قضية نسب ابن الزنى أو ابن المغتصبة لوالده من القضايا الشائكة فى الفقه الإسلامى، فقبل تطور العلم وظهور تقنية تحليل D.N.A، كانت عملية إثبات النسب من الغيبيات، لا الرجل ولا الأم يستطيعان حسمها، خصوصا إذا كانت عملية الاغتصاب أو الزنى قد شارك فيها أكثر من شخص، لهذا اتفق الفقهاء على نسب ابن الزنى وابن المغتصبة لوالدته فقط، كما اتفقوا على توريثه نصيبًا شرعيا من تركتها عند وفاتها. سئل الشيخ محمد عبده سنة 1903، عن رجل عاشر امرأة وأنجب منها سفاحا بولدين وبنتين، ومات عنهم، وعن شقيقة له، وعن ولدين وبنتين لأخ شقيق متوفٍ قبله، فهل يرثه أولاده مع كونهم أولاد سفاح؟ وهل شقيقته وأولاد أخيه يرثونه؟ وما هو نصيب كل منهم؟. الجواب: بموت هذا الرجل لا يرثه أولئك الأولاد لعدم وجود السبب، وهو نسبتهم إليه، بل الذى يرثه شقيقته وأبناء أخيه شقيقه إن كانوا على دينه، لشقيقته النصف فرضا، ولابنى أخيه النصف الباقى عصبا، مناصفة بينها، ولا شىء لبنتى أخيه الشقيق، لأنهما من ذوى الأرحام، والعصبة مقدمون عليهم، والله أعلم. الشيخ عبد الرحمن قراعة، مفتى الديار المصرية، تلقى عام 1923 سؤالا من فلسطين، يستفسر فيه صاحبه عن حكم المغتصبة، جاء فيه، سأل سائل اسمه حسين غليون، من الجودة بفلسطين عن رجل اغتصب زوجة رجل آخر، وعاشرها من غير نكاح شرعى، بل بالقوة والقهر، ووطئها فى هذه المدة، وولدت منه أولادا، ثم مات ذلك الرجل الذى اغتصبها وترك تركة، وما زالت المرأة فى عصمة زوجها الشرعى الأول، فهل يجوز لهذه المرأة وأولادها من المغتصب أن يرثوا فى تركته أم لا؟ أجاب الشيخ قراعة، متى كانت واقعة الحال كما ذكر فى السؤال، ولم يتحقق سبب الميراث شرعًا فى هذه الحادثة، وهو النكاح الصحيح الشرعى والنسب الصحيح الشرعى، فلا ترث هذه المرأة ولا هؤلاء الأولاد من ذلك الرجل المغتصب لأنها ليست زوجة شرعية له وليس أولادها منه أولادا له شرعا، والله أعلم.
المعترِفة بزناها فى عام 1924 تلقى الشيخ قراعة سؤالا آخر عن ولد الزنا، سئل عن رجل عاشر امرأة معاشرة غير شرعية، ثم هجرها، فرفعت عليه دعوى تقول إنها أنجبت منه سفاحا بغلام وطلبت له نفقة، وحكمت المحاكم العثمانية بأن الولد ليس منه، وأنه ابن رجل آخر ادعى أنه زوج المرأة، ونظرت المحاكم المصرية الأهلية دعوى النفقة باعتبار أنها مختصة بالفصل فيها، لأن العلاقة بين الرجل والمرأة غير شرعية، والولد نتيجة هذه العلاقة، وقضت عليه بدفع النفقة للولد حتى يبلغ سن الرشد، فهل يثبت نسب الولد إلى الرجل وهل يرث الولد منه؟ أجاب، إذا كانت أم الولد المذكور بالسؤال أتت به من سفاح، فإنه لا يثبت نسبه من الرجل الذى سافح أمه، وحينئذ فلا يرثه لعدم وجود سبب من أسباب الميراث، وإنما يتوارث هو وأمه وقرابتها. قال فى متن التنوير وشرحه ما نصه (ويرث ولد الزنى واللعان بجهة الأم فقط لما قدمناه فى العصبات أنه لا أب لهما) هذا هو الحكم فى الشريعة الغراء والله أعلم.
وكيل وزارة العدل فى عام 1979 تلقت وزارة الخارجية رسالة من السكرتير العام للأمم المتحدة، يطالب فيها بيان الرأى فى مساواة بين الأطفال المولودين دون زواج شرعى مع المولودين من زواج شرعى، وعند ذلك وضعت الأممالمتحدة عدة نقاط للإجابة عنها: 1- كل شخص مولود له الحق فى بنوته لأمه ولأبيه الذى يجب أن يعترف به شرعا. 2- إن واقعة ميلاد طفل تقيم بنفسها بنوة الطفل إلى أمه فى مواجهة المرأة التى ولدت الطفل. 3- البنوة الأبوية يجوز أن تقام شرعية بطرق مختلفة، ويشمل هذا الاعتراف الإرادى، والافتراض القانونى والاعتراف القضائى وعملية البحث من الأبوة لا تخضع لأى وقت أو ميعاد. 4- ويفترض أن الزوج هو الأب لكل طفل يولد من زوجته، ومن المدرك أنه ولد فى أثناء الزواج. وهذا الافتراض لا يمكن إنهاؤه إلا بقرار قضائى مبنى على دليل أن الزوج ليس الأب. 5- كل شخص ولد من أبوين تزوج أحدهما الآخر بعد ميلاده يعتبر ثمرة زواج. 6- كل شخص ولد نتيجة زواج أو يعتبر ميلاده نتيجة زواج أو على أثر زواج لاحق لوالديه، يعتبر طفلا شرعيا فى ما عدا إلغاء الزواج. 7- عند إقامة البنوة، فإن كل شخص مولود خارج الزواج يخضع للائحة قانونية مساوية لشخص ولد خلال الزواج. 8- كل شخص مولود خارج الزواج حيث أقيمت بنوته تجاه والديه له الحق فى حمل اسم العائلة، طبقا للوائح المطبقة بالنسبة للأشخاص المولودين خلال الزواج. إذا لم نقم البنوة إلا من ناحية الأم، فإن المولود له الحق فى أن يحمل اسم عائلة أمه، مضافا عليه عند الاقتضاء، بطريقة لا تظهر واقعة ميلاده أنه مولود خارج الزواج.
