صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة إعطاء تصريح بالزواج الثاني لأحد الأقباط الحاصلين علي حكم بالطلاق، وما تبعه من حشد وتعبئة من قبل الكنيسة لجموع المسيحيين لرفض الحكم، ثم إعلان البابا شنودة في أكثر من عظة بالكاتدرائية أنه لا توجد قوة علي الأرض تجعله يخالف تعاليم الإنجيل، وصولاً إلي إصدار المحكمة الدستورية العليا قراراً يلغي حكم الإدارية العليا لحين الفصل في موضوع القضية، وإعلان المستشار ممدوح مرعي - وزير العدل - قراره بتشكيل لجنة لإعداد مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين، كل ذلك كشف عن عمق الأزمة التي تعيشها مصر فيما يتعلق بالموقف من الأديان. لكن بالرغم من تمثيل كل من الأقباط الأرثوذكس الذين يمثلون الغالبية بين المسيحيين المصريين، وأيضاً الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية في لجنة وزارة العدل، إلا أن مشروع القانون لا هو يخص غير المسلمين في مصر ولا هو موحد، لكنه خاص بالمسيحيين فقط، كذلك فإنه يضمن لكل طائفة تطبيق لائحة الأحوال الشخصية الخاصة بها، فاللجنة التي شكلها وزير العدل تعمل علي مشروع القانون الذي قدمته الكنائس المصرية منذ عام 1979 وجددته عام 1999 وهو يوجب الطلاق بسبب زني الزوج الآخر أو إلحاده أو تحوله إلي دين أو مذهب آخر لا تعترف به المسيحية بمصر مثل طائفة السبتيين وشهود يهوا، كذلك البهائيين ويحسم قضايا المطلقين بسبب الزني بحرمانهم من الزواج مرة أخري. إلا أن مشروع القانون حفظ في الوقت نفسه حق الزوجين كاثوليكيي المذهب في ألا يدينان بالتطليق إذا زني أحدهما، لكنه يعطي الطرف البريء الحق في طلب التفريق، لكن لا تقبل دعوي التفريق بين الزوجين الكاثوليكيين لسبب الزني إذا كان قد وقع بعلم الطرف البريء أو بتحريض منه والتي انتهت من إعداد مشروع القانون ووضع اللائحة التنفيذية له حسب تصريحات أحد أعضائها ل «الدستور»، لكن اللجنة تجاهلت تمثيل طائفة الروم الأرثوذكس رغم أن المطران نيقوديموس بريانجلوس الوكيل البطريركي بالقاهرة للطائفة أرسل خطاباً يوم 17 يونيو الماضي ثم برقية ثانية بتاريخ 29 من الشهر نفسه، وثالثة يوم 14 يوليو يطالب فيها بتمثيل طائفة الروم الأرثوذكس، لكن الطائفة لم تجد رداً علي خطاباتها الثلاثة حتي الآن، رغم أن الوكيل البطريركي بالقاهرة، قال في خطابه الأخير لوزير العدل: إن تجاهل طائفة الروم الأرثوذكس يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المشروع المزمع إعداده لا يمت بأي صلة لطائفة الروم الأرثوذكس وليس لأي طائفة أخري ولا أي عضو في اللجنة الحق في تمثيل بطريركية وطائفة الروم الأرثوذكس، مقترحاً إضافة مادة إلي مشروع القانون نصها: بالنسبة لطائفة الروم الأرثوذكس فأسباب التطليق هي الواردة في اللائحة الجاري العمل بها والصادرة بإجماع المجمع المقدس بتاريخ 15 مارس 1937، وذلك أسوة بالطائفة الكاثوليكية. وقال الأنبا نيقولا أنطونيوس - وكيل بطريركي للبابا ثوذوروس بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا لكنيسة الروم الأرثوذكس -: إن الطائفة تنتظر رد وزير العدل حول تمثيلها، مضيفاً ل «الدستور» أن مشروع القانون سيستغرق وقتاً لإقراره فلابد من عرضه علي لجنة التشريع بالأزهر لتقول كلمتها حول توافق