قبل يومين من إقالة إبراهيم عيسى تحدث معي الزميل محمد على خير وقال لي انه سمع عن اجتماعات يعقدها الدكتور سيد البدوي رئيس مجلس إدارة الدستور مع صحفيين من اجل تعيين احدهم رئيسا للتحرير ،رديت عليه اننى استبعد ذلك لأنه يعد انتحارا سياسيا للدكتور سيد ، لأنه يؤكد الأقاويل والمخاوف التي ترددت عند إعلان صفقة البيع ، وبالتالي يبدو الدكتور سيد وتابعه رضا ادوارد كمن يقدمان عربون محبة للحكومة ، لانهما اشتريا الجريدة ودفعا فيها ثمنا كبيرا من اجل إجهاضها وليس تطويرها وحتى محاولة تحقيق مكاسب منها . كذلك سيبدو الدكتور سيد الذى يريد ان يصبح زعيما للمعارضة وكأنه حكومى اكثر من السيد صفوت الشريف نفسه ، وأضفت لزميلي اننى استبعد ان يكون رئيس حزب الوفد ذو التاريخ العريق مفتقدا إلى الحنكة السياسية ، وقلت له انه حتى لو كان كذلك فهل وهو رجل أعمال كبير لا يكون له مستشارون سياسيون يوضحون له هذا الانتحار ؟ فقال لي خير أن هذه مشكلة صحافة التجار . وكنت أتصور كما تصور آخرون أن الدكتور سيد يريد أن يؤسس امبراطورية إعلامية أو أن يزيد من مكانته السياسية عبر امتلاك جريدة ناجحة لها مواقف وطنية شجاعة ، خاصة وانه بادر عقب إعلان صفقة الشراء بإصدار بيان أثنى فيه على سياسة الجريدة وأكد انه لن يغيرها ، كذلك نظم سحورا للصحفيين والكتاب وقال فيه خطبة عصماء عن حقوق الزملاء وحرية الصحافة وعدم تدخل الإدارة في التحرير ، وقال أن علاقته هو وزميله رضا ادوارد كتابة اسميهما على الترويسة فقط وزعم الاثنان أنهما ليبراليان ولم أكن أتصور انه كُلف بمهمة حكومية لكي تزيد له الحكومة عدة مقاعد في البرلمان ، يصبح بها زعيما للمعارضة . وما حدث فى الدستور هو اكبر من إقالة رئيس تحرير ، ويتعدى أزمة الحريات العامة في مصر وفى مقدمتها حرية الصحافة ، ليصل إلى التقاطع بين الدولة ورجال أعمال صنعتهم وحددت لكل منهم نوعا من البيزنس ليعمل فيه ليكون جاهزا للقيام باى عمل يطلب منه حتى الأعمال القذرة ، ويمتد الى العلاقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة ، فلم تعد تعرف من هو المعارض ومن هو الحكومي . ونحن في الدستور كنا نعلم عندما اشترى السيدان البدوي وادوارد ان أيامنا معدودة وفى الاجتماع الذي عقدناه من اجل تطوير الجريدة وإضافة الصفحات ، قال إبراهيم عيسى عندما اقترحنا تأجيل بعض الصفحات "إنني أصلى صلاة مودع" ورفض فكرة التأجيل ويبدو أنه كان يعلم أن شيئا ما كان يطبخ خارج الجريدة ، فقد نفذنا التطوير وزاد التوزيع 10 آلاف نسخة ، ومع ذلك تجاهل البدوي وادوارد هذا الأمر ولم يتصل اى منهما بإدارة التحرير يبدى إعجابه او حتى استيائه . كذلك فان الملكية نقلت ولكن لم تقدم الإدارة الجديدة ايه تحسينات على تسهيلات العمل ، وحسب علمي من الناشر احمد عصام فانه كلما كان يطلب من الملاك الجدد ايه تسهيلات مثل أجهزة الكمبيوتر او طابعات أو خطوط تليفونيه ، فان المالك رضا ادوارد كان يطلب منه تأجيل ذلك ، بما يعنى ان عمليه الشراء كانت تهدف الى "تفطيس "الجريدة . كنت زملائي إبراهيم عيسى وإبراهيم منصور والزميلة عالية عبد الرءوف قد اجتمعنا قبل ساعات من الإقالة وكنا ندرك أن عدد الأربعاء 6 أكتوبر سيكون آخر عدد لنا وان الثلاثاء 5 أكتوبر سيكون آخر يوم لنا فى الجريدة ، وكنا ندرك أن أول تنازل منا للملاك الجدد في التحرير سيؤدى بنا إلى الانتحار الصحفي. ولكن الملاك الجدد أعطوا لنا فخر الإقالة ،هم أقالوا عيسى فعلا ، ولكنهم كانوا يدركون أن إقالة عيسى تعنى تغيير السياسة التحريرية ، وأنها تعنى إقالة مجلس التحرير ، وليس رئيس التحرير فقط ، وكل ذلك يمثل خروجا على شرط الضمير وهو شرط موجود ومستقر فى مواثيق الشرف الصحفية . وهو ما يعكس في النهاية أزمة صحافة رجال الأعمال ، ويؤكد بؤس الرأسمالية المصرية الجديدة.