أعتقد أن أزمة تصريحات الأنبا بيشوي حول القرآن في طريقها للإختفاء، بعد ظهور البابا شنودة وتقديم اعتذار رسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية لكل المسلمين الذين جرح مشاعرهم هجوم بيشوي علي القرآن.. وهو بالمنسبة تصرف ذكي من البابا يثبت أنه رجل دين يجيد التعامل مع الأزمات ويوظف الأشياء بمهارة يفتقدها رجال الدولة، ويجيد فن الظهور علي مسرح الأحداث بالطريقة التي يريدها وتخدم أهدافه - ميزة أصبحت نادرة لدي من يعملون بالسياسة الآن - بدليل أنه لم يفوِّت الفرصة في حواره للتليفزيون المصري الأحد وأكد في ثنايا حديثه أن كاميليا شحاتة لم تعتنق الإسلام وأنها كانت ومازالت وستظل مسيحية، بدليل أنها ظهرت في فيديو تعلن تمسكها بالمسيحية دينًا. ليس هذا فقط بل قلل من الضجة التي ثارت بسبب سيدة اختلفت مع زوجها، وكأن الأمر يخص كاميليا ولا يخص حرية الاعتقاد، واعتبر ما حدث من خلاف واختلاف لا يليق بأبناء وطن واحد المفروض أن ما يجمعهم أكثر وأقوي مما يفرقهم، بالتأكيد يقصد الظلم والفقر والاستبداد. كلام جميل من رجل يدرك أن الأزمة أعمق من كاميليا، وأخطر من تصريحات بيشوي، وأكثر تعقيدا من من اتهامات العوا، رغم معسول كلامه عن الأخوة بين المسلمين والأقباط. ما سبق مقدمة ضرورية، وقد لا تكون كذلك من وجهة نظر القارئ، لأن السؤال الذي يشغلني قبل ظهور البطريرك لنزع فتيل الأزمة ومنذ ظهر الدكتور سليم العوا في الجزيرة ومن بعده الأنبا بيشوي في مؤتمر تثبيت العقيدة بالفيوم، هو: إلي من كان يتوجه الرجلان بحديثهما؟! من هي الفئة أو الجهة أو المؤسسة التي هداها الدكتور إلي الأماكن التي لا يعرفها الأمن ويخبئ فيها الأقباط أسلحتهم استعدادًا لساعة الحسم؟! ومن هي الشريحة التي اجتهد الأنبا من أجلها وبحث في كتب التفاسير وقارنها وحلل مضمونها ووقف علي معاني كلماتها حتي يخرج لهذه الشريحة قائلاً إن المسيح صلب؟!. سبب السؤال أن الرجلين لا يمكن أن يوجها سهام الكلام في الفراغ المطلق. فالأول فقيه قانوني يعلم - بل علمنا - أن ما قاله في حق الأقباط اتهام صريح يستدعي التحقيق لما يمثله من خطر علي أمن البلد واستقراره الذي يعاني أصلاً من فرط الاستقرار، والثاني يدرك لأنه رجل دين كبير أن حديثه يمس القرآن وهو قدس الأقداس عند المسلمين. نعود إلي الأسئلة التي لم أجد لها إجابات شافية أو مقنعة حتي الآن.. هل سهام العوا كانت ردًا علي صمت الكنيسة وعدم استجابتها للمظاهرات التي خرجت تطالب بظهور كاميليا وإعادتها إلي دار الإسلام؟ ألم يدرك الرجل المعروف بسماحته ورجاحة عقله أن حواره مع أحمد منصور قد يدفع أحد المهووسين - وما أكثرهم - إلي التقدم ببلاغ للنائب العام يطالب فيه بتفتيش الكنائس والأديرة للتأكد من عدم وجود أسلحة..؟ أم أن الموضوع كان زلة لسان فرضتها حرارة لقاء الجزيرة؟ أما غرابة تصريحات بيشوي فلأنها تأتي بعد تصريحات العوا مباشرة، والأكثر غرابة أنه قالها في مؤتمر تثبيت العقيدة، لا أعلم أي عقيدة وهو يهدم عقيدة الآخرين؟! لم يطلق الأنبا سهامًا بل أخرج من عقله ما رآه يلقف كل سهام العوا وضرب في صلب العقيدة الإسلامية. أعود للسؤال: إلي من كان يتوجه بيشوي.. للأقباط الذين غضبوا من من كلام العوا أم المسلمين الذين خرجوا في مظاهرات كاميليا؟! الكارثة فيما قاله الرجلين أننا نظنهما من العقلاء الذين يفترض أن يقودوا الناس ضد الظلم والاستبداد فإذا بهما يقودان الناس إلي الهلاك..الكارثة الأكبر أن الرجلين لم يدركا أن السهام استقرت في قلب مصر. والضرب في الميت حرام..