بعد جلسة ساخنة دافع فيها مفيد شهاب عن أحمد عز وتراجع فيها زاهي حواس عن تصريحات سابقة. أقر مجلس الشعب في جلسته المنعقدة الاثنين الماضي مشروع قانون تعديل بعض بنود قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لعام 1983، وكانت أبرز التعديلات التي تمت مناقشتها هي المادة الثامنة وتم إقرارها كالتالي: «أنه يحظر الاتجار في الآثار وفي حالات الملكية الخاصة لا يجوز لمالك أو حائز الأثر التصرف فيه للغير أو إغلاقه أو تركه إلا بعد إخطار المجلس الأعلي للآثار خلال 60 يوماً علي الأقل وللوزير حق الاعتراض خلال 60 يوماً من وصول الإخطار»، وأٌقرت مدة 6 أشهر للمنقبين لكي يبلغوا عن الآثار التي يجدونها، وهي الفترة التي انتقدها الآثريون لأنها ستفتح باب التنقيب بسهولة وكذلك التهريب قبل إنقضاء المدة، كما كشف الآثريون عن بنود أخري بالقانون تٌمكن الكثيرين من تجارة الآثار وتهريبها مثل المادة 24 و26 و27 و37. المثير ليس في إقرار القانون فحسب، وإنما في حفلة الاعتذار والمرافعة التي تمت لصالح أحمد عز رئيس لجنة الموازنة في البرلمان، وصاحب الاقتراحات التي تم رفضها بخصوص قانون الآثار، وهي الحفلة التي تزعمها قيادات في الحزب الوطني بحجم مفيد شهاب وزكريا عزمي للتأكيد علي أن ما قدمه أحمد عز لم يكن مشروعا وإنما اقتراحا، وأن صحفا نقلت وجهة نظره بطريقة غير صحيحة، وأنه لا يوجد أحد ضد مصلحة مصر، بل وصل الحماس لدي النائب عمر هريدي - وطني وأحد رجال أحمد عز في المجلس - إلي حد أنه حاول الاعتداء علي زاهي حواس واتهمه بأنه عز «رجل مش محترم»، لولا أن تدخل عز بنفسه ليواقعه الاعتداء. ورغم أن ما طالب به زاهي حواس من تعديلات في القانون تمت الموافقة عليها فإن هناك عدداً من الأثريين تحفظوا أيضا علي الصيغة النهائية التي وصل إليها القانون. الدكتور عبد الحليم نور الدين-عميد كلية الآثار الأسبق- قال: «إن تراب مصر أحن علي آثارها من أبنائها، وإذا كنا لن نستطيع حماية الآثار يبقي مش لازم ننقب عنها» ورفض نور الدين أن تكون هناك أي فترة لإبلاغ المجلس الأعلي للآثار بإمتلاك آثار لأن ذلك سيؤدي للتجارة فيها خلال المدة المتاحة للإبلاغ عن الآثر والمنصوص عليها في التعديل الجديد للقانون، مطالبا بتشديد الحراسة علي الأماكن الآثرية في الفترة المقبلة لأن التنقيب سيزداد، وتابع نور الدين: أنه إذا أرادت الدولة أن تحد من تجارة الآثار فعليها تعويض من يمتلكون آثارا بمبالغ مالية حتي يشجعوا كل الملاك علي تسليم الآثر مقابل الحصول علي مبلغ مالي، معللا ذلك بأن الوضع له شقان واحد وطني وهو تسليم الأثر الذي يجب علي كل مصري فعله وآخر مالي وهو واجب علي الدولة. ويري الإستشاري مؤمن الدسوقي- أحد المهتمين بالآثار المصرية والذي طالب بعودة آثار متحف شيفلد منذ فترة- أن القانون رغم أنه يبدو محكما ويحافظ علي الآثار، إلا أنه مليء بالثغرات التي يمكن للكل المرور منها، من النملة للديناصور، قائلا: في المادة السابعة يقول القانون: «..