كان النظام فى مصر قد شاخ وأصبح الفساد فى البلاد للركب كما أعلن أخونا الحاج زكريا ذات مرة بلا خجل وخاصة فى السنوات العشر الأخيرة ،فى الوقت الذى توحشت فيه قيادات الحزب ورجاله بينما تدهورت البلاد وأصبح حالها يصعب على الكافرو كان مشروع التوريث يتم على قدم وساق على مرأى ومسمع الجميع فى مصر ،ورغم ما كان يتردد بين المصريين عن رفض رجال المؤسسة العسكرية لركوب المحروس على قلب مصر وعلى رأسهم المشير محمد حسين طنطاوى فإن أحدا فى مصر لم ير أية كرامة للجيش ترشح رفضه طبخة التوريث الذى فاحت رائحتها حتى زكمت الأنوف لاسيما بعد التعديلات الدستورية التى جعلت ترشح أى شخص غير مبارك أو جمال أصعب من المستحيلات الثلاثة ،ولا يحتاج الأمر كثيرامن التأمل لندرك أن رجال الجيش لم يمتلكوا أى باعث أو دافع للقيام بإنقلاب على النظام الذى كان يعمل ليلاونهارا من أجل تلبيس الخاذوق للمصريين ؛ فقد كانوا جميعا يرفلون فى رغد النظام ونعيمه وربما فضلت قيادات الجيش منح مبارك صاحب شرعية أكتوبر الفرصة للنهاية لاستهلاك كامل رصيده من هذه الشرعية التى أكدت كل الشواهد على أنها كانت قد تآكلت بالفعل فى العقد الأخير من حكمه وأنه لم يعد له رصيد كاف عند الشعب الذى امتلك بحق الباعث والدافع الحقيقى للتغيير والقيام بالثورة التى شاهدها العالم غير مصدق ما يحدث . ولعل من عجائب هذه الثورة المشهودة أن سلميتها التى كانت ولا تزال إحدى أهم علاماتها البيضاء كانت أيضا من أبرز أاااننتسباب نكستها على الأ قٌل حتى الآن فى نظرى ؛فالثوار الذين لم يحملوا سلاحا ضد قاتليهم ولم يفكروا فى الاستحواذ على السلطة فورا بعد تنحى مبارك بل حتى لم يشكلوا فيما بينهم حكمومة إنتقالية أو مجلس تأسيسى أو رئاسى ولم يفكروا ولو لحظة فى الانتقام بأية وسيلة من رموز الفساد الذين دمروا حياة المصريين اكتفوا طواعية وعن طيب خاطر وحسن نية وثقة بل وعشم- إن جاز التعبير- بغزل قماشة الثورة المصرية لتخرج بأعلى جودة ممكنة ثم ذهبوا بها فرحين وسلموها إلى ترزية المجلس العسكرى الذى لم يمتلك رجاله من البداية ما توفر لجموع الشعب من دوافع قذفت بهم إلى الثورة وظن ثوار يناير البلهاء وأنا أولهم أنهم سوف يستلمون ثوب ثورتهم فى الميعاد المحدد مطرزا بالأهداف التى قامت من أجلها الثورة مكتفين بعرض مطالبهم فى الموديل ثم تركوا للمجلس مهلته التى حددها بنفسه لإتمام التفصيل ،ولأن المجلس – كما قلنا – لم تنطلق الثورة من قلب قياداته ومن عزيمة رجاله كما حدث من قبل فى 52 لم يهتم كثيرا بطلبات المصريين الذين تكبدوا الدماء من أجل تحقيقها فراح يحيك لهم موديل قديم للثورة يناسب ثقافته وإمكانياته ؛ فلم يقدم لهم بعد 10شهورنتائج تليق بثورة تاريخية مشهودة بل نتائج ثورة إلا ربع أو ثورة "على ما تفرج " ؛ حيث تجاهل العقل والمنطق فى طريقة بناء دولة حديثة ونظام ديمقراطى وتعمد وضع إعلان دستورى أحيا به الدستور الذى مات بالسكتة الثورية مؤجلا صياغة دستور جديد للبلاد وهى الخطوة التى أربكت كل الحسابات وأدخلتنا فى دوامة وثيقة المبادىء الحاكمة فيما بعد والتى تعد محاولة لتدارك بعض الأخطاء السابقة وكما يقول المثل :" ودنك منين يا جحا" فقد كان بإمكان المجلس إن كان قد استمع إلى مشورة الخبراء فى هذا الاتجاه لكان أراح نفسه وأراح المصريين من قصة الدستور الذى هو أساس عملية التحول برمتها ، ليس هذا فقط بل ضرب المجلس العسكرى مثلا فى الوفاء بمطالب الثورة وراح يحاكم الثوار فى محاكم عسكرية بينما وضع المخلوع وهو رمز الفساد الأكبر فى جناح سياحى خاص فى أكبر المراكز العلاجية الدولية وأقام مجموعة من المحاكمات الهزلية لرموز الحزب والوزراء المتورطين من رجال النظام السابق سمح فيها لمؤيديهم بالحضور المنظم وضرب أهالى الشهداء والثوار أمام مقر المحاكمة كأنه بيغيظنا أو بيعاقبنا على الثورة ليس هذا فقط وإنما تجاوز الخيال عندما سمح لإعضاء الحزب الذى خرب البلاد والذى قامت الثورة المجيدة ضده وضد رموزه بالمنافسة فى الإنتخابات البرلمانية عينى عينك ليصيبنا جميعا بالجنون حتى إن منهم من تجرأ وهدد وتوعد بقطع الطرق وإراقة الدماء فى حال عزلهم بقانون أو غيره ومنعهم من استكمال رحلة فسادهم مع البرلمان ،كل هذا يدور والمجلس العزيز يشاهد ويتفرج من بعيد لبعيد ؛ولكنه جن جنونه وذهب عقله لمجرد أن قرر عدد من المتظاهرين الإعتصام مرة أخرى فى الميدان فسمح لرجال الداخلية بسحقهم عينى عينك فى معركة مستمرة منذ أيام وصل عدد الضحايا فيها إلى 40 شهيد وكم هائل من المصابين ، ثم ظهر بعض رجاله يتحدثون عن أياد خفية ومندسين وخلافه ..مما نحفظه من حكايات النظام السابق ..حتى خرج علينا المشير بالخطاب المعجز ليؤكد فيه أن الجيش ليس طالب سلطة ليعيدنا جميعا إلى خطاب مبارك الذى أكد فيه أيضا انه لم يكن أبدا طالب سلطة ورغم ذلك لزق فى الكرسى 30سنة ،أما أعجب ما فى البيان هو تأكيد المشير على استعداد المجلس لتسليم السلطة للمدنيين فورا وإذا اقتضت الضرورة ولكن بعد استفتاء عام للتعرف على رأى الشعب وهوبلا شك فخ غير دستورى وغير شرعى ولا يمكن القبول به بأى حال .. فالمجلس تولى إدارة البلاد بتوكيل من الثورة وهى أمانة لدية أما وقد أعلن الثوار سحب توكيلهم ورغبتهم فى استرداد الأمانة فلم يعد أمام المجلس إلا الرجوع للخلف در.. حيث الثكنات العسكرية ولهذا الرجوع العديد من السيناريوهات وعلى المجلس الموقر اختيار أنسبها وأحبها إلى قلبه ..