أصدرت الكاتبة آمال الميرغنى رواية «باب سر» عن دار «بيت الياسمين» للطباعة والنشر، وجاءت الرواية فى 279 صفحة من القطع المتوسط، ولوحة الغلاف للفنان البريطانى وليام كلارك. «باب سر» هو الاسم المتداول حتى وقت ليس ببعيد، للباب السري، وهو الباب الذي وجد بكثرة في البنايات القديمة لقرون عديدة خلت، حيث يفضي ذلك الباب المتنكر في صورة جدار اوخزانة ثياب إلى قبو للاختباء أو ممر يسمح للمطاردين بالنفاذ منه حين يحاصرهم الأعداء.
وتواتر وجود هذا الباب يكشف جانبا هاما من جوانب حياة ما قبل الحداثة، حين كانت السيوف تشق طريقها إلى البيوت وتدق الأعناق هنا وهناك بلا رادع.
إنها رواية تاريخية تنشغل بالبسطاء الذين لا يشغلون حيزا من كتب التاريخ الذي يذكرهم في العادة بوصفهم العوام، وتأخذننا الرواية لنتعرف على حقبة من ماضينا عبر الصورة الثرية التي ترسمها للحياة في مصر قبل مائتي عام من خلال تتبع سير حيوات شخصياتها السبع الرئيسية، سليم، جندي المرتزقة الألباني، الذي يعاني ضميره من مشاركته للشرور التي يقترفها جند المرتزقة، ويكتشف في الحجاز بينما يحارب الوهابيين عالم الصحراء و البدو، وتنتهي حياته بعد عودته إلى مصر نهاية مأساوية.
وصالح، العبد السوداني المعتوق الذي يعمل كقرداتي ثم كمشخصاتي، وتكشف حياته الحافلة بالمفاجآت جوانب عديدة من العالم السفلي لتلك الفئات التي كانت تحيا في ذلك الزمن . وليون، المستشرق الإنجليزي الذي جاء إلى مصر ليكتب كتابا يقدم صورة مغايرة لما درج المستشرقون الأوربيون عليه من تناول يتسم بالتعالي والسطحية، فيعيش تجارب ثرية في مصر، ويقرر بعد سفره لوطنه بوقت قصير العودة والبقاء في مصر التي تأسره الحياة فيها كبلد لم تدجن روحه بعد قبضة النظام كما جرى للمجتمعات الأوربية الحديثة.
وكذلك الشيخ بدرالدين، الأزهري، صاحب المواقف العفوفة والرؤية المستنيرة، و المؤمن باحترام الآخر و بما يوحد بين البشر من كل جنس. هند، ابنة أحد الشيوخ، التي تؤثر علاقتها بأبيها و محبتها له على خياراتها في الحياة حتى بعد موته، تكشف حياتها جوانب من الزواج و الحب و العلاقات الأسرية في زمانها، و تعيش أحداث مثيرة مع الضابط الكردي رئيس الشرطة بالمحروسة مساعد، العبد السوداني المعتوق، ربيب الشيخ بدر الذي علمه و صار كاتبا بالمحكمة و شاعرا من نوع خاص.
بينما يعاني في حياته العاطفية من تبعات مشاهدته في صباه لعمليات تطويش العبيد، وأنيسة، الحبشية التي كانت محظية لأحد سلاطين السودان وهربت إلى مصر و تربطها علاقات بصالح ومساعد وسليم، تعمل كعاهرة في بيت للخواطي لفترة طويلة من حياتها ثم تخرج منه و تفتح مقهي ، تعيش من خلاله الكثير من وقائع تحديث مصر.
وأغلب شخصيات «باب سر» شخصيات خيالية نسجتهم المخيلة الأدبية للكاتبة باستثناء شخصيتين مستلهمتين من شخصيتين عاشتا في ذلك الزمن وهما: ليون، والشيخ بدر. ولا تبدو شخصيات الرواية بعيدة عنا كشخوص عالم قديم و لا قريبة منا كشخصيات زماننا، فهي شخصيات تخص نفسها ووجودها الفني، تلمس عواطفنا دون ان تتآكل المسافة التي تفصلنا عنها، المسافة التي تجعلها ساحرة فيما تجسد أمامنا غرائبية عالمها الذي يفوق الخيال والذي ندرك تماما أنه كان واقعا حيا ذات يوم.
