرات استقرار سياسي». وتطلب «نيويورك تايمز» أيضا: يجب أن تبدأ مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع مصر. وترى الصحيفة أن واشنطن وحلفاءها قد لا يكون لهم على المدى القريب تأثير كبير لدى الحكام العسكريين أو من تم انتخابهم مؤخرًا، إلا أن عليهم (أي واشنطن وحلفاؤها) أن يبنوا علاقات طويلة الأمد مع كل فئات المجتمع المدني في مصر، وتختتم الافتتاحية بالقول إن مصر يمكن أن تكون واحدة من أكبر 10 اقتصاديات في العالم على مدى جيل، وإن هذا لهو «هدف جدير بالعمل من أجله». ومع الانتهاء من الانتخابات وتكوين برلمان جديد طالبت منظمة «هيومان رايتس ووتش» في تقرير لها بعنوان «صفحة جديدة: مقترحات تشريعية للبرلمان المصري من أجل حماية حقوق الإنسان»، البرلمان المصري الجديد بأن يصلح على وجه السرعة ترسانة القوانين التي استخدمتها حكومة مبارك من أجل تقييد الحريات. وأن هذه القوانين (والمستخدمة حتى الآن) استخدمت من أجل تقييد حرية التعبير وتقييد الانتقادات الموجهة للحكومة، والحد من حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع، وأدت إلى احتجاز الأفراد لأجل غير مسمى وبلا اتهامات، وساعدت على حماية قوات الشرطة المُنتهكة للحقوق من المحاسبة، كما أن الحُكام العسكريين للبلاد في الفترة الماضية اعتمدوا على هذه القوانين في اعتقال المتظاهرين والصحفيين ومحاكمة أكثر من 12 ألف مدنى أمام المحاكم العسكرية. ويحدد التقرير تسعة مجالات في القانون المصري ينبغي على البرلمان الجديد أن يقوم بإصلاحها سريعا إذا أراد أن يصبح القانون أداة لحماية حقوق المصريين لا قمعهم، ومنها قانون العقوبات وقانون الجمعيات والقوانين الخاصة بالتجمع وقانون الطوارئ، وقالت "سارة ليا ويتسن" - المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - في المنظمة إن «تغيير القيادة دون تغيير القوانين ليس الضمان الكافي للحرية». وأضافت «يحتاج المصريون لأن يعرفوا أن القانون هو الحامي لحقوقهم، لا قادة جدد يزعمون أنهم ملتزمون بالقيم». وكما جرت العادة، ففي أثناء كل حديث عن مصر تتم الإشارة إلى أو التلويح بالمساعدات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا وإمكانية قطعها أو وقفها، وحسب ما ذكره "جون الترمان" - مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية - في تقرير له صدر منذ أيام فإن هذا المبلغ يمثل نحو ربع ميزانية الدفاع المصرية التي تبلغ 4.5 مليار دولار، والتقرير (مصر في مرحلة انتقالية.. رؤى وخيارات للسياسة الأمريكية) يشير إلى أن خبراء شؤون مصر يرون أن في تطوير المؤسسة العسكرية المصرية يمكن الاستفادة من تجارب البرازيل والأرجنتين وبعض دول أوروبا الشرقية، إلا أن هؤلاء الخبراء يجدون صعوبة في الوقت الحالي أو لم يتفقوا بعد على صيغة ما لما يقترح من إيجاد آلية مراقبة أو متابعة مدنية ل«العسكري» وميزانيته. وفي هذا الشأن أيضا خبير شؤون مصر والشؤون الدولية "روبرت كيجان" (وهو ليس الوحيد في هذا التوجه) حرص على أن يلمح بأن اهتمام واشنطن بمصر لا يقتصر ولا يجب أن يقتصر على مدى التزام القاهرة باتفاقية السلام مع إسرائيل وأنه (أي النظام المصري) ما دام فعل والتزم بذلك يمكن أن يفعل أي شىء في الشعب وحقوقه وحرياته، وأن واشنطن سوف تغمض عينيها عما يراه الجميع وتسد أذنيها عما يقال ويتردد. ولا شك أنه في أغلب المناقشات، ما قد يتفق عليه الحضور هو أن ما سمى بالربيع العربي (ونحن هنا نقيم حدوثه لا نتائجه) أنهى زمن «احتكار السلطة.. واتخاذ القرار» ووضع نهاية ل«احتقار الحقيقة» و«تهميش الرأى العام»، نعم هذا الزمن قد ولى، ومصر ومن ثم العالم بعد فبراير 2011 بدأ يعيش حياة مختلفة.. ولا عودة للوراء!!