«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبير الأمم المتحدة الدكتور غانم النجار: بلادنا العربية هي «الربع الخالي» من الديمقراطية
نشر في الدستور الأصلي يوم 08 - 08 - 2010

مقدمة هذا الحوار هي الخامسة والأخيرة من أصل أربع حذفتها بسبب طولها. وكل مقدمة اختلفت عن شقيقتها رغم أنها تخص نفس الرجل!. وكنت أتساءل: هل أشير فيها فقط لذلك المفكر والباحث والحقوقي الدولي البارز صاحب الإنتاج العلمي المميز وموفد الأمم المتحدة لشئون حقوق الإنسان في مناطق النزاع المسلح في العالم؟ أم أركز علي دوره المهم كأستاذ في العديد من الجامعات الأجنبية والعربية، والتي كانت أبرزها علي الإطلاق جامعة «هارفارد» الأمريكية؟. وهل لمقدمة بسيطة أن تغفل أن الدكتور غانم النجار - عضو رئيس في هيئات منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش - قد تعرض للأسر والسجن في سجون صدام حسين بعد فترة احتلال العراق لبلده الكويت في مطلع التسعينيات، وأنه - ويا للمفارقة - شارك في عدة مهمات دولية إنسانية في العراق منذ أبريل 2003 ، وأصدر العديد من التقارير الدولية التي تثبت انتهاكات قوات الاحتلال الأمريكي للقانون الدولي الإنساني!.
لأكثر من سبع ساعات كان يقف علي قدميه في قاعة محكمة جنح الخليفة. قدم من المطار مباشرة للتضامن مع نشطاء مصريين بارزين. كان يراقب السبت الماضي الجلسة الأخيرة لمحاكمة جمال عيد وأحمد سيف وعمرو غربية ممثلاً لمنظمة العفو الدولية وباعتباره مفوضًا دوليًا في اللجنة الدولية للحقوقيين بجنيف.. «الدستور» حاورته بعد انتهاء يوم درامي في جلسة محاكمة النشطاء. كان مرهقًا لكنه تحدث معنا في هذا الحوار عن محمد البرادعي وحركة الديمقراطية في مصر. وتحدث عن عبد الناصر والسادات ونظام مبارك وحرية الرأي والتعبير في عالمنا العربي الذي يفضل تسميته بالربع الخالي من الديمقراطية!.
ما تقديرك للسياق الذي تجري فيه ملاحقات قضائية لنشطاء حقوقيين ومدونين وصحفيين في مصر والكويت وكلها قضايا نشر؟
- إنه المأزق. مأزق تعاني منه الحكومات العربية. فهي غير قادرة علي التعامل مع التطورات التكنولوجية الحديثة في شبكات الإنترنت ووسائل الاتصال. وهي تطورات تسمح أو هي سمحت بالفعل بفضاءات أكبر لحرية الرأي والتعبير. وينسحب ذلك طبعا علي مواليد الإنترنت كفضائيات الإنترنت والتويتر والفيس بوك وغيرها. هذه الوسائل المتطورة أحدثت ثقوبًا في سيطرة وهيمنة الدول العربية علي وسائل التعبير. وهي كانت سيطرة قوية من قبل ظهور هذه التطورات التكنولوجية. ولو أن أداء الحكومات العربية تجاه الإنترنت هو نفسه أداء ضابط معلومات وزارة الداخلية الذي كان شاهد إثبات في قضية جمال عيد فلا شك حقًا أنهم في مأزق!. وأتصور أن الحكومات العربية لا تستهدف بالضرورة إدانة النشطاء الحقوقيين والمدونين بالقضايا وحبسهم مثلا، بقدر ما تستهدف إشغالهم وإزعاجهم بعشرات القضايا والبلاغات. وتضييع وقتهم وصرف انتباههم عن التركيز علي القضايا الخاصة بالإصلاح والدفاع عن حقوق الإنسان. وتجد الآن أن هناك أكثر من تسع عشرة قضية مرفوعة من قبل حكومات عربية ضد نشطاء وكتاب، وكأن هناك تنسيقًا بين هذه الحكومات في ملاحقة الناشطين والمعارضين لها. لكن - كما قلت - بطريقة تبدو للعالم أنها منسجمة مع القانون.