فيما عدا حالات التملك والحيازة القائمة وقت العمل بهذا القانون والتي تنشأ وفقا لأحكامه يحظر الإتجار في الآثار أو التصرف فيها !! وعلي الحائز للآثار أن يخطر المجلس خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون وأن يحافظ عليها حتي يقوم المجلس بتسجيلها !! ولا يخل هذا بالوضع القانوني للمخالفات القائمة وقت صدور هذا القانون» وهي مادة تقر بجواز حيازة الآثار دون تملك كما لا تجبر الحائز علي رد الآثار وبالتالي لا تجبر مجلس الآثار علي المطالبة بردها؛ فهي تطالب فقط الحائز بإخطار المجلس خلال ستة أشهر ليسجلها المجلس وهو ما يعد إقرارا أبديا للحائز بشرعية وجود الأثر لديه، وأضاف مؤمن: «تبريء هذه المادة ساحة المجلس من المطالبة بأي آثر بالداخل أو الخارج، ولذا أستطيع أن أسمي هذا القانون ب«إهدار الآثار» وبيعها أو التنازل عنها، أو أي مسمي سوي الحفاظ عليها، والقانون يجب أن ينص صراحة علي استرداد الآثار الموجودة في الدول الأجنبية وهو أول سؤال تسأله الدولة الأجنبية عند البدء في مفاوضات الاسترداد «هل قانون الدولة المطالبة بالاسترداد ينص علي استرداد الآثار من الدول الأجنبية أم لا»؟ ويقول الدسوقي إنه لو طلب المسئولون المصريون من متحف وستون بارك صياغة قانون ليحتفظوا بالآثار المصرية لديه في بريطانيا فلن يصيغه بهذا الشكل وسيخجل من ذلك، فمثلا لن تجد بالقانون نصا واحدا يحدد موقفنا من الآثار المصرية في الخارج وكيف نتعامل مع هذا الملف، رغم أنها خرجت بسبل غير مشروعة من البلاد، هنا نلحظ التنصل أيضا من المطالبة بها، أما فترة الستين يوما المحددة لنقل آثار الملكية الخاصة فسيتم التفريط في الآثر من قبل الحائز في حالة عدم الرد من المجلس. وانتقد الدسوقي عدة مواد أخري في القانون رأي أنها من المفترض تعديلها وهي المادة الخامسة، حيث نجد أن المجلس الأعلي للآثار هو المختص دون غيره بشئون الآثار، ولم يحدد إطار الاختصاص، مانعا كل الغيورين علي الآثار عن إبداء المشورة ووقف المخالفات التي يقوم بها المجلس نفسه، والمادة 24 لم يحدد القانون فيها المدة التي يتعين بعدها الانتهاء من حصر الكشوفات الأثرية الجديدة أو المخزون المحلي منها والمعروض منها، وفي هذا الصدد يجب المطالبة بفورية تسجيل الأثر عند اكتشافه من خلال لجنة من الآثريين ورجال الأمن المشرفين علي الموقع حتي لا تتعرض للسطو، والمادة 26 لم تحدد طريقة وأسلوب تسجيل الأثر اللازمة، والذي يجب أن يكون التسجيل مركزيا، أي يجري بمكان واحد حتي يسهل تحديث قاعدة البيانات مباشرة وسرعة استرجاع أي معلومة حول الآثار، ففي «وقف مزاد كريستيز» في لندن والذي شمل قطعا آثرية مصرية مسروقة..كان رد مديرة الشركة علي المجلس الأعلي للآثار حينما اعترض علي ذلك، أن عليه تقديم ما يثبت أنها قطع أثرية مسجلة في مصر، ولم يتمكن المجلس لأنها تتطلب وقتا طويلا، والسبب أنها مازالت سجلات ورقية وبالتالي يصعب البحث خلالها، ولو كانت هذه البيانات مسجلة علي حاسب إلكتروني مركزي لكان الأمر يستغرق دقائق فقط. وتابع الإستشاري مؤمن الدسوقي تعليقاته علي بنود القانون بالمادة 27 والتي تتعلق بالحراس والخفراء المعتمدين من