حينما يجتمع الغموض والخيال والمأساة والبطء في فيلم واحد فالنتيجة ستكون كابوسًا مدته ساعتان، وهذه النتيجة تعبر عن الحالة الكابوسية التي تسيطر علي المشاهد الذي يسوقه حظه لمشاهدة فيلم - الصندوق «The Box » أو الصندوق القاتل حسب التسمية التجارية، والفيلم من بطولة «كاميرون دياز» و«جيمس مارسدن» و«فرانك لانجلا»، وإخراج «ريتشارد كيلي» الذي كتب السيناريو أيضاً عن قصة قصيرة لكاتب الخيال العلمي «ريتشارد ماثيسون» وهو كاتب تحولت بعض أعماله إلي أفلام سينمائية مشهورة مثل قصته «أحلام قد تتحقق» «What Dreams May Come» من إخراج «فينسنت وارد» وبطولة «روبن ويليامز» و«أنا أسطورة» «I Am Legend» الذي أنتج عدة مرات للسينما آخرها عام 2007، ونفس قصة الفيلم «الصندوق» كانت قد تحولت إلي حلقة تليفزيونية من المسلسل المعروف «The Twi light Zone» في الثمانينيات، ولعل هذا يبرر الإحساس بأن الفيلم بأكمله يصلح ليكون عملاً دراميًا قصيرًا دون كل هذا المط والتطويل والحوار غير المفيد في أغلبه والذي يتبادله الممثلون كأنهم يتنافسون علي من يكون أبطأ في الأداء، ويتناسب موضوع الفيلم وغموضه مع استايل المخرج «ريتشارد كيلي» مخرج فيلم «Donnie Darko » الفيلم الذي أخرجه عام 2001 والذي لا يقل غرابة عن فيلمه (الصندوق) وإن كان أكثر منه قوة فنياً وأكثر إلهامًا أيضاً. شخصيات فيلم «الصندوق» تتحرك وتتصرف وتنفعل كأنها محاصرة داخل تفاصيل كابوس ثقيل لا تستطيع الخروج منه، بداية الفيلم ولمدة تقترب من نصف ساعة بطيئة للغاية، وفيها تتلخص مشكلة الفيلم الرئيسية حينما يستيقظ زوجان في الصباح الباكر ليجدا أمام باب منزلهما صندوقًا مرسلاً من رجل غامض لا يحتوي سوي علي زر أحمر، ويعرض هذا الرجل علي الزوجين اللذين يعانيا أزمة مالية وهي الحصول علي مليون دولار نقداً إذا قررا الضغط علي الزر الذي سينتج عنه حسب قوله موت شخص لا يعرفانه في مكان آخر، ويبدو العرض مغرياً والعواقب مجهولة وغير محددة، فهذا الموت الآخر قد يكون بسبب مرض أو حادث طريق أو إعدام مجرم وغيرها من المبررات التي ساقتها الزوجة نورما قبل أن تضغط علي الزر بالفعل، وتحصل علي المليون دولار من الرجل الغامض لتبدأ المأساة الحقيقية للأبطال وللمشاهد، فالفيلم رغم جودة تنفيذه فنياً، وجودة أداء الممثلين ورغم أنه يحتوي علي حبكة ذكية وجذابة فإنه يعاني حالة ملل شديد ومعظم أحداثه تمر ببطء وتراخ، مع مشاهد تحفل بأشخاص يسيرون كأنهم نائمون، وينزفون من أنوفهم في لحظات خاصة، وإذا أضفنا إلي هذا كثيرًا من الأسئلة الغامضة التي لم يجب الفيلم عليها في نهاية أحداثه فيمكن أن نضيف الإحباط إلي قائمة الانطباعات التي يمكن أن يخرج المشاهد من هذه التجربة السينمائية المختلفة، فعلي سبيل المثال جاءت شخصية الرجل الغامض «فرانك لانجلا» عالم ناسا الذي تعرض للصعق بالبرق ونجا منه رغم إعلان وفاته إكلينيكياً تحمل كثيرًا من الأسئلة حول علاقته بكائنات مجهولة تجري اختبارات تهدف إلي اكتشاف مدي أحقية البشر في الوجود باختبار المليون دولار الذي يقوم به، وحتي بعد أن ينتهي الفيلم يبقي غموض هوية هؤلاء الآخرين وأهدافهم غير واضح، وجدوي هذا الاختبار الذي ينتهي بمأساة وكثير من الأسئلة الغامضة التي لا إجابة لها، ويبقي أن الفيلم حقق ما يريد علي مستوي مود الفيلم الغامض الخيالي حتي آخر لحظة، ولكنه لم يحقق الكثير علي مستوي المضمون الذي يريد توصيله للمشاهد، ففكرة الاختبار الذي يقوم به الرجل الغامض المشوه الوجه كانت ضبابية إلي حد كبير، وكذلك المغزي الأخلاقي الذي قام علي أساسه الاختبار. رغم كل هذه السلبيات فهناك بعض العناصر الإيجابية التي لا يمكن إغفالها تحت تأثير حالة الفيلم الكابوسية، ومنها أداء «كاميرون دياز» الجيد حيث جسدت دور الزوجة الشابة والأم التي تجد نفسها نتيجة اختيارها المتسرع في معاناة مع عواقب هذا الاختيار وأثره في عائلتها وبالأخص ابنها الصغير الذي دفع ثمن هذا الاختيار بفقدانه حاستي البصر والسمع، ويصبح عليها دفع ثمن باهظ لشفائه، باقي الشخصيات بقيت في إطار من الأداء الجامد، الزوج الذي جسد شخصيته «جيمس مارسدن» لم تظهر انفعالاته ملائمة في كثير من المواقف، الممثل «فرانك لانجلا» جمد في أدائه الآلي لشخصية عالم ناسا الغامض العائد من الموت، وباسثناء مشهدين له مع «كاميرون دياز» أظهر فيها بعض الانفعالات لم تكن هناك قيمة كبيرة لوجوده في الفيلم.