لماذا تصر الحكومات العربية علي وضع نفسها في هذا المأزق من الأصل وترفض إتاحة حرية الرأي والتعبير؟
- بالطبع هو مأزق مفروض عليها، لأنها تشعر أن وسائل التكنولوجيا الحديثة هذه غير مأمونة بالنسبة لها. إنها في الفضاء فكيف تمسكها؟! تخشي علي نفسها منها. هذه الحكومات تحتكر لنفسها حرية التعبير كما أنها ترغب في احتكار الحقيقة لها وحدها. والحكومات الآن تبحث عن وسيلة جديدة غير الوسائل التقليدية لملاحقة النشطاء مثل القمع والمصادرة والاعتقال. تقوم الآن بالملاحقة القضائية. وهذا سببه أيضًا أن الحراك الدولي الخاص بحرية التعبير أصبح محسوبًا حسابه من جانب الدول العربية. الأنظمة العربية تريد تجميل صورتها في الخارج. القصة هي أنه كيف تطور أسلوبك في القمع لمنع حرية الرأي والتعبير.
ملاحقة الحكومات العربية لحرية الرأي والتعبير هل تعكس عدم وجود رغبة سياسية لدي هذه الحكومات للاستجابة لمطالب ديمقراطية بمفهوم أوسع؟
- الدول العربية لديها حصانة من الديمقراطية وكأنها قد أخذت مصل تطعيم ضد الإصابة بها. منذ عشرين عامًا أي منذ انتهاء الحرب الباردة، تحولت أكثر من 68 دولة من النظام القمعي الشمولي للنظام الديمقراطي أو حالة اقرب للديمقراطية. لكن مع كل هذا لم تتغير الأوضاع في العالم العربي، لم تصب بهذا «المرض»، لم ندخل هذه المرحلة ولم نتأثر بها، بلادنا العربية هي الربع الخالي من الديمقراطية!. وإن حدثت فيها ديمقراطية فهي مجرد شوية انفتاح وتعامل أقل حدة مع المعارضين، لكنها في التحليل النهائي دول ليست ديمقراطية. أو قل تحاول أن تبدو ديمقراطية. لدينا دول أحدثت خطوات علي طريق الديمقراطية لكنها انتكست مثل المغرب والجزائر والأردن. لكن كيف أتحدث عن ديمقراطية في العالم العربي وليس هناك تداول سلطة؟!. هذه من بديهيات الديمقراطية.
ما الأسباب التي تدفع «ناصر الحمد» رئيس وزارء الكويت لأن يتقدم ببلاغات ضد «الدستور» والصحفي الكويتي محمد الوشيحي؟ لماذا يطارد مقال منشور بسيف الملاحقة القضائية مع كل ما يقال عن وجود درجة من الديمقراطية في الكويت؟
- رئيس الوزراء الكويتي أعلن أنه سيلاحق كل من ينتقده بتهم السب والقذف أينما كان. هذا معبر عن إشكالية في شخص رئيس الوزراء تجاه من ينتقده. وعليه أن يكون واسع الصدر لأنه مسئول كبير والمبادئ الحقوقية تفترض بكبار المسئولين أن يتحلوا بسعة الصدر تجاه منتقديهم. رئيس الوزراء جاء خلال فترة أزمة الحكم في 2006 وتم استقباله بترحاب بتصور أنه إصلاحي لكنه لم يستمر في هذا المسار. وقد نتج عن ذلك التحول أن حدث خلاف علي أسلوب إدارته للدولة بينه وبين عدد من النواب والكتل السياسية. ما أدي إلي تشكيل ست حكومات في ثلاث سنوات. وخلال هذا الصدام كان موضوع استجوابه ومساءلته النيابية محورًا للنزاع. إلي أن طرحت مسألة استبداله بشكل جدي علي عدة مستويات، وقد أدي هذا الوضع إلي قلقه، ما أدي إلي استخدامه وسائل عدة للتعامل مع هذه الوضعية، وكانت إحدي هذه الوسائل ملاحقة منتقديه عبر رفع الدعاوي. هو يعالج مشكلته الشخصية عن طريق منع الناس من انتقاده. وبلاغه الأخير ضد « الدستور « ومحمد الوشيحي هو اندفاع لا مبرر له أبدًا. هو لديه شعور بأن هذا السلوك هو الصحيح. وهذا النهج غير صحيح طبعًا.