المشروع مع الشريعة وأيضاً سيعرض علي مجلس الشعب الذي سينعقد بعد أربعة أشهر. علي الجانب الآخر، طالب البهائيون أيضاً بضمهم إلي المشروع وأرسلوا خطاباً إلي وزير العدل في منتصف شهر يوليو الماضي قالوا فيه إنه بعد صدور قرار وزير الداخلية رقم 520 بتاريخ 19 مارس 2009 بإصدار الأوراق الثبوتية لكل المصريين غير أصحاب الديانات الثلاثة وضع علامة «-» في طائفة الديانة ببطاقات الرقم القومي، بعدها أصدرت وزارة العدل كتاباً دورياً رقم 72 بتاريخ 2 مايو 2009 إلي مكاتب الشهر العقاري مأمورياتها ومكاتب التوثيق وفروعها والإدارات العامة بالمصلحة لتنفيذ قرار وزير الداخلية. وأضاف الخطاب أن بطاقات الرقم القومي صدرت من مصلحة الأحوال المدنية لمن حالتهم الاجتماعية أعزب، لكنها ترفض إلي الآن إصدار البطاقات للمتزوجين أو المطلقين أو أرامل بسبب عدم اعتبار عقد الزواج البهائي عقداً موثقاً. وقال البهائيون في خطابهم لوزير العدل: إن كل ما يريدونه إثبات الحالة الاجتماعية الحقيقية في الأوراق الرسمية بأي طريقة تقرها الدولة، بما لا يخل بحقوقهم في استخراج الأوراق الثبوتية مثل جميع المواطنين المصريين. وأضاف البهائيون في خطابهم أن عدم حصولهم علي بطاقات الرقم القومي يعرضهم لمشكلات كثيرة ويصيب حياتهم بالشلل فلا يمكنهم التحرك بأمان في مصر ولا يمكنهم التعامل مع البنوك ولا إدارات المرور، وأيضاً لا يمكنهم استخراج جوازات السفر أو التقدم للحصول علي وظيفة أو تصاريح عمل ولا العلاج بالمستشفيات، كذلك لا يمكن لأرامل البهائيين الحصول علي المعاش ولا يمكن للبهائيين استخراج كشف العائلة للأبناء الوحيدي الأب والأم للإعفاء من أداء الخدمة العسكرية واللازم لتيسير أمور الأبناء، كذلك لا يمكنهم البيع أو الشراء أو التملك وهذه مجرد أمثلة لما يعانيه المواطنون البهائيون في مصر. وقالت الدكتورة باسمة موسي - الناشطة البهائية -: إن وفداً من البهائيين سلموا الخطاب لوزارة العدل وأرفقوا معه صورة من قانون الأحوال الشخصية علي مقتضي الشريعة البهائية والصادر من المحفل الروحاني المركزي للبهائيين في القطر المصري عام 1932 وظل معمولاً به حتي عام 1960. وأضافت موسي أنه تم إيقاف العمل به وهو ما يعد مخالفة صريحة للقانون، والدستور متابعة: أرجو أن يتم حل مشكلاتنا ونحن في انتظار رد وزارة العدل، وهناك عدة مقترحات فنحن لا نشترط تطبيق الشريعة البهائية، لكننا فقط نطالب بتوثيق عقود الزواج للبهائيين ومن الأفضل أن يكون بقانون مدني. علي جانب ثالث أرسلت جبهة العلمانيين الأقباط الذين أكد البابا شنودة الثالث أنهم لا يمثلون الأقباط ولا يتعدي عددهم عشرة أشخاص ولن يوكلهم الأقباط للحديث باسمهم، خطاباً أيضاً إلي مرعي طالبوا فيه بإدخال بعض التعديلات علي مشروع القانون الذي قدمته الطوائف المسيحية، وبدأت خطابها أن هذا المشروع لا يتناول ما يتعلق بغير المسلمين بجملتهم وإنما ينحصر في المسيحيين في مصر علي اختلاف طوائفهم، لذلك كان الأوجب أن يكون مسماه «القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين بمصر». ومن التعديلات التي طالبت بها جبهة العلمانيين الأقباط تنظيم الكنيسة دورات توعية تثقيفية للخطيبين، فيما يتعلق بمفهوم الزواج المسيحي وما يترتب عليه من التزامات ومسئوليات