لماذا يفتي العسكر فيما لا يفقهون فيه على طريقة "غشيم ومتعافي"؟ بلغنا أن السيد اللواء الرويني أفتى بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة استمد شرعيته من كونه "جهة سيادية"، تماما كما كان مجلس الشعب المنحل يدعي، زورا، أنه " سيد قراره". ولو كان السيد اللواء قد سأل مستشارا محترما أو أجهد نفسه قليلا بقراءة نص رصين في العلوم السياسية ما دام قد عرَّض نفسه للحديث في السياسة، وهي على حد علمي، لا تدرس في الكلية الحربية، لتبين له أنه قد تسرع في الفتيا، وفي الأثر أن "الأسرع إلى الفتيا هو الأقل علما". ولا يحتاج الأمر تبحرا في العلم، فقط كان على السيد اللواء أن يأخذ العبرة من مصير من أصروا على أن مجلس الشعب المنحل وغيره من أدوات اغتصاب السلطة، كان لهم من السيادة المدعاة ما يعصمهم من اتباع الحق والصواب في ظل نظام الطاغية المخلوع. وأول طريق الحق والصواب هو الاعتراف بسيادة الشعب، وبأنه مصدر كل شرعية كما ينص الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه (المادة 3: السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها)، ما يثير التساؤل إن كان أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد قرءوا إعلانهم الدستوري بعناية، وفقهوا مضمونه. ولكن "ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار" بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة. فأبسط مبادئ العلم تنص على أن لا سيادة إلا للشعب، وليس إلاها مصدرا للشرعية. وغير ذلك ليس إلا محض إدعاء كاذب يتجمل به من يفتقد الشرعية ويشعر بالنقص جسيما. وليس بمستغرب أن يطلع علينا السيد اللواء بهذا الإدعاء، مع جملة من الاتهامات للقوى الوطنية، بأسلوب يدل على سذاجة متناهية، حتى لا نغلّظ القول، من قبيل أن كلمة "كفاية" تقابل كلمة بالإنجليزية مستدلا، للعجب، على أن الحركة ليست مصرية؛ هذا بينما كان يجري الإعداد لموقعة العباسية الآثمة والتي تدل على أن المجلس العسكري يجيد ما تخصص فيه أعضائه، أي المواقع الحربية، لا سيما وإن جرت بالتعاون مع فلول نظام الطاغية المخلوع، التي لا ينفك المجلس العسكري يقدم القرينة تلو الأخرى على أنه يتعاون معها وثيقا، حتى لا نقول يُوجهها. ولعلنا نتساؤل بداية: لماذا لا يتعرض أحد لمظاهرات التأييد للمجلس العسكري والجلاد المخلوع في ميادين روكسي ومصطفى محمود؟! وهو سؤال غير بريء!. السيد اللواء الرويني أعلن، على الهواء، عن المسيرة التي كان مزمعا أن تتوجه إلى وزارة الدفاع قبل قيامها بساعات، وتردد أن المعتصمين في ميدان التحرير لم يكونوا على علم بها حتى بعد تحركها. ولو أن المجلس العسكري يحمي فعلا حرية التعبير السلمي كما إدعى تكرارا، لحرص على تأمين المظاهرة ووصولها لوزارة الدفاع. وإن كان المجلس يتمتع فعلا بالشرعية، وبالثقة في النفس، فما ذا كان يضيره أن تحيط بوزارة الدفاع مظاهرة سلمية من الشباب الأعزل ولو طالبت بإقصاء المجلس أو رئيسه. ومن حقاً أطلق "الأهالي" في العباسية، قبل، أو من وراء، مصفحات الجيش ورجاله وقطعان الأمن المركزي، لمنع المظاهرة من الوصول لوزارة الدفاع؟ المعلومات الأولية تشير إلى تورط بعض أعضاء مجلس الشعب المنحل من حزب الحاكم المخلوع وبلطجية استأجروهم، في إعادة لموقعة الجمل النكراء، وبتعاون وثيق مع جهاز أمن الدولة، ولكن هذه المرة برعاية المجلس العسكري. وكما يقول الفلاحون "الترعة نشفت وبانت زقازيقها". لقد بدأ يتضح أن معركة العباسية ومثيلاتها في الأسكندرية والسويس جرت بالتنسيق والتعاون بين الجيش وبعض من أتباع الداخلية، في مواجهة المتظاهرين سلميا، ما يجعل إعلان السلطة الانتقالية بحماية التظاهر السلمي واجهة تجميلية لواقع قبيح! فجهاز "الأمن الوطني" ما زال يلعب أقذر أدوار "أمن الدولة" في مكافحة الثورة، وقد قبض على أحد ضباطه مندسا بين المعتصمين في الأسكندرية، ولم ينقذه إلا هجوم من عشرات من البلطجية الذين هاجموا المعتصمين بعد القبض عليه، وهذا هو ربما سر بقاء اللواء منصور العيسوي وزيرا للداخلية في حكومة المجلس المعدلة، وقد كان مطلوبا إقالته. انطلاقا من التقدير الذي نكن لجيش شعب مصر العظيم، نتمنى أن يعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته إلى جادة الصواب، خدمة للشعب السيد، وحماية لاكتمال ثورة شعب مصر العظيم. والعظمة تبقى للشعب، مصدر كل سيادة، قبل الجيش وبعده، مطلقة، في البدء وفي المنتهى. أما العظمة للجيش وقياداته الممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في هذه المرحلة الانتقالية، من إسقاط الطاغية إلى إقامة الحكم الديمقراطي الصالح، فتتوقف على مدى تمسك المجلس بالحقوق الأصيلة للشعب المتضمنة في إعلانه الدستوري، ومن حماية ثورة شعب مصر الفل حتى تنول غاياتها، النبيلة والمشروعة، كاملة. وليتذكر السادة لواءات المجلس العسكري أن مزبلة التاريخ تكتظ بقيادات جيوش لم تحفظ عهد الشعب، السيد الوحيد في عرف السياسة والتاريخ. وعلى د. عصام شرف أن يتوقف عن لعب دور العامل الملطف بين الحق الثوري والباطل المعادي له، حتى لا نقول "الساكت عن الحق"، ونتمنى أن يُعلي انتماؤه المعلن للثورة فوق أي اعتبار.