نشعر وكأننا أمام حكومات عربية متشابهة في أساليب قمع حرية الصحافة والرأي والتعبير.. من الكويت مرورا بمصر وليس انتهاء بتونس!
- لدي شعور بأن هناك تنسيقًا فيما بين الحكومات العربية علي ملاحقة المدافعين عن حرية الصحافة والتعبير. ورغم ذلك أعتقد أن هذه الحكومات أصبحت لديها حساسية تجاه أي انتقاد لها من الخارج في تعاملها مع حرية التعبير. سقط الاتحاد السوفيتي وانتهت الحرب الباردة. وأصبحت هناك حالة من الضبابية في علاقة الأنظمة العربية مع العالم. وأصبحت هذه الحكومات حريصة علي الحصول علي شهادة حسن سير وسلوك ديمقراطي. وأود القول أن بلدًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية تضغط علي الأنظمة العربية لتحسين حالة الديمقراطية لكنها في الحقيقة ليست لديها مصداقية لأنها هي أيضًا تنتهك حقوق الإنسان، فنجدها يومًا تنتقد انتهاك الأنظمة العربية لحقوق الإنسان وتسكت وتتواطأ في يوم آخر. وسجن جوانتانامو يكفيها، فهو وصمة عار لابد من إنهائها، خاصة أنني أعمل ضمن منظومة دولية من الخبراء المستقلين للدفاع عن معتقلي جوانتانامو. والمؤسف أنها بدلا من أن تغلق هذا الملف الشائن نجدها تعلن مؤخرًا عن أنها ستنتقي 50 شخصًا من المعتقلين لسجنهم للأبد فيه، فكيف بالإمكان القبول بحديث ديمقراطي في القرن الحادي والعشرين يسمح باحتجاز إنسان للأبد دون توجيه تهمة ودون توفير محاكمة عادلة للمحتجزين. وغير خفية العلاقة بين الولايات المتحدة وأجهزة دولة في العالم منها دول عربية من بينها مصر. غالبية هذه الدول ضالعة في قصة السجون الطائرة. تؤجر هذه الدول سجونها ومخابراتها لمصلحة الولايات المتحدة بزعم الحرب علي الإرهاب.
وطبعا الحكومات العربية مستفيدة من هذه العلاقة، فمقابل انتهاكها حقوق الإنسان تشتري ولاء وسكوت أمريكا بدعمها في قصة الحرب علي الإرهاب هذه؟
- الولايات المتحدة سلبية وإيجابية. تدعمك اليوم وتتخلي عنك غدًا. وطبعا أي دولة غير ديمقراطية ستستفيد من مثل هذه العلاقة مع الولايات المتحدة. ربما أوروبا أكثر اتزانًا من الولايات المتحدة. هناك دول كثيرة في أوروبا تنتهك حقوق الإنسان. وهناك دول أوروبية تسكت عن الانتهاكات لأن لديها مصالح مع الحكومات العربية. من مصلحة الدول العربية السيطرة علي السلطة والبقاء في رأسها. ومنذ عشرين سنة تحاول الدول العربية إجراء إصلاحات ديمقراطية لكن بمعناها الشكلي: تقليل للقبضة الحديدية وبعض الإصلاحات الشكلية التي لا تمس مسائل جوهرية.
لديك خبرة دولية مهمة في مجال العمل بالأمم المتحدة. ما ردك علي أصوات تري أن المجلس العالمي لحقوق الإنسان وآليات دولية أخري هي مجرد أدوات بيد الدول الكبري لخدمة مصالحها. هل حقًا هذه الآليات الدولية مسيسة؟
- هناك تسييس طبعًا وهذا ليس اكتشافًِا، وهو أمر لا مفر منه، فمن يملك الأمم المتحدة هي الحكومات، وهي كائنات سياسية تسعي للدفاع عن مصالحها وليس عن حقوق الإنسان. هناك بعض الأشياء الايجابية في الآليات الدولية كالمراجعة الدورية الشاملة بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان. كل أربع سنوات تتم مساءلة الدول كماذا قدمت لتحسين حالة حقوق الإنسان.