من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والجنسية، وتعقد علي مستوي الكنيسة التابع لها الخطيبان في نطاق الحي أو المدينة أو الإيبارشية بحسب إمكانات ومقتضي الحال بالإيبارشية، علي أن يكون الانتظام في هذه الدورات وجوبياً علي الخطيبين يمنحان بعدها شهادة تفيد بذلك، لتقديمها للكنيسة كواحدة من مسوغات إتمام الزواج. وكذلك اقتراح العلمانيين عدم منح شهادة خلو الموانع لكلا الخطيبين، إلا من أب اعتراف كل منهما، علي ألا تقل مدة انتظامهما لديه عن سنة ميلادية كاملة، ويتحمل أب الاعتراف مسئولية صحة البيانات الواردة بتلك الشهادة. أما في أركان الزواج وشروطه فقد اقترح العلمانيون في الخطاب الذين أرسلوه لوزير العدل أن تعتبر الصلوات الواردة بمراسم إتمام الزواج جزءاً من عقد الزواج، والتزام الزوجين بتعليمات ووصايا الكنيسة الواردة بها شرط قائم لصحة الزواج، وإخلال أحدهما بها عن عمد وإصرار رغم إنذارات الكنيسة وجلسات الصلح إخلالاً بشروط العقد تستوجب فسخه. واستبدال المادة 16 بمادة أخري نصها: لا يجوز زواج الرجل أو المرأة قبل بلوغهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ولا يجوز زواج القاصر منهما تحت أي شكل. أما في ثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين، فقد اقترح العلمانيون إدراج مادة تنص علي أنه يتوجب في كل الأحوال عمل تحليل الحامض النووي ال«DNA» في أحد المعامل الرسمية والمعتمدة من وزارة الصحة. وفي انحلال الزواج رأي العلمانيون أن يكون نص المادة 112: لا يجوز الطلاق بين المسيحيين بإرادة أحد الزوجين المنفردة ولا باتفاقهما، مع مراعاة المادة السابقة يجوز طلب التطليق في الحالات الواردة في المادة 113 والمادة 114. مادة 113: يجوز لأي من الزوجين طلب التطليق إذا ترك الزوج الآخر الدين المسيحي إلي الإلحاد، أو إلي دين آخر، أو مذهب لا تعترف به الكنائس المسيحية بمصر. مادة 114: يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق لأحد الأسباب التالية: 1 لعلة الزني. 2 إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متتالية بحيث لا يعلم مقره ولا تعلم حياته من وفاته وصدر حكم بإثبات غيبته جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق. 3 الحكم علي أحد الزوجين حكماً نهائياً وباتاً بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوغ للزوج الآخر طلب الطلاق. 4 إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معد يخشي منه علي سلامة الآخر، يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضي ثلاث سنوات علي الجنون أو المرض وثبت أنه غير قابل للشفاء، بناء علي تقرير طبي رسمي من لجنة طبية عليا مشكلة من الطب الشرعي تكلفها المحكمة بذلك. 5 ويجوز أيضاً للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضي علي إثباته ثلاث سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء، بناء علي تقرير طبي رسمي من لجنة طبية عليا مشكلة من الطب الشرعي تكلفها المحكمة بذلك، وكانت الزوجة في سن يخشي فيه عليها من الفتنة. 6 إذا اعتدي أحد الزوجين علي حياة الآخر أو اعتاد إيذاءه إيذاء جسيماً يعرض صحته للخطر جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق. 7 إذا ثبت تحريض الزوج زوجته علي ارتكاب الزني والفجور. 