الفيلم يرصد عمليات القرصنة البحرية التى استدعت شركات الملاحة للاستعانة بشركات أمن من السهل أن تصدق الإشاعة إذا لم تكن مطّلعا على ما يحدث من حولك من أخبار. يقوم الإخوان وأعوانهم ليل نهار بإنتاج كثير من الأكاذيب المغرضة، وتدليس المعلومات وخلط الحق بالباطل، ومن إنتاجهم الأخير إشاعة استعانة مصر بقوات أمن إسرائيلية لتأمين قناة السويس بعد انتشار عمليات القرصنة فى البحر الأحمر، والإشاعة من السذاجة والتهافت حتى إنها لا تستحق المراجعة، ولا يصدقها إلا مخبول.
السؤال الحقيقى الذى يستحق التوقف أمامه هو لماذا تستعين السفن المارة بقناة السويس بشركات تأمين وطواقم مسلحة على متنها؟
قناة السويس ما هى إلا معبر آمن لبحر آمن خطورته تتركز فى الجنوب بجوار حدود الصومال واليمن وكل منهما تعانى اضطرابات سياسية وأمنية، وهناك تتعرض السفن التجارية للخطف مقابل فدية ملايين الدولارات تذهب غالبا لعصابات محلية وأمراء الحرب، ويستطيع بضعة صيادين يحملون أسلحة خفيفة اختطاف سفينة عملاقة بمنتهى السهولة.
رغم تعرض سفن صيد مصرية للقرصنة فإننا نسينا تفاصيل الأمر بعد أيام من عودة السفن بسلام، والسينما المصرية حينما تناولت القرصنة قدمتها بصورة ساذجة وسطحية وهزلية فى الفيلم الكوميدى «أمير البحار» من بطولة محمد هنيدى.
لكن دعنا من أمير وهنيدى ولنركز مع توم هانكس الذى سيجيبنا عن هذا السؤال الهام من خلال فيلمه الأخير «كابتن فيليبس» Captain Phillips، المعروض حاليا بمصر، وقيل إن تصويره كان يفترض أن يتم فى شرم الشيخ منذ عامين لكن سوء الأوضاع الأمنية بمصر جعل الشركة تغير وجهتها شطر «أغادير» المغربية.
الفيلم قصته مأخوذة عن أحداث حقيقية وقعت فى عام 2008، ويجسد فيه توم هانكس شخصية القبطان ريتشارد فيليبس قبطان سفينة الشحن الأمريكية «ميرسك ألاباما» التى تعرضت للاختطاف المسلح على يد مجموعة من القراصنة الصوماليين بالقرب من السواحل الصومالية.
يبدأ الفيلم برحلة السفينة الضخمة من ميناء صلالة العُمانى إلى السواحل الإفريقية، لا تحمل على متنها سوى عدد قليل من الأفراد، ولا يحمل أى منهم سلاح، والفيلم يصور كيف تمكن فيليبس هو وطاقمه من إحباط عملية خطف سفينته، ودفع ثمن ذلك فأصبح هو نفسه رهينة القراصنة الأربعة الذين اصطحبوه معهم داخل قارب إنقاذ.
المخرج بول جرينجراس يقدم فيلم إثارة دون عناصر إبهار هوليوودية صاخبة، يستغنى حتى عن حيله الخاصة فى تقديم أكشن مشابه لفيلميه «إنذار بورن الأخير» و«سيادة بورن»، وهو يتصاعد بالتشويق من بدايات الفيلم الهادئة إلى ذروة التوتر حينما يجد فيليبس نفسه رهينة فى قارب ضيق بصحبة أربعة قراصنة مسلحين يتصرفون بعصبية، تقوم الكاميرا المهتزة التى تتحرك بين الممثلين بتأكيد حالة التوتر والقلق التى تزيد مع محاولات البحرية الأمريكية إنقاذ القبطان، ويبرع السيناريو فى التقاط تفاصيل صغيرة لسلوك الشخصيات وتصاعد الأزمة، ويعود توم هانكس إلى تألقه مع شخصية تحمل روح شخصيات سابقة قدمها فى أفلام مثل «المطار» The Terminal و«المنبوذ» Cast Away، وما يجمع الشخصيات وأداء هانكس هو حالة وجود شخص وسط أزمة غير متوقعة، وتحويله إلى مشاعر الخوف والرعب إلى رغبة دؤوبة فى التغلب على أزمته، تعبيرات هانكس تنوعت من الشخصية القوية للقبطان الواثق بقدراته وذكائه، والقائد المراوغ فى معركة غير متكافئة مع قراصنة، والرهينة المذعور الذى يبحث عن فرصة للنجاة.
رغم أن الفيلم يركز على البطل الأمريكى فإنه يقدم لمحات إنسانية لسوء الأحوال المعيشية للقراصنة الذين تسببت عوامل كثير فى تحولهم من صيادين لقراصنة، منها تكالب سفن الصيد الأجنبية الكبيرة على الصيد فى المياه الإقليمية الصومالية بعد انهيار الحكومة هناك، وأيضا إلقاء المواد السامة أمام بعض سواحلهم، وهو أيضا لا يقدم شخصيات القراصنة بصورة الأشرار النمطيين، بل تكاد تشم فى سلوكهم وتصرفاتهم خوفا وقلقا وعصبية لا تقل عن خوف وقلق رهينتهم القبطان الأمريكى، وقد نافس الممثل الصومالى باركاد عبيدى بأدائه القوى فى شخصية موسى أداء توم هانكس، إنه واثق بنفسه ذكى ويمتلك منطقه الخاص فى تبرير أفعاله.