يكتنف المشهد العربي عموما حالة من التوجس والقلق ترقبا لما ستفرزه الثورات العربية من نتائج يؤمل منها تحقيق انتصار شامل مكتمل لهذه الظاهرة الثورية التي اجتاحت المنطقة من المحيط إلى الخليج، والتي بطبيعتها جاءت ضد الفساد والاستبداد، ورغم ما يعتور المشهد من ارتباك في بعض جوانبه إلا أن الآمال تبقى عريضة لمستقبل عربي أفضل بعون الله، والحقيقة أن القلق البادي على الثورة من قبل العديد من المتابعين والمفكرين لا شك انه صحيٌّ وله ما يبرره كون الأرضية الثورية ما زالت طرية لم تتماسك بعد! وللحديث عن ثورة 25 يناير المصرية نجد أن هناك بعض الاستحقاقات الهامة التي لم تتضح مساراتها حتى الآن لا سيما ما يتعلق منها بمسألة الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتعديلات الدستورية وقانون الطوارئ وقانون الغدر وقضية تسريع محاكمات رموز الفساد وغيره من المسائل التي تتطلب أهمية خاصة يريدها ثوار مصر الجدد تمثل انقلابا كليا على الماضي وفتح آفاق رحبة للشعب المصري وللعرب جميعا، والأهم من ذلك كله هو مسألة التوافقية المطلوب توخيها ومحاولة التقرب منها بشكل يتناسب مع مختلف التيارات والشرائح الفاعلة على الساحة، وعدم الانجرار نحو الاختلاف والمواجهة بأي شكل من الأشكال التي قد تعصف بالثورة وتئدها في مهدها، وبلا شك أن النجاح الأولي الذي حققته الثورة المصرية بإسقاط النظام بأقل الخسائر الممكنة نقل الثورة خطوة متقدمة إلى الأمام، إلا أنه يظل الموقف حذرا مع وجود عدد من الأجندة المستقبلية الهامة، وتبقى القضية الأبرز على الساحة في مصر وفي الوطن العربي عموما وهي قضية ظهور قائد تاريخي يسيطر على زمام الأمور ويخاطب الملايين في مصر وفي الأمة العربية جمعاء مواكبا طموحاتهم وآمالهم متوافقا مع رؤاهم المستقبلية لصناعة مستقبل مشرق وواقع عربي جدير بالعزة والكرامة والأمجاد. وتعتبر القيادة احد المقومات الرئيسية لصعود أي امة على سلم التاريخ لتتبوأ المكانة المرموقة على الخارطة العالمية، وإذا ما تحدثنا عن القيادة في مصر فإننا بلا شك نتحدث عن قيادة للأمة العربية تؤثر وتتأثر بها بشكل مباشر نظرا للدور المحوري الذي تلعبه جمهورية مصر العربية، فليس هناك من بلد عربي يمكن أن يقوم بهذا الدور ولا يوجد بلد عربي يمتلك الخصائص والسمات التي تتوفر لمصر فهي العروبة وهي القوة والحصانة وهي التاريخ والمستقبل وهي من يمتلك عناصر المواجهة والصمود في زمنٍ عربيٍ شحيح، واليوم فإن الأمة العربية تسلط الأنظار نحو مصر رغبة في ظهور قيادة عربية جامعة يمكنها التأثير على الجماهير العربية الثائرة ويمكنها أن تستجمع قلوب الملايين من المحيط الى الخليج، قيادة تمتلك الكاريزما المؤهلة للتأثير على الشارع ومخاطبة الجمهور والتوازي مع تطلعات الأمة في ظل الظروف الراهنة، وقد كانت هذه القيادة متوفرة في شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي تجاوبت معه مشاعر الملايين من الجماهير وتفاعلت بشكل كبير وإن كانت الظروف في ذلك الوقت معاكسة والمواجهة الصريحة مع الكيان الصهيوني في ظرف عالمي تتقاسم نفوذه ثنائية قطبية قسمت العالم على محاور وتوزعت الأقطار العربية بين هذين المحورين، هذه الظروف حدت من قدرة عبد الناصر لبلوغ كامل الطموحات ولكن تبقى تلك المحاولة الناصرية جديرة بالاهتمام فقد كانت تتحلى بإرادة صلبة وعزم قوي رغم أنها لم تحقق ما يصبو إليه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والجماهير العربية من حوله. اليوم تأمل الجماهير العربية ظهور قيادة محورية جامعة للعرب، قيادة تمتلك من المؤهلات القومية والشخصية ما يمكن أن تواكب تطلعات الملايين من أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ومن هنا فيحق لنا المراهنة والتمني بظهور ناصر جديد على أرض الكنانة رغم ما يتحفظ عليه البعض من مثل هذه الأفكار، لكن القدرات القيادية القومية التي نبحث عنها هي هكذا، إذا ما أردنا أن نمتلك المبادرة ونرسم طريق مستقل طموح يعبر عن واقع عربي جديد تبرز من خلاله القيم الثورية للحالة العربية الراهنة، قائد يعتمد الديمقراطية ويمارس الثورة فكرا ومضمونا، لا متقدسا بالخارج تابعا للسياسة الخارجية المكبلة للطموح التي سئمت الأمة الانسياق وراءها، ولا يمكنها القبول بعودتها من جديد خاصة مع التطورات الجارية على المسرح الدولي والتي ما زالت مستمرة تنبئ بظهور نظام آخر جديد في المستقبل المنظور ومؤشرات ذلك بدأت تتكشف على الساحة العالمية. الأمة العربية اليوم تقود قافلة التحرر وتصنع تاريخا جديدا، ولا بد لهذه المرحلة من أخطاء وعلى الأمة عدم استعجال التغيير ومحاولة تجنب الأخطاء والمواجهة بسبب الوصول إلى السلطة، فالسلطة هنا تعني المسئولية أمام الله والأوطان والشعوب، ويجب أن نعلم أننا في بداية إرهاصات التغيير والثورة والرفض لواقع الأمس واقع الذل والتواطؤ والخنوع، وما زلنا نتوجس من إسقاطات الخارج على المنطقة، والمراقبة الدقيقة للثورات العربية ومحاولة اختراقها من الخارج في كل قطر عربي، بل ومحاولة التأثير على مجريات الأحداث ما بعد سقوط الأنظمة، وما يتبع ذلك من محاولة تشكيل للأنظمة الوليدة، ولكن الخبرة والتجربة الماضية علمتنا أن مصر صعبة المراس ولا تنصاع للخارج إذا ما شقت طريقها بإرادة شعبها وقوة عزمها، والحقيقة أن القوى الدولية تدرك أن مصر اليوم أصبحت غير مصر التي يعرفونها قبل ثورة 25 يناير 2011م فمصر اليوم تفرض كلمتها ولنا نحن العرب الأمل الكبير فيها، وهذا ليس تماديا في الأحلام ولا تكريسا لمزيد من الضغط على حاضنة العروبة ولكن إيمانا بقدرتها وثقة بمحورية دورها في الوطن العربي وهي تدرك مسئوليتها التاريخية. [email protected]