.. تلقيت علي حسابي بشبكة «تويتر» سؤالاً من الزميلة الصحفية نورا يونس بمناسبة لقاء الرئيس مع المثقفين تقول فيه: هل سبق لك حضور لقاء للرئيس؟ فوجدت لدي كماً من الذكريات وددت أن أسجلها. .. فمنذ سنوات بعيدة، وأنا أتلقي كل عام دعوة من رئاسة الجمهورية لحضور اللقاء السنوي للرئيس مع الكتَّاب والمثقفين.. وظللت علي قوائم المدعوين لهذا اللقاء خلال النصف الثاني من التسعينيات وحتي بداية الألفينيات، ومضت أعوام قليلة سقط فيها اسمي عمداً من قائمة المدعوين، حتي عام 2005، حيث سقط هذا اللقاء كله من أجندة الرئيس! .. لا أعرف سبباً محدداً لوضع اسمي علي قائمة أسماء حضور لقاء الرئيس والمثقفين في منتصف التسعينيات ولكن أستطيع أن أفهم أسباب حذف اسمي في السنوات الأخيرة للقاء، قبل إلغاء اللقاء لخمس سنوات مضت حتي عاد منذ أيام. .. اللقاء قبل الأخير الذي حضرته كان- تقريباً- في يناير عام 1999، وأذكر أنه صادف شهر رمضان، وكان اللقاء بأرض المعارض، حيث افتتح الرئيس معرض الكتاب ثم دخل القاعة الرئيسية، حيث التقي عدداً من الكتَّاب والمثقفين وتبادل الأسئلة والإجابات بعد كلمة قصيرة ألقاها. .. وجهت والأستاذ عباس الطرابيلي- رئيس تحرير «الوفد» وقتها- أسئلة للرئيس حول الدراسات الاقتصادية لمشروع توشكي، وحسابات الجدوي في ذلك المشروع الذي كان يحظي في هذا الوقت بزخم كبير وإنفاق أكبر، وكنا في البرلمان نناهض المشروع ونحذر منه! .. الرئيس تعامل بعصبية شديدة مع سؤال الطرابيلي، وتعامل بلطف شديد مع سؤالي!- رغم وحدة الموضوع- وقال لي نصاً: «يا دكتور نور سأذهب يوم السبت إلي توشكي وسأصطحبك معي كي تري بنفسك ما تحقق علي أرض الواقع»! .. وعقب نهاية الجلسة، وأنا أتوجه إلي باب الخروج، وجدت عدداً من المسئولين الكبار يتصايحون باسمي في مقدمتهم الدكتور أسامة الباز، والدكتور زكريا عزمي والدكتور سمير سرحان- رئيس هيئة الكتاب الراحل- طالبين مني سرعة التوجه للغرفة الملحقة بالقاعة، حيث كان الرئيس يجلس فيها عقب نهاية اللقاء. .. دخلت الغرفة لأجد الرئيس جالساً بينما باقي الحضور وقوفاً، وبمجرد دخولي طلب الرئيس إحضار كرسي لي بالقرب منه، فتدافع الوزراء والمسئولون علي حمل الكرسي! لحظات وتكرر المشهد نفسه مع دخول الدكتور «الراحل» عبدالعظيم رمضان المؤرخ المعروف. .. بدأ الرئيس موجهاً حديثه لي، ول«رمضان» حول الأزمة التي كانت تسيطر علي تفكيره وهي أزمة العراق راوياً تفاصيل دقيقة لما دار بينه وبين «صدام» إبان تأسيس التجمع العربي الرباعي، وكيف كان مبارك رافضاً أن يكون التوقيع علي حلف دفاعي هجومي مصراً علي أن توقع مصر فقط علي الشق العسكري الدفاعي بعيداً عن أي التزامات في حالة الهجوم. .. ظللت والدكتور رمضان نستمع للتفاصيل ولتفاصيل التفاصيل حول الموضوع من الرئيس ولمدة تجاوزت 30 دقيقة، ثم قام الرئيس وصافحنا وتوجه لباب الغرفة ثم لخارج القاعة إلي سيارته مغادراً المعرض. .. خرجت والدكتور رمضان وسط نظرات الدهشة والإعجاب والتقرب من المسئولين والوزراء ونظرات الضيق من كبار الكتَّاب والصحفيين الذين أغضبهم بالطبع انفرادي و«رمضان» بالرئيس لهذه المدة وبهذه الصورة غير المعتادة. .. البعض بدأ يسألني وأنا في طريقي للخروج من القاعة وإلي جواري الدكتور رمضان عن مضمون ما دار بيننا وبين الرئيس؟ بل إن البعض بدأ بتكهنات خارج السياق مستفسراً بخبث: «خير إن شاء الله»! والجميع لم يكن يصدق أبداً أن الحوار كان منحصراً في ذكريات الرئيس مع صدام! .. قلت للدكتور رمضان: يا دكتور لم يكن مهماً أن تطرح هذا السؤال الذي استهلك معظم أو كل اللقاء الخاص مع الرئيس وكان أفضل أن نناقشه في أمورنا الداخلية. .. توقف رمضان بعصبية متفحصاً وجهي وقائلاً: أنا لم أطرح أي سؤال عن هذا الموضوع بل أتصور أنك أنت الذي طرحت هذا السؤال وكنت كل دقيقة تمر في اللقاء أقول في سري: منك لله يا أيمن! .. تبادلت والدكتور رمضان ضحكة مكتومة ممتزجة بالدهشة والحيرة دون أن ندخل في مزيد من التفاصيل وخرجنا دون إجابة عن السؤال الصعب: «من طرح هذا الموضوع الذي استهلك اللقاء مع الرئيس؟!». .. وبعد 48 ساعة من هذا اللقاء سافرت مع الرئيس علي طائرته الخاصة إلي أبوسمبل ثم علي طائرة هليكوبتر صغيرة إلي توشكي بينما استقل الوزراء والمسئولون من أبوسمبل لتوشكي أتوبيسات أُعدت لنقلهم، بينما كان عدد المرافقين للرئيس في طائرته الهليكوبتر لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. .. وغداً سأعرض لكم تفاصيل الرحلة الوحيدة، التي سافرت فيها علي طائرة الرئيس، وما استقر بوجداني من مشاعر وإحباط عندما عثرت علي إجابة واضحة لسؤال ظل يحيرني حتي هذه الرحلة، وهو كيف تُدار مصر؟! «وللحديث غداً بقية وبعد غد».