لكن الحكومات تجامل بعضها في هذه المراجعات الدورية ولا تلتزم في النهاية بالتوصيات؟
- نعم يحدث تخريب، لأن الحكومات تلعب اللعبة نفسها مع بعضها البعض.. يجاملون بعضهم لكن المراجعة الدورية علي سوئها فهي أفضل آلية للضغط وسبب إفراغها من محتواها وتخريبها هو الحكومات، فهي تسعي إلي الظهور بمظهر جيد أمام المجتمع الدولي حتي لو كان علي حساب الحقيقة، فهي بالنسبة للكثير من الدول مجرد مناورة سياسية دولية علي حلبة المجتمع الدولي، والدول العربية قائدة في هذا المجال. ومما يؤسف له أنهم غير مدركين أن بإمكانهم الاستفادة من هذه المراجعة من خلال تسليط الضوء علي المشكلات التنموية والاقتصادية التي تواجهها الدول، وبالتالي الاستفادة من برامج الدعم الفني الدولية وبرامج المساعدات. وهناك كثير من الدول الأفريقية واللاتينية استفادت من هذه المراجعة الدورية وحتي في أوروبا. وهناك تحسن يحدث في العالم العربي، لكنه طفيف. ليست هناك إرادة سياسية ورغبة من الدول العربية لتحسين حالة الديمقراطية. وأهم شيء تفعله الحكومات في المجلس الدولي أنها تدلس وتكذب لتفادي إدانتها دوليا وهذا ما تفهمه وما لا تفهمه أن الهدف الأساسي من هذا المجلس هو حث ومساعدة الدول علي تحسين حالة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهل تعتقد أن رغبة الحكومات أو عدم رغبتها هو المؤشر الوحيد لإحداث أو عدم إحداث ديمقراطية. ماذا عن ضغط الشارع؟
- طبعًا الشارع دوره محوري لأنه صاحب المصلحة المباشرة في إحداث إصلاحات. أي حق أو موضوع يستند لضغط وتحرك شعبي يحدث به تقدم كبير. هذا يساعد جدًا حتي المدافعين عن حقوق الإنسان.
ما تقديرك لمدي التزام الحكومة المصرية بالتوصيات التي قبلتها في المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان في جنيف؟
- من الصعب أن أقدر. بالتأكيد ستلتزم الحكومة المصرية ببعض التوصيات لكنها لن تلتزم مثلا بإلغاء قانون الطوارئ.
وكيف يمكن تفادي أو حتي التقليل من مراوغات الحكومات في المجلس الدولي لحقوق الإنسان؟
- أن يتم إعطاء المنظمات غير الحكومية الدور الأكبر في مواجهة الحكومات. أن تلتزم الدول بجداول زمنية محددة لتنفيذ توصياتها وتعطي كشف حساب للمجلس الدولي لحقوق الإنسان. لكن أنا لدي قلق في الحقيقة. قلق من التزام الحكومات العربية. فالدول العربية لم تحرز تقدمًا في مشاريع لها علاقة بالديمقراطية. غالبية دول العالم تقدمت. وهنا يرفضون التحرك.
