ليس التحرير مكان ... وإنما إيمان حالة روحية تحرر الإنسان من أصنامه: الأنانية، الخوف، التعصب، العبث لا يمكن وضع التحرير في الجغرافيا، فالتحرير صار عنواناً لكل الميادين الصارخة لأجل الحرية، في مصر وخارجها لا يمكن وضع التحرير في التواجد الجسدي، فالكثيرين يحملون التحرير في قلوبهم وهم ليسوا فيه والكثيرين يزورون الميدان ولا تفهمه ضمائرهم لا يمكن وضع التحرير في هتافات الثورة، فهو موجود في الحجر والأغنية والنكتة والحوار و حتى الوعي الصامت ليس للتحرير جنسية، بل هو يوحد البشر في مصر وفلسطين والبرازيل ولندن وغيرها وليس له دين، بالتعريف الأضيق للدين الذي يعرفه من يرون الدين سبباً للتفرقة ففيه يداوى المصاب المسلم في كنيسة والمصاب المسيحي في جامع وفيه يصرخ الغاضب على الشيوخ والقسس: الله أكبر، لأنه يدرك أن الإيمان بالحب والحرية يتصل - من فوق كل الممارسات الدينية - بالإيمان بالله يتخطى التحرير صلة الدم، ويعيد تعريف معنى الأم والأخ والأخت يتخطى أصنام الجنس، فتقود فتاة هتافات الثوار، ويبكي رجل في حضن أم شهيد نعم بالحقيقة، إن التحرير حالة روحية فإن خرج التحرير من قلبك، تدخل إليه هموم الحياة اليومية والبحث المضني عن سعادة تستهلكها وتستهلكك ودفاعٌ عن حيز ضيق يعزل الفرد عن هموم اخوته ومجتمعه في أنانية لا تغني من جوع لو خرج التحرير من قلبك يدخل إليه الخوف من الآخر، الخوف على حياتك وممتلكاتك، الخوف من التغيير وتبدأ في البحث عن انتماءات تعطيك احساساً وهمياً بالأمان وتتحول انتماءاتك إلى تخوين وتكفير واقصاء لكل من لا ينتمي إلى فقاعتك المفتعلة إن العودة للتحرير تشبه العودة إلى إنسانيتك الأولى ففي التحرير - الإيمان وليس الميدان - ينتصر الحب والرجاء والحرية على كل معطيات التاريخ فإذا نزلت للميدان، فلتصلي إذن مع أخيك وأختك من أجل الحب والرجاء والحرية لكن لا تعامل التحرير كمعبد من معابدنا التي تحيلها الطقوس والمراسم إلى أماكن وثنية فما أكثر الإيمانات التي قتلناها بأن خلقنا منها أصناماً وطقوس ولا تعيش الحالة الروحية إلا باستمرار النقد والعمل من أجل التجديد وإن لم تنزل، فلتعلم أن التحرير ليس بعيداً عنك بل هو في صلاتك لأجل الحرية وهو في عملك من أجل الحرية وهو في رجاءك الذي يضم حتى كل الذين لا يفهمون التحرير وهو في حبك لكل إخوتك في الإنسانية وهو أيضاً ... في وعيك الصامت