في الأسبوع الأول من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة النبوية الشريفة؛ أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نيته للحج، فأحرم وأنشأ يلبي: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ... فلما كان يوم عرفة؛ خطب في الحجيج معه؛ وكانوا مائة ألف أو يزيدون؛ خطبة الوداع التي أقر فيها مبادئ الإسلام، وودع فيها أتباعه بعد أن أشهدهم على أنه قد أبلغ الرسالة وأدى الأمانة. وقد ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير عبد الله بن الزبير قال: كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف. قال يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هلا تدرون أي شهر هذا ؟ فيقولون: الشهر الحرام، فيقول: قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا، ثم يقول: قل يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون أي بلد هذا ؟ فيصرخ به، فيقولون: البلد الحرام، فيقول: قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا، فيقول: قل يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون أي يوم هذا ؟ فيقوله لهم، فيقولون: يوم الحج الأكبر، فيقول: قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا.) تمثلت ذلك اليوم الأبرز في التاريخ، وتلك الكلمات القاطعة الرائعة حين كنت في صعيد عرفات يوم الحج الأكبر هذا العام، تقبل الله منا ومنكم.. آمين، وجال بخاطري ما يحدث منذ شهور في سوريا من بشار الضبع، وفي اليمن من علي طالح ، وما حدث في مصر قبلهما من حسني عديم البركة، بل وما يحدث في بلاد العرب منذ أكثر من ستين عاما، وتأكدت أن أيا من حكام العرب لم يقرأ هذا الجزء من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحج الأكبر في حجة الوداع، فإن كان قد قرأها أيهم؛ فهو لم يفهمها، وإن كان قد فهمها فهو يعاند الله ورسوله بألا يطبق كلماتها على نظام حكمه في تعامله مع من يحكمهم، ونظرة إلى العقود الستة الماضية تبين لنا مدى ما تمادى فيه هؤلاء الحكام من الغيّ والضلال والظلم وارتكاب الحرام. فمنذ أن قامت الجمهوريات العسكرية على أنقاض الملَكيات المنهارة، والحكام من العساكر لم يتوقفوا يوما عن الولوغ في دماء الناس من المحكومين، كأنها حلالٌ سفكها، أو كأن تثبيت أركان حكمهم لا يتأتى إلا بشرب دماء قتلاهم من المعارضين، وتضاعف عدد السجون والمعتقلات في عهودهم الكريهة، وسمعنا عن السجون السرية تحت الأرض وفي قلب الصحراء، وسمعنا عن الإلقاء بالمعارضين في أحواض ماء النار لتتلاشى جثثهم وتذوب عظامهم فلا يبقى لهم أثر، وسمعنا عن أساليب التعذيب الممنهج التي يتبعها كل من عمل في أمن الدولة أو الأمن الرئاسي أو المخابرات أو المباحث؛ صعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في الأجساد، والحرق والخوزقة ونزع الأظافر واغتصاب الزوجات والبنات والأمهات، واغتصاب المعتقلين أنفسهم وتعذيبهم حتى الموت أو الجنون، والعشرات من طرق القمع والتعذيب كلها حرام في حرام، ويرتكبها هؤلاء الحكام بأيديهم أو أيدي زبانيتهم وضباط مخابراتهم دون أدنى شعور بالذنب أو بالندم أو حتى دون أن تهتز مشاعرهم لمرأى الدماء والقتلى والمعذَّبين.. هذا عن حرمة الدماء التي انتُهكت، فماذا عن حرمة الأموال ؟ لن تجد رئيسا ساقطا أو مخلوعا أو محبوسا أو مقتولا إلا وعنده من الأموال ما يكفي لأن يعيش أبناؤه وأبناؤهم وعشرات الأجيال من بعدهم سلاطين متوجين على عروش المال، فهذا له سبعون مليارا، والثاني خمسون مليارا، والثالث مائة وعشرون.. كله بالمليارات دولار ويورو واسترليني، وكله من مال الشعب المطحون الذي يقال له كل حين وعند أي أزمة: هو أنا هجيبلكم منين ؟ والممتلكات من الفنادق الفخمة والقصور المنيفة والشركات العملاقة في أوروبا وأمريكا وفي كل أرجاء الأرض المستقرة تدر عليهم وعلى بنيهم الملايين والمليارات، وحذا حذوهم معظم من انتمى إلى أجهزة حكمهم، فاغترفوا من أموال الشعوب ولا يشبعون، وسرقوا أرصدته وذهبه ورؤوس أمواله ومصانعه وأرضه ولا تهتز لهم جفون، وهرّبوا ما نهبوا من أموال الشعوب إلى بنوك اليهود وتجار وسماسرة الغسيل والتبييض، بينما الشعوب تأكل أنياب الفقر والبطالة أطرافها وأدمغتها، ولا عزاء لأجهزة الرقابة والنيابة والقضاء.. إن حق الحياة لكل إنسان كفلته قوانين الله تبارك وتعالى، وليس من حق أيٍ كان أن يسلبه منه أو أن يفاوضه عليه، ولأن هؤلاء الحكام قد أجرموا في حقنا الذي أقرته إرادة الله لنا؛ ولأنهم يحسَبون أنهم وأبناؤهم وأتباعهم بعيدون عن العقاب بالقوانين التي استنوها بأنفسهم؛ برءاء من التهم المنسوبة إليهم؛ فإننا نلجأ إلى الله الذي قال: ( إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُون ) - السجدة 22 .... إسلمي يا مصر