أبغض شئ للنفس هو الكلام عن الفتنة الطائفية فى مصر. لذلك لن أحاول القول أن ما جرى فى الأسبوع الأول من حكومة عصام شرف الجديدة. كان أول حادث فتنة طائفية بعد رحيل مبارك. لكنها الحقيقة. حادثان انطلقا من أرضية أبعد ما تكون عن فكرة الطائفة. لكنها تحولت لأحداث طائفية ولن تعرف كيف تطورت الأمور إلا بعد فترة طويلة. فى قرية صول التابعة لمركز أطفيح من محافظة حلوان تعيش فتاة مسلمة وقعت فى غرام شاب مسيحى ميسور الحال. والد الفتاة طلب من الفتى أن يغادر القرية بالتى هى أحسن. وقد غادرها بالفعل. ثم حضر أقارب والد الفتاة وبدأ عتاب تحول إلى معركة سقط خلالها قتيلين. أهل الرجل لاموه على الليونة التى تعامل بها مع عشيق ابنته. ولماذا لم يفتك به؟ بعد سقوط القتيلين من المسلمين. والقتلة كانوا من المسلمين أيضاً. وهذه مسألة مهمة. توجه الجميع إلى الكنيسة الموجودة فى القرية وقاموا بإحراقها وهدمها. باعتبار أن المتسبب فى المعركة شاب مسيحى رغم أنه ترك القرية. توجهت جموع المسيحيين من أنحاء مصر للتظاهر أمام مبنى التليفزيون. باعتبار أن هذا المكان أصبح شبه مخصص للوقفات الاحتجاجية. بعد أن استعصى فعل ذلك على سلالم نقابة الصحفيين و ميدان التحرير أصبح مخصصاً للمشاكل الفئوية. رفعوا الصلبان وسدوا الطريق على كورنيش النيل وأصبح لهم مطلب واحد فى البداية هو بناء الكنيسة الجديدة فى نفس موقعها. لكن مع البطء الشديد فى الاستجابة لهم أصبح المطلب ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة وأخيراً عشرة مطالب. أسرعت القيادة العامة للقوات المسلحة بإصدار قرار ببناء كنيسة مكان الكنيسة التى هدمت. فما كان من أهالى القرية من المسلمين إلا أن توجهوا لمكان الكنيسة التى هدمت واعتصموا فيه ورفضوا البناء على أرضه. وذلك بسبب قصة قديمة لن تتأكد من صحتها على الإطلاق. ألا وهى أن مكان الكنيسة كان مسجداً. وخلال هدم المسجد لكى تبنى الكنيسة قتل مسلم فى هذا المكان. ولا بد من عودة الأمور إلى نصابها. هذا هو الحادث الأول. أما الحادث الثانى فقد وقع فى منشية ناصر. وبعيداً عن اغتصابهم لإسم عبد الناصر. فهى منطقة عشوائية تقع فى المسافة الواقعة بين مدينة نصر والمقطم. معظم سكانها من جامعى القمامة الذين يربون عليها الخنازير. ومشكلتهم الجوهرية أن الخنازير تم القضاء عليها أيام أنفلونزا الخنازير العام الماضى بقرار أهوج متسرع كان هدفه نفاق التيارات الدينية الإسلامية فى مصر. والحاصل الآن أن الفنادق التى تقدم لحم الخنزير لنزلائها من الأوروبيين تستوردها الآن من الخارج بالعملة الصعبة. حدثت مشادة بين سائقى سيارتى ميكروباص. أحدهما مسلم والثانى مسيحى. وتطورت إلى معركة بين أبناء الشعب الواحد. وصل عدد قتلاها إلى 13 قتيل وجرحاها إلى أكثر من 120 جريح. مع حرق بعض البيوت وإحراق بعض السيارات. ويقال أن تطور الأحداث بهذا الشكل سببه شائعة عن مقتل سائق الميكروباص المسلم خلال المشادة مع السائق المسيحى وثبت أن هذا غير صحيح. فى مصر ما يسمى بفضائيات التوك شو. التى انطلقت تناقش ما يجرى بين المسلمين والمسيحيين. وقد لاحظت هذه المرة كثرة عدد المسيحيين الذين كنا نسميهم أقباط المهجر يتكلمون العامية المصرية بصعوبة بالغة. وأسماءهم أشد غرابة. فهذا مسئول أقباط المهجر فى سويسرا. وذلك ممثل أقباط المهجر فى استراليا. وهكذا انتشروا على الفضائيات. ويخيل إلىَّ بعيداً عن نظرية المؤامرة أنهم تم استدعائهم على عجل ليصعدوا من المطالب بصورة لم يسبق لها مثيل. كان البابا شنودة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية يعالج. وقد أرسل أكثر من رسالة هناك. لكن المطالب وصلت هذه المرة للمطالبة بإنشاء دولة للمسيحيين فى مصر. كانت حكومة عصام شرف تعقد أول اجتماع دورى لها يوم الأربعاء الماضى. وخلال الاجتماع جاء استدعاء من المجلس العسكرى لعصام شرف والوزراء الأساسيين معه ليتوجهوا للمجلس العسكرى. لا نعرف ماذا جرى؟ لأننا توقعنا أن الحكومة التى لم تكمل أسبوعاً ربما تقدم استقالتها وهكذا يكون لدينا حكومة كل أسبوع. لكن خلال الاجتماع المشترك تم الاتفاق على تغليظ على العقوبات والوصول بعقوبة البلطجة إلى حد الإعدام شنقاً حتى الموت. قبل يناير كانت هناك مشاكل طائفية. وربما آخرها كان فى السابع من يناير الماضى عندما تم تفجير أمام كنيسة القديسين فى الإسكندرية. وهو التفجير الذى أثبتت وثائق أمن الدولة المتناثرة أن من قام به كان أحد أجهزة وزارة الداخلية دون أن تقدم أدلة ودون أن يقدم من فجروها للمحاكمة. وقبل أن تفيق مصر من كنيسة القديسين بالإسكندرية وما جرى فيها جاء 25 يناير وكان من بركاته أن وقف المسيحى بجوار المسلم فى ميدان التحرير يهتفان: مسيحى مسلم يد واحدة. بل سمعنا أن الرجل المسلم كانت الفتاة المسيحية تحضر له المياه ليتوضأ فى ميدان التحرير وأن المسيحى أدى صلواته يوم الأحد فى حراسة المسلمين. ما جرى فى كنيسة الشهيدين بقرية صول بحلوان أعاد مصر كلها للمربع رقم واحد. لفتنة طائفية قد لا تبقى وقد لا تذر. المشكلة أنهم يعالجون الأمر بأن لجأوا للشيخ محمد حسان وعمرو خالد ليتوجها لقرية صول من أجل علاج الأمر مع المسلمين هناك. مع أن كلاهما من صناع الأزمة وهل يصلح من كان صانعاً للأزمة أن يصبح جزءاً من حلها؟ أشك فى هذا كثيراً.