محطة سيدي جابر دخلت التاريخ، ذلك أنها كانت لوقت قريب ليس لها من ذكر إلا أنها تعبر عن نهاية التذاكر الصفراء في ترام الرمل لأنها في نصف المسافة وأهل الإسكندرية فقط هم الذين سيعرفون معني نهاية التذاكر الصفراء، في ترام الرمل، أما باقي المسافة من سيدي جابر إلي محطة الرمل فتذاكرها حمراء، أما الآن فقد أصبحت محطة سيدي جابر تعبر عن نهاية للتذاكر الصفراء ونهاية أرواح الأبرياء أيضاً، فآخر شهداء التعذيب اسمه « خالد سعيد».. ولا يهمنا من الذي قتل « خالد سعيد» سواء أكان الشاويش عوكل أم كان مأمور قسم سيدي جابر نفسه، فالذي قتله من وجهة نظرنا هو نظام سياسي يسمح بقتل الناس في السجون والأقسام كما لا يهمنا إن كان خالد سعيد هذا تاجر مخدرات أم تاجر سجاجيد صلاة.. فالمهم أنه «إنسان مصري».. له حق الحياة.. والمهم أيضاً ياسادة أن هذا الشهيد هو آخر شهداء التعذيب في مصر. والغريب أيها السادة أن حكومتنا تملك بجاحة ليست لدي أي حكومة في العالم مثلها.. فإذا ما تم مناقشة التعذيب في مصر في الأممالمتحدة ومجالس حقوق الإنسان وجدت المندوب الحكومي المصري وهو «بربند» ينطق بالأكاذيب حتي تتخيل أن المسجون المصري حينما يأتي إليه قرار الإفراج يبكي من شدة الحزن حيث إنه ما كان يتمني أن يترك نعيم الشرطة والأقسام والسجون . فقد شاهدت في حياتي العديد من ضحايا التعذيب وكان آخرهم شاب اسمه «محمد عبد القادر» مات -رحمه الله - في قسم حدائق القبة بعد تعذيب أكاد أقسم أني شاهدت آثاره بعيني علي جثته. ولأن القتلة في مصر يعصبون عيون الضحايا فمن الصعب حتي أن يصدر حكم علي الجلاد القاتل ... حتي لو أرادت الدولة أن تقدمه للمحاكمة.. والمؤكد أن الدولة لا تريد ذلك فحماية التعذيب سياسة ومنهج . وأذكر أنه كانت قد أحالت محكمة أمن الدولة العليا أكثر من أربعين ضابطاً إلي محكمة الجنايات بتهمة التعذيب في عام 1988 بحكم من المستشار خالد الذكر « عبد الغفار محمد»- رحمه الله- إلا أن المحكمة التي نظرت القضية والتي كانت برئاسة المستشار «عدلي أيوب» وعضوية المستشار السابق والمحافظ الحالي « عدلي حسين» برأت جميع الضباط.. ثم قامت وزارة الداخلية برحلة للحج خُصصت للساده الضباط المُعذبين.. وخرج منهم من أصبح محافظاً بعد ذلك.. وما زال حتي تاريخه .. إذن يا سادة فجريمة التعذيب ليست جريمة فرد وإنما جريمة نظام سياسي بكامله.. وللمعلومات فقط أقول لأحبابي القراء الذين تم تعذيبهم أو ضربهم علي قفاهم في الأقسام أو الذين ينتظرون في قائمة الانتظار إنه لا توجد جريمة في القانون اسمها التعذيب وإنما الجريمة التي ينسبونها إلي الضابط الذي يُعذب الضحية علي قفاه ويجعل له خازوقاً مقاس 44 ليجلس الضحية عليه ثم يقوم بتوصيل الكهرباء في أماكن حساسة.. هذه الجريمة كلها علي بعضها هي جنحة اسمها في القانون « جنحة استخدام قسوة» حتي لو مات المواطن أثناء استخدام الشاويش عوكل للقسوة فهو قتل خطأ . وغني عن الذكر أن الصحف الحكومية سوف تبدأ في حملة صحفية تؤكد فيها أن القتيل قد قرصته نملة أو أنه ابتلع سفنجة سدت حلقومه أو أنه غرق في الحوض، بينما كان يغسل فرشاة أسنانه . ففي عام 1981 استشهد الأستاذ « كمال السنانيري».. ثم قالوا كذباً إنه انتحر وكرروا هذه المقولة مع العشرات من بعده.. حتي الشهيد « أيمن حسن» والذي كان قد حكم عليه بالسجن لقيامه بقتل الصهاينة علي الحدود المصرية وجدناه مشنوقاً بملايات بيضاء.. زي الفل.. وقالوا أيضاً إنه انتحر.. ألم أقل لكم يا سادة إن التعذيب جريمة نظام وليس جريمة أفراد.. والآن أعلن لكم أني قد فهمت لماذا كانت الحكومة تُدرس لنا في المدرسة أن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كان يؤكد أنه لو تعثرت بغلة في العراق لخشي أن يسأله الله عنها لماذا لم يمهد لها الطريق؟.. نعم فهمت وفهمت جداً كمان وعرفت أن الإنسان المصري أقل عند الحكومة المصرية من البغل بكتييييييييير ... وعجبي!!