هل يكفي إعادة بعض حلقات مسجلة لأسامة أنور عكاشة يوم وفاته واليوم الذي يليه ليرضي التليفزيون ضميره ويسجل تغطية مؤقتة لخبر الرحيل! تعجبت كثيرا. أنه بعد يوم واحداً فقط من رحيل الكاتب الكبير وجدت ممثلة شابة تتحدث في برنامج المسلسلاتي عن مشوارها القصير حيث اكتفي البرنامج الأشهر في قنوات الدراما بحلقة واحدة فقط عن كاتبنا الكبير ولم يخصص له أسبوعاً أو ثلاثة أيام علي الأقل لمناقشة أعماله وتقييم جوانب من مشواره.. كنت أتصور مثلا أن يكون هناك حلقة مع المخرجين الذين تعاملوا معه وحلقة مع الممثلين وأخري مع النقاد المتخصصين وحلقة مع مجموعة من المثقفين الذين عاصروه وتتحول الحلقات لا إلي جلسات ندب وذكر محاسن الميت ولكن إلي تحليل فني ونقدي وثقافي لمشوار هذا الكاتب وعرض المشاهد والمواقف الدرامية من مسلسلاته التي يرد ذكرها في الحلقات كنوع من النقد «المصور» وليس النقد «المكتوب» فهل يعقل أننا بعد سنوات من ظهور القنوات المتخصصة لا يوجد لدينا برنامج واحد يقدم نقد «صوت وصورة» للمواد الدرامية والسينمائية!وأنا أتحدث عن برنامج كامل وليس مجرد فقرة عابرة أو تقرير مصور 5 دقائق.. برنامج تحليل درامي أوسينمائي يصنع حالة من الوعي ويرتقي بمستوي تذوق الجمهور عبر تبسيط المفاهيم والمصطلحات الفنية بشكل يجعل الجمهور يتعرف علي أسباب حبه وتعلقه أو إعادة مشاهدته لنفس العمل الدرامي ونفس الفيلم أكثر من مرة.. وبالتالي يخلق حداً أدني من الذائقة الدرامية أو الفنية تجعل هناك مساحة لمقارنة الغث بالثمين ومن ثم الانتصار لما ينفع الناس وترك الزبد يذهب هباء. في الحقيقة أنا لا ألوم أو أهاجم برنامج المسلسلاتي ولكنني استخدمته في حالة رحيل كاتب بقامة عكاشة للتدليل علي غياب قيم كثيرة في منظومة التعامل الإعلامي مع الدراما فسيطرة عقلية الخبر الصحفي والتعامل بمنطلق سد الخانة في البرامج الفنية هي آفة شديدة الخطورة يجب أن ننتبه إليها ونحاول علاجها بقدر الأمكان.. بل إن قضية غياب البرامج التحليلية الدرامية والسينمائية-رغم كثرتها المفرطة في مجال الكورة علي سبيل المثال- تكاد تكون مرتبطة ارتباط وثيقاً بضياع أرشيف الفن المصري سواء بالبيع أو السرقة أو التلف وسواء كان هذا التراث أفلاماً أو مسلسلات أو آلاف الدقائق الغنائية..وعندما كنت أعمل في برنامج «محليات التسجيلي علي شاشة قناة الصفوة كنت أعاني معاناة شديدة في الحصول علي المشاهد التي أرغب في التعليق عليها وتحليلها للجمهور في الحلقات السينمائية والدرامية المتخصصة التي كنت أقوم بكتابتها ولكن هناك فرقاً بين المعاناة في قناة خاصة وبين السلطة أو القوة أو الإمكانيات التي يمكن أن تتوافر لتليفزيون «الدولة» بكل ما تعنيه كلمة «الدولة» من مؤسسات وصلاحيات! ولكن عندما نكتشف أن السرقة تتم من داخل البيت وأن التواطؤ ضد الجدران يأتي من ساكنيها والمقيمين بداخلها فإن الشعور بالهزيمة يصبح شديدة الوطأة ولا يبق لدينا سوي انتظار الذكري السنوية لهذا الكاتب أو ذلك الفنان لنشاهد بعض التعليقات السطحية عن أعماله أو جمل الرثاء المستهلكة التي ربما تأتي حتي من أشخاص لم يتعاملوا معه ولكنهم كانوا فقط «فاضيين» وقت أن طلبوهم للتصوير والحديث عنه.