الكلام مع الإعلاميين والصحفيين فى مجمله تربطه خطوط ترسم استدعاء «لحالة خوف» منهج الجيل الرابع من الحروب يقوم على عدم مركزية الصراع أو الحرب واعتماد اللاعبين من غير الدول تحليل سياسي يقدمه- ناصر عبد الحميد: لقاء الرئيس السيسى الرموز الصحفية ورؤساء تحرير الصحف كان مهمًا فى طيات ما يحمله من معنى، وفى مضمون ما قاله الرئيس لهم أثناءه. وعلى أى حال، لا يجب أن يمر أى كلام أو مواقف أو تصرفات من رئيس الدولة والمسؤولين الكبار فيها دون النظر فيها بالنقد والتحليل، لأنه يعكس قناعاته واعتقاداته التى يدير البلاد من خلالها، والمفترض أنه يرى فيها الصواب، وقراءة ذلك والاشتباك معه ليس نوعًا من الرفاهية. فبداية أتفق مع ما طرحه السيسى بخصوص مطالبته المفكرين الإسلاميين والعلماء بضرورة مراجعة الفكر الإسلامى وأدبياته لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى يتبناها البعض، وإن كنت أشك فى تحقق ذلك، فشيوخ كبار من الأزهر على منصات المنابر يخونون كاتبًا تناول نصًّا من «صحيح البخارى»، ويصفون ذلك بحملة ممنهجة ضد الأزهر. أتفق معه أيضًا فى فلسفة تنفيذ مشروع حفر قناة السويس الجديدة خلال عام واحد فقط، بسبب الرغبة فى تحقيق الاصطفاف الشعبى، فالبلاد تحتاج إلى هذا النوع من الأمل بأن شيئًا كبيرًا يحدث وينجز، مع إيمانى الشديد والعميق بأن مفهوم التنمية المستدامة فى مصر لايزال فى حاجة إلى مزيد من الدراسة، للوقوف على أول هذا الطريق، ونصنع تجربتنا فى هذا السياق كما فعلت دول أخرى.
على الناحية الأخرى لدينا مجموعة نقاط خطيرة ومهمة نختلف عليها، منها: أولًا: حروب الجيل الرابع فى هذا الإطار تحدث الرئيس فى عدة محاور تصب فى ذات الموضوع، فحدد أسماء عدد من القنوات والمواقع التى تنفذ مخططًا شيطانيًّا يأتى فى إطار حروب الجيل الرابع، للتلاعب بعقول النخب والشباب. مثل موقع (ميديا ليمتد) و(صحيفة العربى الجديد) وقناة (مصر الآن) وموقع (culture)، التى تمول مباشرة من دولتى تركياوقطر وجماعة الإخوان، محذرًا من أن هناك من يحاول زرع ثغرة فى جبهة التوحد المصرية لهدمها والتأثير على معسكر 30 يونيو، مبينًا أن هذه الوسائل تعتمد على الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى، وتتبنى إطلاق الأكاذيب والشائعات ومحاولة التأثير على وحدة الصف وهز قدرات الدولة المصرية على استكمال مشروع مصر التنموى. وأن هذه المؤامرة التى لا تستهدف مصر وحدها بل الأمة العربية بالكامل، لتحقيق أهداف سياسية ضد مستقبل العرب وتماسكهم. وأوضح رئيس الجمهورية أن هدف هذه المواقع والمؤسسات الإعلامية هو استقطاب العقول المفكرة والنيرة الموجودة فى مصر والدول العربية، بتقديم مقابل مادى لمن يكتبون من أصحاب هذه العقول بالقول (لقد أصبحت العقول المفكرة والنيرة الموجودة فى مصر والدول العربية فى جيوبنا). وقال إن منهج الجيل الرابع من الحروب يعتمد فى الأساس على الإعلام والدعاية وشبكات التواصل الاجتماعى فى تحقيق أهداف سياسية ضد الدول العربية، لافتا إلى أن دور الإعلام حاليا لا يقتصر على بث الوعى والفكر المستنير فقط، وإنما الحفاظ على كيان الدولة من المخاطر، لأن المؤامرات ستستمر ضدنا لبعض الوقت. وقال السيسى إن بعض الأصوات نادت بتفكيك الدولة، وهذه الأصوات بعضها ينتمى إلى التيار الليبرالى والبعض الآخر يعبر عن تيارات دينية، ولهؤلاء جميعًا أقول «لو تفككت الدولة المصرية لن تعود مرة أخرى».
