يتطلع الشارع العربي في الوقت الراهن نحو آفاق المستقبل بكثير من الآمال والطموحات لتشكيل واقع عربي جديد من رحم الثورات العربية، ورغم التحفظ على ما يعتري بعض الثورات العربية من هواجس تدخلات خارجية مغرضة إلا أن الأمل يبقى كبيرا في تحقيق غد مشرق للأمة العربية بعون الله، وبلا شك أن هذا الواقع الجماهيري العربي من المحيط إلى الخليج الرافض للفساد والاستبداد المتمرد على حالة السكون يعزز حالة الرفض السائدة بكل ما هو عارض على طريق المستقبل من قبيل رفض التآمر الخارجي على المنطقة ورفض حالة التبني الدولية للكيان الصهيوني العنصري هو اليوم سيكون اشد رفضا لما سيفرزه النظام الدولي المعاصر خاصة إذا ما تعلق الأمر بالحقوق العربية التي لن يقبل الاستهانة بها وانتقاصها، وبلا شك أن الجماهير الساعية نحو التحرر والانطلاق نحو المستقبل ترصد الموقف السياسي العربي بكل أبعاده، وهي تنظر إلى الأمام تأمل مسايرة هذا الواقع الجديد من خلال جامعة الدول العربية التي أعلن أمينها العام الجديد توجهاته في هذا الصدد في إطار تطوير وإصلاح الجامعة بما يتناسب مع هذا الواقع، وهو ما يعني أن معالي الأمين العام للجامعة مدركا ومتنبها جيدا لافرازات الشارع العربي وطموحاته المستقبلية بما يؤكد على أهمية هذه المسألة أما اذا لم تساير الجامعة هذه التحركات العربية التي تحدث وهذه المتغيرات التاريخية التي تشهدها المنطقة فإنها تكون قد اختارت طريقا يقودها الى التيه. ولقد ظلت مسألة الإصلاح والتجديد في منظومة العمل العربي المشترك خلال السنوات الأخيرة تشغل بال النخب العربية وصانعي القرار السياسي العربي وبلا شك أن ذلك الرمز السياسي العربي الذي تأسس عام 1945م كمؤسسة جامعة للدول العربية قد دعتها الضرورات الراهنة ومستجدات العصر للبحث في مسألة التطوير والتجديد في صلب العمل العربي المشترك وفي قضية بناء القرار العربي بما يتواكب مع مقتضيات الراهن السياسي الدولي والإقليمي، وبالتالي فإن تفعيل عمل تلك المؤسسة ومنحها بعض الصلاحيات والإمكانيات التي تستوجب الارتقاء بالنظام الرسمي العربي بشكل أفضل مع تعزيز الموقف الجماعي العربي بشيء من الإرادة والقوة المطلوبة في مثل هذه الظروف
وخاصة في قضية فلسطين المتعثرة على طاولة النظام الدولي، والانفلات الإسرائيلي الذي يمارسه الكيان الصهيوني في المنطقة، ومن الأهمية إعادة تقييم الظروف العربية الراهنة للمشاركة الفاعلة في تحديد الحلول العادلة والنموذجية لاستقرار الأوضاع في المنطقة بما يتواكب مع تحديد مسار النظام العربي في المرحلة المقبلة، وتجنب الحلول الخارجية المقلقة. إن مسألة الإصلاح والتطوير ليست وليدة اليوم فالدعوات المتعلقة بهذه القضية تكررت خلال الفترة الماضية إلا أن التغيير يتطلب إرادة قوية وعزما شديدا، وقد حاول العرب في قمة سرت العربية الماضية طرق هذا الملف وقد انبثق من خلال تلك القمة تشكيل مجموعة خماسية عربية لمتابعة هذا الملف وقد صدرت حينها وثيقة لتطوير العمل العربي المشترك وتطوير الجامعة والأجهزة التابعة لها، واقترح تنفيذ القمة العربية مرتين في العام قمة دورية