نبحث عنها جميعاً لنحتمي بها من ظلمة الحياة ومن القسوة والقهر وذل الفقر ومن وحشة الوحدة وعذابات النفس، لعلها تمنحنا بعض الدفء وبعض النور.. هو أيضاً كان يبحث عنها لم يكن يقصد أن يعذب النساء الثلاث ولا أن يُضيِّع ابنته ولا أن يقتل نفسه. من المشهد الأول ندرك أن في الأمر جريمة، رجل معلق علي مشنقة وآخر ملقي علي الأرض بلا حراك، وثلاث نساء يقفن في قوة وبراءة وصدق ليعلنَّ أنهن القَتَلة، ثم نكتشف أن الرجلين هما «القتيل» و«ذاته» التي تنهض لتروي لنا الحقيقة من خلال حوار ذاتي يكاشف الرجل فيه نفسه ويعترف بما جناه أثناء بحثه المتلهف عنها في «نظرة حب». النساء الثلاث هن الزوجة والحبيبة والعشيقة، نفس البداية في علاقاته الثلاث يكون منهكاً يائساً حزيناً ويلتقي بالأنثي فيلقي بنفسه في عينيها علَّه يتنفس معها الحياة.. الأولي تزوجها فكانت تجسيداً للواقع بكل قسوته وجفائه، تطالبه بتحمل مسئولياته وتذكره بها في كل حين وتكثر من لومه حتي بات أكثر انكساراً وضعفاً، فراح يستنجد بالثانية، أحبها وآلمها بكونه زوجاً وأباً لا يملك لها حاضراً ولا يعدها بمستقبل آمن، ظلت حلماً دافئاً محرماً لن يطاله إلا بالزواج المستحيل، وعندما فقد سكينة نفسه مع الزوجة، وحُرِم راحة القلب مع الحبيبة أطلق العنان للرغبة تشتعل في جسده، وألقي بنفسه في أحضان العشيقة، ولكنه ازداد تمزقاً وعجزاً واتسع الظلام من حوله نسي وهو يحتمي بالنساء من ضياع ذاته أنه ضيعهن وسرق من حياتهن الأمان، كان أنانياً إلي حد أنه نسي ابنته التي أسماها«نور»، لم يفق إلا عندما اشتد مرضها وماتت.. فقدَ سلامه النفسي غاب عن النساء الثلاث فضاع وضيعهن. عرض رفيع المستوي قدمه مسرح الشباب علي قاعة يوسف إدريس بمسرح السلام، كتبه وأخرجه « محمد إبراهيم »، نص رائع يحمل عمقاً ورؤية صافية برغم المأساة إلا أنها غير مصطنعة ولا مبالغة ، فقط هي تعري بعض ما نلبسه نحن رداء محدد اللون والوصف، المؤلف هنا لا يجلد الرجل باعتباره خائناً ولا هو يبرئه، وهو يشفق علي النساء غير أنه لا يخليهن من مسئولية ما آل إليه الجميع، الكل ضحية والجميع مدان.. استطاع محمد إبراهيم أن يخلط الفصحي والعامية بإتقان ونعومة، ووزع الحوار علي شخصياته بدقة وحرفية بالغة، وكان موفقاً بدرجة كبيرة في اختيار ممثليه، كل منهم يملك تماماً الملامح المطلوبة للشخصية! فالرجل «مصطفي عبد الفتاح» يملك ملامح هادئة ورومانسية أقرب إلي البراءة، بينما جسد الذات «مجدي رشوان» بملامحه العميقة التي توحي بالعقلانية والتأمل والقوة ؛ كلاهما برع في التجسيد، وتميز الأخير بحضورٍ أخاذ وقدرة علي التنقل بين الانفعالات المختلفة بحرفية واضحة، كذلك «جيسي» في دور الزوجة لولا بعض المبالغة في الأداء، وأدت «وفاء حمدي» دور الحبيبة بنعومة ساعدتها عليها ملامحها الهادئة، كذلك «شريهان شرابي» في دور العشيقة.. الدراما الحركية لأيمن مصطفي كانت ضلعاً أساسياً في العرض وجاءت علي درجة كبيرة من التميز، كذلك الموسيقي لسامح عيسي والملابس التي صممها «جمعة» ببساطة جاءت معبرة وموحية.. لن نستطيع دائماً أن نبرئ أنفسنا ولا أن ندين الآخرين إذا ما ضاعت أحلامنا أو فقدنا الأمان، ولن تكف أرواحنا عن البحث وسط عالم قاس مظلم علَّها تجد النور والأمان.. في نظرة حب!