الشيخ جاد الحق وزارة الخارجية أحالت جميع الأوراق إلى وزارة العدل للإفادة والرد، فأحالت وزارة العدل بدورها الأوراق إلى دار الإفتاء، وتولى الشيخ جاد الحق مفتى الديار آنذاك عملية الرد، فقال، لما كان الزنى (الصلة بين الرجل والمرأة بغير عقد زواج) محرما فى الشريعة الإسلامية، ومن ثم أهدرت نسب الطفل المولود ثمرة لصلة غير زوجية إلى أب، وإنما ينسب فقط إلى أمه التى يثبت ولادتها إياه، سواء ثبت ذلك بإقرارها أو قضاء بطرق الإثبات المقررة فى القانون، كما أن نسب الطفل ثمرة الزنى لا يثبت للأب إلا باعترافه بنسبه، وبشرط ألا يصرح بأنه ابنه من الزنا، لأن الشريعة لا تقر النسب بهذا الطريق، وعلى ذلك فإن نسب الطفل لوالديه اللذين أنجباه فى ظل عقد زواج ثابت نفاذا لهذه القواعد، كما أن نسبة الطفل لمن ولدته وثبوته لها واقعة طبيعية متى ثبتت الولادة قانونا، وترتبت عليها كل الآثار القانونية بالنسبة لهذه الأم، بغض النظر عن عدم ثبوت نسبة طفلها لأب معين، ثم إن البنوة تثبت فى نطاق القانون المصرى (الشريعة الإسلامية) باعتراف الأبوين إراديا، وثبوت النسب قضاء بطرق الإثبات المقررة قانونا، أما الافتراض القانونى فلا يثبت النسب به إلا إذا ولد الطفل فى ظل عقد زواج وبالتطبيق لأحكام الشريعة لا ينقض هذا النسب ينفى مجرد من الأب أو جحوده، بل لا بد لنفيه بعد ثبوت الفراش بين الزوجين من حكم القضاء بذلك بناء على دليل صحيح غير الإقرار، لأن القانون المصرى بهذا الاعتبار (الشرعية الإسلامية) يجعل النسب من النظام العام، فلا ينقض بالجحود كما لا يرتد بالرد ولا ينفسخ بعد ثبوته، والمراد فى ثبوت نسب الطفل الذى يتزوج والده بعد مولده (بند 5 و 6 من الإعلان) اعتراف الأب بهذا النسب إذا كانت ولادته قبل عقد الزواج أو بعده بمدة تقل عن 6 أشهر، لأنه فى هذه الأحوال يكون قد ولد قبل نشوء العلاقة الشرعية، فإذا لم يعترف الأب بنسبه لا يلحقه. وخلاصة ما تقدم أن القانون المصرى فى مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب يحرم العلاقة غير الزوجية بين الرجل والمرأة، ويهدر ثبوت النسب للمولود فى علاقة الزنا، وإذا لم يثبت نسب هذا المولود للوالدين أو للأم وحدها على الأقل لم ينسب لأسرة ما، ولكنه مع هذا مواطن ترعاه الدولة وتكفل حياته وتربيته وتعليمه، كما أن حقوقه الأساسية مكفولة، وأنه نظرا لتحريم العلاقة غير الزوجية فإنه لا توجد فى مصر مشكلة الأولاد غير الشرعيين (اللقطاء) بل هم قلة لا تمثل مشكلات فى المجتمع المصرى الإسلامى، ثم إن إثبات النسب إلى الأب لا يخضع لأى قيود زمنية، بل على العكس فإن نفى النسب هو الذى تحوطه القيود والمواقيت ضمانا لثبوت النسب ووفاقا لما سبق تفصيله، ونزولا على قواعد القانون المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية والتى تحكم واقعات النسب ثبوتا ونفيا وآثار كل ذلك فإنه يتحفظ على البنود رقم 5 و6 و7 و12 من ترجمة الإعلان المعنون (مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التميز ضدهم) أما باقى بنود هذا الإعلان فإنها لا تتعارض مع قانون الأحوال الشخصية (الشريعة الإسلامية) فى جمهورية مصر العربية».
إعادة نظر فى فتوى الفقهاء من وجهة عصرية اليوم بعد أن تطورت العلوم وتوصل الإنسان إلى تحاليل تحسم مسألة نسب الطفل لوالده، حتى من بين أكثر من شخص واقعوا الفتاة أو السيدة، هل سنقف عند الموروث الفقهى ونساعد المغتصب والزانى على الهرب من الاعتراف بطفله؟ وهل سنحرم الطفل من انتسابه لأسرة؟ وهل سنتركه للحاجة ونحرمه من نصيب فى تركة والده؟ على سبيل الفرض: شاب اغتصب فتاة وأحيل للقضاء وقضت المحكمة بسجنه لفترة عقابا لجريمته، خلال فترة سجنه اكتشفت الفتاة أنها حامل منه، ومات فى السجن وخلف تركة، ليكون السؤال هنا، لماذا نحرم هذا المولود أن يرث من تركة والده؟