في «باب سر» تظهر الأحداث التاريخية من خلال إنعكاساتها على شخصيات الرواية وتأثيرها على مساراتها الدرامية واشتباكها مع مصائرها. فالمادة التاريخية الدسمة التي حوتها الرواية، تصل إلى القارىء عبرالنسيج الدرامي للأحداث الذي يبدو لنا محكوما بحسابات فنية دقيقة، وقد صيغت في قالب حكي اجتهدت في جعله مشوقا. وهي تتعرض إلى عوالم عديدة، وظواهر، ووقائع، و حكايات، وطقوس، منها عالم الجواري و طرائق أسر العبيد و صناعة الخصيان، والمرتزقة بمؤامراتهم وتمرداتهم الطائشة، عالم التجار، النساء و ما يتداولنه من حكايات، الفلاحون ومعاناتهم مع الضرائب و المباشرين، الدراويش بغرائبيتهم، البهلوانات والقرداتية والمشخصين، العاهرات، الأوروبيون المقيمين في مصر، المحاكم والكتبة، أغا الشرطة، والمحتسب، والسياف، عالم الصحراء والبدو.
تطلعنا الرواية على تفاصيل الكثير من الوقائع الهامة، مثل: الحرب التي دارت رحاها بين جيش محمد علي والوهابيين في شبه الجزيرة، ونشأة الحركة الوهابية وما فعلته بالبلاد المجاورة، وبدايات التصنيع في مصرو تداعياته على الحياة، وإنشاء الجيش المصري ومعارك الأهالي الرافضين للتجنيد مع الدولة، ونزوح الفلاحين من قراهم، وانتشار الاوبئة واستشراء مرض الزهري.
وإنشاء مدرسة التمريض والمستشفيات وهي تحفل بمظاهر الحياة، من الطقوس والاحتفالات الرسمية والشعبية، إلى خان العبيد، إلى سوق المتع المقام حول معسكرات جند المرتزقة، إلى مسابقات الرماية الطائشة التي كان محمد علي يقيمها للجند ومن خلال سير حياة الشخصيات نتعرف على ما كانت عليه الحقوق الإجتماعية والإنسانية.
وما كانت عليه العلاقة بين السلطة والناس، وكيف كانت معاييرنا الأخلاقية القديمة، والتي نجهلها، حيث كان البغاء و اللواط مباحين و مقبولين من قبل المجتمع وتحصل الدولة الضرائب من مزاوليهما، وحيث يباع معجون الحشيش في الدكاكين كغيره من السلع، وتقدم الراقصات عروضهن الخليعة في زحام الميادين في احتفالاتنا الشعبية، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل إذا ما كانت حقا ما نسميها قيمنا الشرقية لها دائما معايير ثابتة حسب التصور الشائع أم انها في حقيقة الأمر تتغير من عصر لآخر.
كما تتعرض «باب سر» للتحديث في زمن محمد علي، والطريقة التي جرى بها، وهل كان أشبه بالهبة التي منحها محمد علي لمصر كما يجري الحديث عنه دائما، أم أننا نقرأه وفق نظرتنا العصرية للحداثة وليس وفقا لمفاهيم زمنه والدوافع التي كانت تحركه، إذ تلقي ضوء على المقاومة التي قوبلت بها عمليات التحديث من أهل ذلك الزمان و القسوة الرهيبة التي قابلت بها الدولة هذا الرفض، وكل تلك الأمور التي وثقها التاريخ و التي نادرا ما نلتفت إليها.
والكاتبة آمال الميرغني صدر لها مجموعتين قصصيتين «جبل وبحر ووردة» عام 1998 و«دميتان في ليلة باردة» عام 2007 عن دار ميريت، ومجموعة قصصية للأطفال بعنوان «مدرسة العصافير» صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
ونشرلها العديد من السيناريوهات المصورة للأطفال، والمقالات الأدبية، وقدم لها سيناريوهان أحدهما كارتون من انتاج المركز القومي للسينما و الآخر روائي قصير، حصل على جائزة أفضل فيلم قصير من المهرجان القومي للسينما.