إنها هيبة الثورة.. هيبة هؤلاء الباكيين في خشوع على عينيَ أحمد حرارة، وجسد بسام أحمد طالب الصف الأول الثانوى الذي يرقد في سريره مصابا بشلل نصفى وفقدان للنطق نتيجة طلق ناري بالرأس..على جثة أحمد بدوى الشاب الذى دهسته السيارة الدبوماسية يوم 28 يناير والتقطه رصاص الداخلية فى 21 نوفمبر.. وصل للمستشفى حيا لكن غباء العاملين- لا أعرف إذا كان غباء أم جحود- فى قصر العيني تكفل بإنهاء حياته حينما أبلغوا أصدقائه أن بنك الدم مغلق لأن "بدوى" وصل مصابا بعد الثانية عشرة ليلاً، وكأن بنك الدم له مواعيد عمل رسمية، أو كان من المفترض أن يصاب في وقت مبكر قليلاً؟ رحمه الله لم يكن يعلم أن الإصابة لها مواعيد.. فقط هنا فى مصر.. كان الأجدى بقصر العيني أن يبلغوا تلك المواعيد للداخلية لتوقف القتل بحلول الثانية عشرة.. هناك مئات غيرهم.. كُلنا بكينا عليهم وكنا مفتونين بهذا البهاء الذي غطى الميدان وهم يسيرون في نعوشا رمزية لها جلال خاص يوم الجمعة الماضي، فللشهداء هيبة لو كانوا يعلمون؟.. أهليهم كانوا يقفزون إلى الصورة من حين لآخر.. من يدري ربما هي المرة الأولى التي يعلمون فيها أن لدُنياهم معنى كبيرا جدا غير الذي عرفوه.. تحديدا أمهاتهم اللاتي لايعرفن كيف يعبرن عن هذا الفقدان الكريم.. يدركونه فقط ببصيرة الأمهات.. وقلق الأمهات.. ورجاء الأمهات، وقلة حيلتهن. كل هذا العجز.. وكل هذا الإيمان.. يا الله .. تقتلك أم الشهيد بكاء ثم وفي جملة واحدة تعطيك درسا في فن الصبر والإصرار والمحبة :"اخواته اللي في التحرير هيجيبوا حقه".. أمهات التحرير أهدوا أبنائهم لشارع محمد محمود.. فمن ينصفهم؟ إنهم أمهات الثورة اللاتي حملن وتعبن ووضعن وربين.. ثم أطلقوا أبنائهم تحت أقدام الوطن.. وبكين عليهم وعلى كل الأحلام التي رسموها لهم ومعهم.. ليأتي المجلس العسكري ويعامل قاتلهم معاملة ملوكي.. يذهب إلى التحقيق وتكاد أصابعه تخرق عيون أهالى ضحاياه.. هكذا بلا كلابشات.. مداريا عينيه التى حٌرم منها أحمد حرارة وغيره أسفل نظارة شمسية "كم تبدو رخيصة في وجوه القتلة".. إنها مكافأة الباشا صائد عيون الشرفاء.. مشهد خروج الشناوى من النيابة حيث خضع للتحقيق كان استفزازيا تماما.. وفاضحا لبلد دماء شهداؤه لم تبرد بعد.. ولن تبرد، عندما يطل القاتل بكل هذا التبجح بعدما فضحه "يوتيوب" واستحوذ الفيديو الذي يصيب فيه عيون المتظاهرين نسب مشاهدة قياسية، وتوقف الناس كثيرا عند تلك العبارة الجارحة المهينة، العبارة التي عرفتنا تماما ماهو حجمنا بالضبط لدى ضباط الداخلية وتابعيهم، ورؤسائهم ومن يرأسون رؤسائهم.."جدع ياباشا جبتها في عين أمه"، من يربي عساكر الداخلية؟ وياتري نحتاج إلى كم سنة كي يعلم هؤلاء أن الدم ليس رخيصا؟، وأن الجثث الطاهرة ليس مكانها أكوام القمامة، السؤل الأكثر كارثية، إذا كانت حقوق من استشهدوا فى حرب أكتوبر بعضها لم يصل لأهاليهم حتى الآن وحقوق شهداء آخرين – هم كٌثر فى مصر حقيقة- تسير على ساق عرجاء، وعلى ماهو أقل من المهل، فكم قرنا ننتظر حتى يعود لشهداء محمد محمود العُزّل حقهم؟ على الأغلب سوف نخصص كل أشهر السنة لشهدائنا الذين لن نستحقهم.. حجزنا حتى الآن "يناير وفبراير ونوفمبر وأكتوبر".. وهانت قربنا نقّفل السنة، ووقتها ممكن نبقى نعيد من الأول، حيث أن للشهور عدد سيدي الفاضل، ولكن خيبتنا في من يحكموننا ليس لها عدد ولامنطق.. ربما وجدوا أن الوسيلة الأفضل لتغيير معالم القاهرة وشوارعها هو قتل عدد لابأس به من الشهداء في كل شارع، ووقتها سوف تختفي الأسماء الأصلية لنحصل على عينات من الأسماء جديدة لانج ساهم في ابداعها كل باشا لايخجل من كابه أو دبورته.. تحديدا من إنسانيته، ويفضّل أن ينشن في العيون. الآن..أصبح للميادين والشوارع الأبرز في مصر ذكرى أخرى موازية أكثر طزاجة وصدقا تخص معارك الأمن مع من يبتغون وطنا نظيفا. ياربِ..إلى متى يحكمنا من لا يريدون لنا سوى الموت بل ويهينوا جثثنا.. يارب.. دولة ديمقراطية بقى.