8 إذا حبلت الزوجة في فترة يستحيل معها اتصال زوجها بها لغيابه أو مرضه. 9 إذا ثبت علي أحد الزوجين ممارسته للشذوذ الجنسي. 10 إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وانغمس في حمأة الرذيلة ولم يجد في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق. 11 إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً، بالمخالفة لوصايا الكنيسة له في صلوات إتمام الزواج، باعتبارها وصايا وجوبية، مما أدي إلي استحكام النفور بينهما وانتهي الأمر بافتراقهما عن بعضهما واستمرت الفرقة ثلاث سنين متتالية، وهذه الأسباب الأحد عشر هي التي وردت بلائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أصدرها المجلس الملي الأرثوذكسي عام 1938 ميلادية والتي تعترض عليها الكنيسة. وحول التصريح بالزواج الثاني اقترح العلمانيون الأقباط في المشروع الذي قدموه لوزير العدل وهو مشروع القانون الذي قدمته الطوائف المسيحية مع إدخال بعض التعديلات عليه إدراج المواد التالية. 1 يمنح الطرف البريء الذي قضي بالتطليق لصالحه تصريحاً بالزواج الثاني. 2 لا يمنح الطرف المخطئ المتسبب في صدور حكم التطليق في الحالات المنصوص عليها في أسباب التطليق فيما عدا حالة الزني تصريحاً بالزواج الثاني، إلا بعد التأكد من زوال السبب الذي أدي للتطليق، واجتيازه فترة إعادة تأهيل روحي ترتبها الكنيسة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز ثلاث سنوات. 3 لا يمنح الطرف المخطئ المتسبب في صدور حكم التطليق بسبب زناه تصريحاً بالزواج الثاني، إلا بعد التأكد من توبته ووضعه تحت الملاحظة الكنسية الدقيقة لتقويمه لمدة لا تقل عن خمس سنوات متصلة. وتعديل المادة 115 لتنص علي: ويعتبر في حكم الزني كل عمل يدل علي الخيانة الزوجية لأي من الزوجين ويتبع في هذا طرق الإثبات التي ينظمها القانون المدني والجنائي. وقد أعلن العلمانيون الأقباط تمسكهم بإدراج التبني الذي أعلن البابا شنودة الاستغناء عنه وقالوا في مشروع القانون التبني جزء أصيل من العقيدة المسيحية. ومن جانبه قال كمال زاخر منسق جبهة العلمانيين الأقباط: لا أنكر ما قاله البابا شنودة فنحن لم نقل يوماً إننا نمثل الأقباط لكننا والكلام لزاخر تيار فكري نقدم اجتهاداتنا ومن أراد أن يأخذ بها فليأخذ ومن لم يرد فهو حر، وأضاف زاخر أنه لا يجب النظر إلي عدد أعضاء جبهة العلمانيين، بل لما يقدمونه داعياً البابا شنودة لعدم شخصنة الأمور. وقال زاخر: إن عدم الأخذ بما قدمه الأقباط العلمانيون من خلال مؤتمراتهم الخمس التي عقدوها هي السبب في المشكلات التي يعاني منها الأقباط في مصر. وعلي جانب آخر، أرسلت حركة «ادعموا حق الأقباط في الطلاق» خطاباً هي الأخري لوزير العدل تطالبه بإعداد مشروع قانون مدني ينظم الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر وذلك لأن المشروع المزمع عرضه علي الجهات المسئولة لإقرار يعلق الباب أمام المسيحيين لتغيير طائفتهم للحصول علي حكم بالطلاق والزواج بعد الحصول علي هذا الحكم من شخص آخر. لكن رغم إرسال ستة خطابات إلي وزير العدل فإن الأخير لم يرد علي أي من تلك الخطابات في الوقت الذي أعلنت اللجنة انتهائها من إعداد المشروع وإرسال اللائحة التنفيذية للقانون إلي مكتبه.