ولدينا فى ما سبق عدة ملاحظات 1- أن منهج الجيل الرابع من الحروب أو فكرته تقوم على عدم مركزية الصراع أو الحرب، واعتماد اللاعبين من غير الدول ولها تكتيكات كاجتياح بلدان عن طريق مهاجرين مثلا، وتم صك المصطلح فى أمريكا فى الثمانينيات وظهر على السطح بعد 11 سبتمبر، وهو يخص العالم كله وليس العالم العربى فقط، هذا إذا ما سلمنا بصحة الصك الأمريكى، الذى فيه ما يقال ولكن ليس فى هذا المقام، وبالتالى لا علاقة للمفهوم بوسائل التواصل الاجتماعى ولا بالإعلام. 2- قطر متفوقة عربيًّا فى قضية مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والقنوات والمواقع الجديدة التى تؤسسها، بالإضافة إلى تركيا حقيقية، ولكن مواجهة ذلك تكون بإعلام وصحافة محترفة، ومراكز أبحاث قوية تكسب ثقة القارئ والمشاهد بالداخل والخارج، بدلا من التنافس على التخوين ونشر تسجيلات البشر والشرشحة المجانية، وسباق المواقع على تحقيق أعلى الزيارات بأى ثمن، حتى ولو كان تحطيم المهنة نفسها، وهى الأمور التى لم أسمع من السيسى تذمرًا منها حتى لا فى لقائه بالصحفيين ولا بالإعلاميين. 3- فكرة التلاعب بعقول النخبة والشباب تبدو غريبة وتستعصى على الفهم، ففى 2014 فى تعاظم توحش العولمة، لا يمكن أن نتحدث عن تلاعب بعض المواقع القطرية بعقول النخبة المصرية والشباب، وإلا فأى نخبة تلك وأى شباب، فالمعلومات متاحة والقضية هنا فى مدى مصداقية ما تتناوله أنت فى إعلامك المصرى. 4- التحذير من أن هناك من يحاول زرع ثغرة فى جبهة التوحد المصرية لهدمها، والتأثير على معسكر 30 يونيو، وهذا يطرح تساؤلا وهو: ما التوصيف لمعسكر 30 يونيو؟ وأين هو الآن؟ هل هو ما ترمز إليه المجموعة التى وقفت خلف السيسى فى 3 يوليو فى أثناء تلاوة البيان؟ أم الإعلام ومؤسسات الدولة؟ أم الشباب والأحزاب والإعلام والدولة؟ وهل ما تم خلال الفترة الماضية من جانب السلطة كان يصب فى صالح تعضيد هذا المعسكر أم كسره؟ وأرى أن السلطة اقترفت ما من شأنه تكسير هذا المعسكر مثل استبعاد الوزراء السياسيين من وزارة محلب الثانية على سبيل المثال لا الحصر.
ثانيا: المشاركة فى بناء الدولة
تحدث السيسى عن المشاركة بقوله «اوعوا تفتكروا إنكم هتشيلونى البلد وخلاص، والحكومة مش هتشيل لوحدها، انتم كمان هتشيلوا معايا، ولازم نواجه تحديات بلدنا ونقف على قلب رجل واحد». وقال أيضًا: «نأمل من التكرار عليكم بأننا جميعا فى مهمة مشتركة، ودورنا جميعًا الآن هو العمل على زيادة المناعة المصرية ضد آليات حروب الجيل الرابع، وأن التحديات صعبة والرهان الآن على كتلة الوطنية المصرية، وأنه لا شك أن الإعلام له دور كبير وخطير فى الحفاظ على الاصطفاف الشعبى حول أهداف المرحلة المقبلة». وقال إنه يجب تقديم مرشحين شباب جدد للأحزاب، لكى نختار من بينهم الأصلح، وليكن هناك مثلًا 800 شاب من المتعلمين جيدا والمؤهلين وعندهم تجرد ووطنية، ووقتها لن نقلق بشأن البرلمان المقبل. وفى ذلك عدة نقاط 1- الحديث فى غير موضعه، فقد أتفهم أن يوجه هذا الحديث إلى السياسيين والأحزاب والكتل السياسية ورجال الأعمال، ولكن لا معنى من توجيه ذلك إلى صحفيين مهمتهم الأساسية هى النقد وتسليط الضوء على مواطن القصور لإصلاحها، ومواطن القوة لتدعيمها، ولا أستطيع أن أفهم فكرة وضع الصحافة والإعلام ضمنيًّا فى سياق الدولة، خصوصًا أن السيسى لم يلتق قيادات سياسية ولا أحزابا حتى الآن برغم لقائه الصحفيين والإعلاميين عدة مرات. 2- إذا كان هناك إيمان حقيقى بأهمية المشاركة لبناء البلد والعبور به من مأزقه، فأين الفريق الرئاسى وأين المستشارون؟ لا يوجد شىء واضح فى هذا الموضوع لأى شخص فى مصر، فلا نعلم من يشير على الرئيس أو من يشاوره الرئيس. 3- لا يبدو الرئيس مؤمنا حتى بمشاركة رئيس الوزراء الذى اختاره، فيقوم بنفسه بعقد اجتماعات منفردة مع الوزراء ومع محافظين أحيانا، وبالتالى فما هو بديهى من تحديد المسؤوليات والمشاركة فى التنفيذ لا يحدث، والرئيس يفعل كل شىء بنفسه، ولا يمكن أن يتصور عاقل أن دولة بحجم مصر يمكن أن تدار من خلال فرد واحد مهما كانت قوته ومهما خلصت نياته. 4- لا أعلم هل بدأ السيسى يقتنع بأهمية السياسة أم لا؟ ولكن حديثه عن الشباب والأحزاب يمكن أن يوحى بذلك، ولكن تشويها متعمدًا أصاب الأحزاب والشباب معا فى مقاتل عدة باستخدام وسائل إعلام أيضا، حتى بدأ كثير من المصريين فى الانزواء مرة أخرى بعيدا عن الأحزاب والكفر بفكرتها وأهميتها، فضلا عن سحق فكرة جيل الشباب وإمكانية وأهمية أن يلعب دورا سياسيا، فالإعلام تناولهم على موائده كتناول الفريسة، وبالتالى فليس غريبًا أزمة الفراغ السياسى الموجودة فى مصر الآن بآثارها التى قد تكون كارثية، ولا أعفى هنا الأحزاب والشباب من التقصير فى بعض الأمور.
ثالثا: التناول الإعلامى للقضايا خاطب الرئيس الصحفيين متسائلا: قائلًا لماذا لا تتحدثون عن الدعم الذى تقدمه الدولة وحجمه أكثر من 300 مليار جنيه؟ وتطرق إلى طريقة معالجة قضايا أخرى كالكهرباء ومشكلات التموين، مطالبا إياهم ببذل الجهد لتوعية المواطنين ببيان الخلفيات التاريخية لهذه المشكلات، ودعم وتوعية الناس بطرق المواجهة، محذرًا من أن يتم استغلال هذه القضايا عبر معالجات إعلامية مختلفة فى إحداث ثغرة بتماسك الكتلة الوطنية المصرية. وهنا أستطيع أن أتفهم أن السيسى لا يريد أن يدفع فاتورة غيره فى قضية الكهرباء مثلا -وهذا حقه وهو بديهى ومنطقى- فالكارثة الأساسية زرعها ورعاها حسنى مبارك، ولذلك يرغب السيسى فى توضيح الخلفيات التاريخية لموضوعات مثل تلك، ولكن التدخل فى طريقة المعالجة الإعلامية للقضايا والتحذير من استخدامها لإحداث ثغرات بتماسك الكتلة الوطنية هو أمر لا يجب من رئيس دولة إلى صحفيين، لأن فيه فرضًا مبطنًا على طريقة تناول الموضوعات، وإلا فقد تخضع لكونها من الذى يثير القلاقل.
أخيرًا الكلام فى مجمله طوال الجلسة تربطه خطوط ترسم استدعاء «لحالة خوف»، وهى تقريبًا تشبه مضامين لقاءات كثيرة أخرى تمت مع أناس آخرين، وعليه يبدو أن هذه الحالة مسيطرة على الرئيس فعلًا، فتنعكس تلقائيًّا فى ترتيبات أحاديثه وكلامه ولقاءاته، أو أنه هو الذى يستدعيها من وقت لآخر ليكسب مزيدًا من الوقت -الذى يشعر بأنه ضاغط عليه- ويضمن أكبر اصطفاف بلا نقد لأطول فترة ممكنة، وفى الحالتين فهناك مشكلة من استمرار تلك الحالة لوقت أطول فقد استنفدت شهورًا طويلة، والأفضل صناعة شراكة حقيقية يتحمل الجميع فيها المسؤولية حتى ننتقل من استدعاء هذه الحالة إلى الدخول فى تفاصيل ومعارك التنمية المستدامة والإصلاح المؤسسى والتأسيس لدولة حديثة، مع الأخذ فى الاعتبار المخاطر الحقيقية المحيطة بمصر ولكن فى حدود ما تستحقه.