كان لك موقف مدافع عن المصريين المرحلين مؤخرًا من الكويت لتأييدهم دعوات الدكتور البرادعي للتغيير. ما تقديرك لما حدث من الأمن الكويتي؟
- ما حدث هو سوء تصرف وغير مقبول وتعسف في استخدام السلطة وكان موقفا غير مبرر. وقد انتقدت هذا التصرف علنًا في عمودي بصحيفة «الجريدة» وطالبت بعودة من تم إبعادهم، كما عقدنا ندوة عامة كررنا فيها هذا المطلب علنا، فلدينا هامش حرية يتيح لنا انتقاد الحكومة بحدة إن تطلب الأمر. كذلك قامت العديد من الجمعيات غير الحكومية وعلي رأسها الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، بالضغط في الاتجاه نفسه. الملف بالنسبة لنا لم يغلق، فقبل أيام قليلة كنا علي تواصل مع لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة الكويتي، حيث تم استدعاء مسئولي وزارة الداخلية وجرت مناقشة ملف الأبعاد الإداري علي اتساعه، خاصة ما حدث لإخواننا المصريين البسطاء الذين لم يخربوا ولم يكسروا المحال مثلاً ولم يسببوا تهديدًا للأمن! وبعد النقاشات وعدت وزارة الداخلية بمراجعة الطلبات الخاصة بتعويض المصريين المرحلين أو إرجاعهم لأعمالهم التي كانوا يعملون بها قبل ترحيلهم قسريًا، وقد وعدوا بمراجعة الملفات. ونتمني أن يصدر قرار بإعادة العمال لأعمالهم مرة أخري. والحقيقة أن الموضوع فاجأني لأن ما حدث ليس من طبع الحكومة الكويتية. لم تكن هناك سوابق أو تراكم في هذا الاتجاه.
كيف تقيم بالمعني السياسي تجربة الدكتور البرادعي في مصر؟
- لا يمكن لنظام ديمقراطي أن يكون ديمقراطيًا إذا لم تتوافر بدائل سياسية له. إذا لم تتوافر ضمانات نزيهة للترشح في انتخابات رئاسية. أن يكون هناك مرشحون جادون. ضمانات للحماية الشخصية. ليست هناك ديمقراطية إذا كان هناك مرشح وحيد للرئاسة. وأنا في الحقيقة لا أعرف مدي التجاوب مع الدكتور البرادعي. لكن ما ألحظه أن هناك التفافاً من المعارضة السياسية في مصر حوله. وهذا شيء جيد. والمفروض أن ينظر النظام السياسي في مصر لهذا الأمر بصورة إيجابية. والبرادعي قد ينجح أو لا ينجح. لكن هذا يفتح الباب للتغيير بصورة صحيحة.
وهل تري أن الحركة الاحتجاجية في الشارع المصري قريبة من نماذج حركة الشارع في أوروبا قبل وقوع الثورات السلمية «المخملية» في نهاية ثمانينيات القرن الماضي؟
- لا. لا أراها كذلك. الحركة الاجتماعية والسياسية المصرية في مصر أقل منها طبعا في أوروبا. وفي مصر حركة الشارع حركة رمزية أكثر منها حركة مرتبطة بقواعد جماهيرية ولا يبدو أن لها قدرة علي الحشد. وأنا أعتقد أن هذه التحركات السلمية للشارع هي أمور جيدة من المفترض أن يراها النظام كفعل إيجابي. لكن النظام لا يبدو أنه يراها كذلك ويعتبرها تحركات تهديدية.
لو قرأنا معًا مصر في فترة عبد الناصر والسادات ومبارك.. هل تجد أن تأثير مصر بالمعني السياسي والثقافي في العالم العربي اختلف؟
- دور مصر الآن أصبح أقل أهمية. لم تعد هي القائدة في العالم العربي. علي أيام جمال عبد الناصر وجزء من أيام السادات كان لمصر دور كبير ومؤثر. وبالطبع هذا لا يرتبط فقط بالشخصيات ولكنه أيضًا مرتبط بالتغيرات الدولية واختيارات السلطة. أيام عبد الناصر كانت هناك حركات تحرر وتحالف عدم الانحياز. هناك انقسامات في العالم العربي. وهذا واقع حتي بين دول مجلس التعاون الخليجي. واعتقد أن مصر تحمل في بنيتها القدرة علي الرجوع لدورها.
هل تعتقد أن تحول مصر لدولة ديمقراطية سيكون له تأثير إيجابي في المنطقة العربية؟
- أي تحول ديمقراطي في مصر بالمعني الحقيقي سيحدث عدوي في الدول العربية. ستكون هناك آثار إيجابية في المنطقة العربية. نتمني أن يكون لدينا «إيدز» ديمقراطي لا تستطيع الحكومات العربية أن تحصن نفسها منه!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.