المجلس، ورأي أنه يجب فصل الحراسة عن المجلس الأعلي للآثار بحيث لا تكون للمجلس أي سلطة علي الأمن ويسهل الإبلاغ عن السرقات التي تحدث، والتي يخشي الكثيرون من الكشف عنها لأنها تابعة للمجلس وبالتالي يعني الإبلاغ عنها تقصيراً واضحاً من المجلس، وهنا نطالب أن تكون حماية الآثار تابعة للجهات الأمنية السيادية بالدولة، وفي المادة 42 لا نجد أي عقوبة علي المنقبين عن الآثار من خارج خبراء المجلس، وبالفعل توجد عقوبات ولكن علي الآثار المسجلة فقط، وكأن الآثار غير المسجلة مباحة للنهب. وتعتبر المادة 37 من أسوأ كل تلك المواد، وهي التي ربطت من الجهة القائمة علي الأثر الأصلي والثانية التي تصنع الأثر المزيف، فالانصراف عن العمل العلمي والتوجه للتركيز في الآثار المقلدة سيتحول لعمل إنتاجي، وبعد وقت سيتم الخلط بين الأصلي والمزيف ببراعة، وأري أن المجلس لم يكن يوما جهة إنتاج آثار فيما يشبه المصنع، ولكن يمكن أن تكون هناك جهة تنتج الأشكال الأثرية مثل الصين وتفرض رسومًا، للملكية الفكرية فيها، وهي مسألة ستشجع العمل اليدوي وخاصة للفئات محدودة الدخل، مع أهمية ختم المنتج علي أنه مقلد حتي لا يختلط يوما بالأثر الأصلي. وختم الدسوقي قوله بأن القانون الجديد للآثار يجب أن يشمل في بنوده ما يهدف إلي الحفاظ علي الآثار لا التنازل عنها وهي بنود واضحة و أساسية للمحافظة علي حضارتنا وتاريخنا فمن البنود الأساسية تغليظ عقوبة السرقة والاتجار بالآثار وكذلك يجب أن يشتمل علي بند يحتم استرداد الآثار من الدول الأجنبية وخاصة جثث الموتي والتوابيت حفاظا علي حرمة الموتي وحفاظا علي تاريخنا. مختار الكسباني- مستشار الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار- اعتبر أن الفترة التي أقرها مجلس الشعب وهي 60 يوما جيدة ولن تؤدي لتهريب الآثار مع تشديد الحراسة علي جميع منافذ الجمهورية وقال: أصحاب المصالح الخاصة أرادوا أن يزيدوا من المدة التي يتم خلالها تسجيل الأثر ولم يتم إقرار ذلك لأنه «مينفعش نطلع قانون لصالح ناس معينة» ومسألة الحيازة موجودة من زمن وهناك أشخاص كثيرون مسجلون كمالكي آثار لكنه لا يحق لهم التصرف فيها، وهناك ترتيبات أمنية شديدة سيتم اتخاذها لحماية الآثار من التهريب، وعن الآثار المستنسخة التي سيقوم المجلس الأعلي للآثار بإنتاجها أضاف الكسباني أن المجلس لن يقوم بتقليد الآثار الحقيقية كما هي لكن بأحجام مختلفة وبالتالي لن يتم الخلط بينها، وأشار الكسباني إلي أنه لا يوجد قانون في العالم يستطيع محو الجريمة وإن كانت التعديلات الجديدة تؤدي إلي الإقلال من تجارة الآثار وتهريبها لكنها لن تستطيع منعها تماما، مؤكدا وجود عصابات منظمة تطور من أساليب جريمتها والقانون سيؤدي لبقاء تاجرين للآثار من كل 10 موجودين حاليا، ولأن القانون الجديد لا يعاقب المنقبين عن الآثار سألنا مستشار المجلس الأعلي للآثار فقال: المنقبون يتم معاقبتهم بقوانين الحكم المحلي، لأنهم يغيرون في هيئة مبان ولا يعاقبون بقانون الآثار كما حدث مع أهالي نزلة السمان الذين كانوا ينقبون عن الآثار في بيوتهم.