وقمة تشاورية تعقد في دولة المقر، وكذلك عقد قمم عربية نوعية على غرار القمة الاقتصادية والاجتماعية، كما تم اقتراح إنشاء مجلس تنفيذي على مستوى رؤساء الحكومات لمتابعة تنفيذ قرارات القمم العربية، والإسراع في إقرار النظام الأساسي للبرلمان العربي، وكذلك تم تكليف وزراء الخارجية والعدل العرب لإعداد دراسة لإنشاء محكمة العدل العربية، وكذلك إقامة مجلس لوزراء الاقتصاد العرب، ويتولى الأمين العام الإشراف على مؤسسات العمل العربي المشترك بمساعدة عدد من المعاونين كل في مجاله، وهناك نقاط أخرى في نفس المسار مثل تكليف الأمانة العربية ومجلس وزراء الخارجية العرب بمسؤولياتهم أمام القمة، وتوفير مفارز من القوات العربية كقوة حفظ سلام، وإنشاء جهاز تنسيقي للإغاثة، وأخيرا تكليف الأمانة العامة بتحديد برنامج زمني في حدود (خمس سنوات) لمتابعة تنفيذ خطوات تطوير العمل العربي المشترك. كل تلك النقاط هي مجمل ما صدر من تلك المجموعة الخماسية، وفي الحقيقة أن تلك الدراسة والمقترحات جديرة بالاهتمام ولا يعني تغير بعض الأنظمة رمي تلك الأفكار البناءة بل العمل على تجديدها وتعزيزها بالآليات الفاعلة . إن مسألة التطوير والإصلاح كانت حديث الأعوام الماضية وقد سبق في قمم عربية ماضية الإشارة إلى نفس هذا الموضوع، فقد عقد اجتماع في جامعة الدول العربية ضم العديد من المستشارين والقانونيين وبعض الخبراء في هذا المجال وذلك في آواخر العام 2003م بدعوة من الأمين العام للجامعة وكان الهدف أيضا ينصب في هذا الإطار من حيث الإصلاح والتطوير في عمل الجامعة، وقد أشار المجتمعون وقتها إلى نقاط ايجابية كبيرة أبرزها الحاجة إلى الانخراط في تكتلات إقليمية ودولية في عصر طغت فيه العولمة على مظاهر الحياة العامة، كما تم الإشارة إلى نقطة هامة جدا وهي مساعدة بعض الدول العربية في بعض المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية ومساعدتها في عملية النهوض، إلا أن مسار الأحداث لم تنبئ عن أية تطورات في ذلك الشأن وهو ما يتطلب اليوم العمل الجاد في هذا الصدد. إن جامعة الدول العربية اليوم بحاجة إلى تفعيل وتطوير وتحديث لمواكبة تطورات العصر وهو ما يتطلب أيضا فتح المجال للكوادر العربية المستقلة من كتاب ومفكرين للمساهمة في طرح مبادرات وتقديم دراسات ترتقي بدور الجامعة العربية، لأن الأهداف القومية العربية يجب أن تتصدر الموقف، والطموحات العربية لدى الشعوب باتت متصاعدة ويجب مواكبتها من خلال الدور الحيوي المطلوب لجامعة الدول العربية قبل أن تنسفها التيارات السياسية الراهنة، ومن هنا يجب على جامعة الدول العربية اليوم مواكبة الموقف العربي وعدم التأخر عنه وإلا أصبحت خارج النطاق، وبالتالي أصبح حتميا التحرك العاجل والجاد في منح جامعة الدول العربية القوة اللازمة والآلية المناسبة والفكر المثالي في التطوير والاصلاح وتفعيل الدور الحيوي للجامعة والارتقاء بالقرار العربي لمسايرة الطموحات الجماهيرية، نظرا لما يعنيه ذلك من خير وكرامة للأمة العربية وإيجاد موقع مشرف لهذا الوطن العربي الكبير على الخارطة الدولية . [email protected]