لعله من الجلي الواضح أن الحكام العرب ملوكا كانوا أو أمراء أو رؤساء يعبرون مرحلة مصبوغة ومنقوعة في الخوف والرعب علي عروشهم وكلهم يظنون - وبعض الظن إثم - أنه لا خوف من شعوبهم وهو الضلال المبين، ومن عجب أنه ولئن اختلفت أسباب الخوف ومصدره إما من الولاياتالمتحدةالأمريكية من ناحية، أو إيران من جانب آخر... والدولة اليهودية التي بها يكمل مثلث الرعب، ولو شئناً المصارحة فإن دول الخليج جميعها ودون استثناء ترتعد فرائصها من إيران فإنهم يرون النار تحت الرماد وكل من الثلاثية مصادر خوف تلوح بالعين الحمراء، ومن هنا تتفاوت درجة الرعب من الليالي الحبالي.. وبرغم أنهم اشتروا أسلحة من المملكة المتحدة «بريطانيا» والولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن الغالب الأعم منها يرقد كالمياه الآسنة في صناديقها ولا يعرف أحد سبباً واحداً لهذا الكم والكيف من السلاح وإلي أي صدور سيجري تصويبها، ولكن بالقطع واليقين فإنه يستحيل مجرد أن يرد علي الفكر أنها ستنطلق وتطلق علي مصدري الرعب وهكذا فإنهم جميعهم يجلسون علي «خازوق» قد يؤدي إلي شلل الفكر والتفكير، وربما العذاب النفسي حزناً علي ما أسرفوا في العطاء.. في شراء سلاح لا يؤمن من خوف أو يقيهم العذاب. ومن هنا فإن الغالب الأعم منهم يتقاسم موقفهم تيارات متعارضة، متناقضة؛ فالبعض منهم يركب سفينة سياسة الاعتدال، أي الابتعاد وتحاشي الصدام مع مصادر الرعب حتي لو تطلب واقتضي المساس بكبريائها بقامتها، بهامتها، بل قل حتي بسيادتها. ولعل أول فصائل الحكام هي دول الخليج التي لا تخفي الفزع والخوف والجزع من تصاعد النار التي تشوي الوجوه ويهب لهيبها. إن المشروع النووي يتصاعد يوماً بعد آخر، والقوات المسلحة التي تخلع القلوب، ولذلك فإن سدرة المنتهي لديهم هي الارتماء في الحضن الأمريكي الدافئ ظناً منهم أنه الجبل الذي يأويهم ويحميهم وينقذهم من الغرق، ومن هنا فإنه في الغرف المغلقة، في الخفاء والاستخفاء، تتجه أبصارهم إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية لتأخذ صمام المبادرة لضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو في أقل القليل أن تحث عميلتها، قاعدتها، حليفتها، علي أن تبادر الدولة اليهودية لتضرب إيران ضربة لا تقوم لها بعدها قائمة... وهنا فإن حكامنا أشبه بمن يحتمي من الرمضاء بالنار، ذلك لأن لكل من أمريكا وإسرائيل مصالحها، وهي ولئن كانت الذراع الأمريكية في المشرق والمغرب العربي فإن كليهما يقدر حسابات الجمع والطرح والمكسب والخسارة، وحاصلها للدولة اليهودية أنها ولئن كانت التهديدات الإيرانية المعلنة بالقضاء علي وجودها مما يدفعها للخلاص من الصداع والصراع الذي يتهددها... إلا أن عين إسرائيل مصوبة إلي حزب اللَّه في لبنان أيا كانت التداعيات التي ستندلع فيها بين الفرقاء، وناهيك عما ينبعث من الجبهة السورية الحليفة والصديقة لحزب اللَّه وحماس وهي الأخري أحد منابع القلق للعدو الإسرائيلي الوثيقة بسوريا وحماس معا. ولكن فإن قلب ولب مأساة العالم العربي تكمن فيما يجري للشعب الفلسطيني من هوان وضياع وعذاب لأوضاع يجل وصفها فما بالك بمن يتحملها. إنه ولئن كانت الإدارة الأمريكية منذ مجيء الرئيس أوباما تتبع منهجاً غامضاً مبهما فإنه يتعين علينا جميعنا الحذر كل الحذر من أن نتردي في الخطأ الذي تقع مسئوليته علي المرحوم الرئيس أنور السادات في قوله بأن «99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا»، ذلك لأن هذه المبدأ لم يفطن إلي الأثر الفاعل والشامل للوبي الصهيوني في انتخابات الولاياتالمتحدةالأمريكية من ناحية، وأن أعمدة سياستها في الشرق الأوسط بعامة والدول العربية خاصة تتمحور حول ضمان القدرة والقوة العسكرية للدولة اليهودية لتكون هي وحدها صاحبة اليد الطولي في المنطقة العربية، ومن هنا فإن انحيازها المطلق لإسرائيل ليس لمواجهته من سبيل. