الشيخ محمد حسان (أو محمد حسين يعقوب أو أبو إسحق الحوينى) يحيط بهم ويقف حولهم ووراءهم حشود من مستمعين ومريدين وتابعين وجماهير من الطائعين المنصتين الموافقين المصدقين، بينما لا نجد هذا الجمهور -بهذا الولاء- حول ووراء شيخ بقيمة ومقام وعلم شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب...؟ ستسمع طبعا من الشيخ حسان (أو يعقوب أو الحوينى) مدحا وتقديرا لشيخ الأزهر، لكن الداعية السلفى لا يمكن أن يعلن جهرا أو حتى سرا موافقته على أفكار وآراء الإمام الأكبر، ببساطة لأن كل ما يقوله تقريبا الدكتور أحمد الطيب يرفض وينفى كل ما يعيش لأجله قولا ودعوة ووعظا وذكرا الشيخ حسان ومن رأى رأيه ومن مشى خلفه. لا شأن لى إطلاقا بتدين هذا وذاك أو نيتهما أو علاقتهما بالله عز وجل.. لكن عندما نتأمل أفكار ورؤى الشيخ أحمد الطيب نتحسر أن الناس تسلم آذانها للشيخ حسان ونسأل: يا ترى لماذا؟ هل السبب هو ارتباط شيخ الأزهر بالدولة مثلا؟ يا سلام! ومتى كان الشيخ حسان مستقلا (وصحبه) عن الدولة؟! هل هى طبيعة العصر التى تجعل عالما يفيض بعلمه ينحصر تأثير علمه وفقهه وفكره فى مجموعات الباحثين والتلاميذ بينما شيخ العوامّ والجمهور التليفزيونى هو الشيخ حسان؟ جائز.. هل براعة من الشيخ حسان وحرص ودأب وسعى وانتشار بينما ترفع من الدكتور الطيب وتعفف وتفرغ للوظيفة مثلا؟ احتمال.. ربما سمعت الشيخ محمد حسان فى كثير من المناسبات بينما لم تقرأ له دراسة مستفيضة أو تطّلع له على كتاب أو بحث علمى موسَّع، بينما الشيخ أحمد الطيب مؤلّف ومفكر وله كتبه ودراساته وأبحاثه العلمية ومن ثم الشفوى يكسب التحريرى؟ وارد كذلك.. لكن ما الداعى لهذه المقارنة التى ربما يغضب منها الطرفان الكريمان؟ هناك ألف داعٍ كل يوم عندما ترى المصريين يلقون بأنفسهم فى قشور التدين والأفكار الوهابية التى تتخذ موقفا متطرفا ضد الاجتهاد والمرأة والأقباط والعلم والديمقراطية ويشدون مصر إلى الخلف والتخلف بينما يتركون فكر شيخ مثل أحمد الطيب مستنير منفتح تجديدى متفاعل مع الواقع متمسك بجوهر الدين والعقيدة. الفارق بين كلام الوعاظ (حسان) وأفكار العلماء (الطيب) هو ما سيجعل مصر إما تتقدم إلى الإمام وترتقى بين الأمم وإما تهبط حفرا فى الأرض. فى العدد الأخير (شوال/ سبتمبر) من مجلة «الأزهر» يقدم لنا الدكتور أحمد الطيب ورقة بحثية كتبها لأحد المؤتمرات تحت عنوان «ضرورة التجديد»، يقول فيها: «ومن الغريب حقا أن يظل مصطلح التجديد فى الإسلام فى عهدنا هذا من المصطلحات المحفوفة بالمخاطر والمحاذير، بسبب الاتهامات التى تُكال جُزافا بحق أحيانا وبغير حق فى معظم الأحايين لكل من يحاول فتح هذا الملف الملغوم، ولو رحنا نتساءل عن السر فى هذا النجاح الحضارى غير المسبوق والذى أحرزته رسالة الإسلام بصورة تاريخية معجزة فإننا لن نعثر على إجابة أصدق من أن رسالتها صالحة لكل زمان ومكان وأن صلاحيتها هذه فرع خصوصية أخرى هى (المرونة والحركة) فى نظرتها إلى طبيعة الإنسان: الروحية والمادية، وتفرقتها بين ما يكون ثابتا على الزمان، لا يشكل للناس عنَتا ولا حرجا إذا طولبوا به وبين ما يتغير فى حياتهم مما لا يستطيعون له ردا ولا يملكون له دفعا. والقدرة على التجديد أو التجدد الذاتى هو التعبير الدقيق عن خاصية (المرونة) هذه وهو الوجه الآخر لمعنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان... ولو أن رسالة الإسلام صيغت فى شكل بنود ومواد ثابتة لا تقبل التجديد لما كان لعموم الرسالة وديمومتها أى معنى، اللهم إلا إذا افترضنا أنها رسالة تتضمن ثوابت فقط من أمور العقيدة والأخلاق وحينئذ يؤول الإسلام إلى مجرد رسالة روحية لا شأن لها بمعاش الناس وحياتهم». هنا معركة حقيقية بين ما يذهب إليه دكتور الطيب وما يذيعه ويبثه فى عقول المسلمين المصريين دعاةُ ووُعّاظ السلفيين الذين يقدمون الدين شعائر وطقوسا، وشكلا ثابتا جامدا واتباعا للسلف دون اجتهاد وتجديد، بل الذين يشنون الحرب الدعائية السوداء ضد التجديد فى الدين هم دعاة ووعاظ السلفيين الذين جيّشوا جمهورا عريضا يتصور أن تقدم المسلمين بالعودة إلى عصور السلف لا بأن يشغِّلوا دماغهم واجتهاداتهم فى واقعهم بما تعلموه من ثوابت وأسس دينهم! بين الطيب وعلمه وعلمائه، وحسان والوعاظ من صحبه تقف مصر! نكمل غدا بإذن الله...