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يكمن في السؤال عن آفاق الأمل وصولاً إلي حل، ولعل أول ما ينبغي، يتعين علينا أن نمسك بتلابيبه أن الطريق مغلق وأن اتجاه الريح يدحض الأمل طالما بقي الحال علي هذا المنوال.. وذلك بالرغم من أن علماء العلم السياسي يلفتون النظر إلي أن السياسة لا تعرف التنبؤ... فتعالوا بنا إلي وقفة علي الواقع العربي وأوجه مواجهة التردي والانهيار وهو يرشح ليس للضياع بل للانهيار. أولاً: إن العالم العربي يشهد حقبة من تاريخه توصف وتتصف بأنها الرجوع إلي الوراء، فهي في الأغلب منها تشنجات، انقسامات، خلف وخلاف يعج فيها حتي إنه تصح تسميته بفتن داخلية...بحروب أهلية، كيف لا وكلنا يبصر ويسمع هذا الذي يحدث في العراق والشلل والعجز أو الحسرة عن تشكيل حكومة تحمل بعض سمات الوفاق الوطني ولا نقول الوحدة الوطنية أو محض الاتفاق وهي أوضاع بلغت حد الانهيار والدمار. ثم انظر إلي السودان فقد قصم ظهره بين الشمال والجنوب، بينما ينخر السوس في جسده من أعلاه وجنوبه بل الأشد وأبلغ نكرا المذابح الجارية في دارفور التي تمثلت في مأساتها بأن صار رئيس البلاد محاصراً مطارداً وعاجزاً عن التحرك تفادياً لآثار محكمة جرائم الحرب بتهمة الإدعاء بارتكاب جرائم الإبادة. ثم انظر إلي اليمن التي اعتراها الداء نفسه، والذي يتمثل في حراك شعبي في شق منه في عدن وشق آخر المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون... ثم ما بالكم بالفتنة القائمة والتي تطل برأسها في لبنان وفيها يئن الماء شاكيا ويجهش بالغليان باكيا ويتسابق الحكام العرب لإطفاء النار تجنبا للدمار. وثمة إطلالة علي الصومال الذي لم يشفع له الزمان الذي طال في تحسين أطواله منذ سنة 1982 حتي الآن. أما عن الوشائج والرباط بين مفردات الدول العربية وعلي قمتها الملوك والسلاطين والرؤساء والأمراء فإن أفواههم وحلوقهم وقلوبهم مليئة حتي الثمالة بالغصص من فرط المنافسة علي قدر كل منها وقدرتها وقامتها وهامتها... ومن عجب أنه أتي حين من الدهر كان السباق بينها والتسابق للتقارب مع أمريكا ولا نقول التسلق أو الزعم بمجافاتها وعدم الاكتراث بأوامرها ونواهيها، ثم طرأ علي الأفق العربي تداعيات منذ أطلت إيران برأسها. ثانياً: إن بارقة الأمل مفقودة طالما بقي الوضع الفلسطيني مصبوغاً ومنقوعاً في الشقاق، وممزقاً بين منظمة التحرير وحركة حماس، لأن هذه الفرقة تفقد المتعاطفين مع القضية الفلسطينية فريقاً يضع كل حساباته وديعة لأمريكا في حين يلقي الفريق الآخر بنفسه في أحضان إيران تحت مظلة سوريا لأنها استوعبت الدرس من مرارة الحرب العراقية ضدها وأن أعينها مصوبة لابتلاع الإمارات الثلاث العربية في جعبتها بعد أن تذوقت طعم الجزر الثلاث طنب الصغري وطنب الكبري والجزيرة الكبري. ثالثاً: إنه يتعين أن نضع في كفتي الميزان، بل في الحسبان أن الدولة الصهيونية لن تتخلي عن الأرض التي احتلتها في حرب 1967 طالما أنها لا تستشعر الخطر من جانب الدول العربية وبصفة خاصة «مصر»، مما يستوجب أن نكف عما يطلق عليه اجتماع القمة أو زعماء الدول العربية حالة أن الساحة خالية، وهل لما يعلنونه صدي الصوت الذي يزلزل الأرض ويفجر البركان والويل وسواد الليل يكمن في اليوم الأسود للمساس بأولي القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصي في القدس الجريحة؟! رابعاً: إن مسئولية الدول العربية تجيء في المقام الأول، وحاصلها حتمية اتخاذ موقف حاسم، حازم، ساطع وقاطع في جرائم الإبادة التي ترتكبها ومن بينها، وإن لم تكن كلها... سحب السفراء، وقطع العلاقات الدبلوماسية، ووقف العلاقات التجارية... ونبذ الزيارات المتبادلة التي تتصاعد في حالات عديدة ومتعددة إلي الحفاوة والتكريم. يا أيها السادة.. أحسب أن الشعب العربي جميعه يعتبر لقاءاتكم ضرباً من العبث ومداهنة النفس، فضلاً عن أن الجميع ينظر إليها، وهو في حالة «قرف» شديد، واللَّه سبحانه وحده قادر علي أن يبدل الحال.. إنه نعم المولي ونعم النصير.