تمسكت الحكومة المصرية بتوقعاتها لحجم النمو المتوقع للعام المالي الحالي رغم تشكيك بعض الاقتصاديين في إمكانية تحقيقه. فبينما أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز لآراء اقتصاديين متابعين للشأن المصري أن معدل النمو المتوقع لن يزيد على 2.6%، أصر وزير المالية المصري احمد جلال في حوار مع بي بي سي على توقعاته السابقة بأن النمو سيكون في حدود 3.5%. ورجح الاقتصاديون أن قطاع السياحة لن يتعافى سريعا مع استمرار الاضطرابات السياسية، وأن الحكومة لن تستطيع خفض دعم المواد البترولية قريبا بحيث توجه جزءا أكبر من الموازنة نحو الاستثمار.
من جانبه تمسك وزير المالية بتوقعاته الأكثر تفاؤلاء واصفا إياها بأنها "أكثر واقعية". وقال الوزير في حوار لشبكة بي بي سي إن الحكومة رفعت إنفاقها الاسثماري، كما أن قرارها رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الحكومي إلي 1200 جنيه سيساهم في زيادة الاستهلاك.
ووفقا لوزير المالية فإن الكثير من الاقتصاديين يقعون في خطأ عندما ينظرون فقط إلي "حجم الاستثمار مقارنة بالدخل القومي كوسيلة للتنبؤ بمعدل النمو، لكن ما يتناساه البعض أحيانا هي الطاقة العاطلة. الاقتصاد المصري قادر على النمو بحوالي 4.5% سنويا دون تغير حقيقي في معدل الاستثمار بالنسبة للدخل القومي".
وبنفس الشكل أصر جلال على توقعاته بخفض العجز إلي حوالي 10% من الدخل القومي، وذلك رغم توقعات بعض المراقبين، مثل مجموعة إي أف جي هيرمس، بأن يكون في حدود 13.4%.
وبرر جلال توقعاته الأكثر تفاؤلا بعدة عوامل قال إنها تؤثر إيجابيا على جانبي إيرادات وإنفاق الدولة. فوفقا لوزير المالية ستوفر الحكومة في نفقات خدمة الدين بعد أن قام البنك المركزي مرتين بخفض سعر الفائدة على الجنيه المصري مستعينا بالمنح والقروض الخليجية. "تكلفة الاقتراض بالنسبة للموازنة الآن انخفضت من حوالي 14.5% إلي حوالي 10.5%، وحجم الوفورات الناتج عن هذا ... يقترب من 30 مليار جنيه".
كما توقع الوزير إيرادات إضافية لموازنة الدولة مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة بدلا من ضريبة المبيعات، إلي جانب 4 – 6 مليار جنيه إضافية مع تفعيل الضريبة العقارية، وهي ضريبة تم إقرار القانون الخاص بها وفقا لجلال لكن الحكومة تقوم حاليا بإدخال بعض التعديلات عليه "لتوضيح كيفية تطبيقه".
وعلى جانب الانفاق قال الوزير إن الحكومة تعول على برنامج متكامل يقوم بإعداده حاليا وزير البترول لخفض الإنفاق على دعم الطاقة، ولكنه لم يحدد حجم الوفورات المتوقعة من هذا البرنامج.
إلا أن جلال تجنب الإفصاح عن تفاصيل دفعة ثانية لتحفيز الاقتصاد كان زميله في الحكومة منير فخري عبد النور، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، قد تحدث عنها قبل أيام. ففي تصريحات صحفية أواخر الأسبوع الماضي قال عبد النور إن الحكومة تنوي ضخ حوالي 3 مليار دولار في السوق أوائل 2014 كدفعة ثانية من خطة تحفيز الاقتصاد، مشابهة للدفعة الأولى (أيضا حوالي 3 مليار دولار) التي أعلنت عنها الحكومة في أغسطس الماضي.
لكن مع سؤال وزير المالية عن هذه التصريحات خلال حواره مع بي بي سي، اكتفى جلال بقول أن هناك نية لتقديم دفعة تحفيزية ثانية، لكن "حجم وتوقيت هذه الدفعة متروك للمستقبل".
من أهم القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية هو إقرار حد أدنى لأجور العاملين بالقطاع الحكومي بمقدار 1200 جنيه بدءا من يناير كانون ثاني 2014، كوسيلة – تقول الحكومة – لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية.
ورغم أن الكثير من المراقبين رحب بالقرار من حيث المبدأ، إلا أنه سرعان ما برزت مشاكل عملية قد تعتري تطبيق القرار. إذ طفى إلي السطح سؤال حول إقرار حد إدنى مماثل للأجور بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، وهو القطاع الذي تنخرط فيه معظم الأيدي العاملة المصرية.
وحتى بالنسبة للعاملين بالقطاع الحكومي برز سؤال حول ما إذا كان هؤلاء الذين يحصلون الآن على 1200 جنيه أو أكثر سيشهدون زيادة في رواتبهم مشابهة لأقرانهم ممن تقل دخولهم الآن عن الحد الأدنى؟
وطبقا لوزير المالية فإن البديل الأول أمام الحكومة تمثل في رفع رواتب من يحصلون حاليا على أقل من الحد الأدنى مع إبقاء رواتب الدرجات الوظيفية الأخرى على حالها، لكن هذا البديل لن يكون مقبولا للدرجات الوسطى التي ستساوى حينذاك بالدرجات الأدنى رغم فارق الخبرة والمؤهلات.
أما البديل الثاني فهو زيادة رواتب كل الدرجات بنسب متساوية، إلا أن "الفاتورة (التي ستتحملها الدولة) في هذه الحالة غير مقبولة وغير ممكنة".
وقد استقرت الحكومة، طبقا لوزير المالية، على بديل ثالث يتمثل في زيادة دخول كل من يحصلون على أقل من الحد الأدنى حتى يصلون إليه، مع زيادة رواتب الدرجات الأعلى ولكن بنسب أقل.
ورغم تأكيد جلال أن التكلفة في هذه الحالة ستكون "معقولة ومقبولة ونستطيع توفير الموارد المناسبة لها دون أن تكون في شكل تضخمي"، إلا أنه رفض الإفصاح عن حجم هذه التكلفة، قائلا إنه ينتظر مناقشة الأمر مع زملائه في المجموعة الاقتصادية بمجلس الوزراء قبل إعلان الرقم الإجمالي.
ويتشكك الكثير من الاقتصاديين في قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق تقدم حقيقي في ظل الاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد مع استمرار المواجهات الدامية بين السلطة الحالية وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي. إذ يعاني قطاع السياحة – الذي يعد مصدرا رئيسيا لتشغيل الأيدي العاملة وجلب العملة الأجنبية – من معدلات إشغال متدنية، كما أن معظم الاستثمارات المحلية والأجنبية تعزف عن دخول السوق المصري في الوقت الراهن.
ورغم إقرار وزير المالية بأنه لا سبيل لتحقيق تقدم اقتصادي حقيقي دون أن يكون هناك استقرار سياسي في البلاد، فقد أعرب عن اعتقاده بأن "ما يحدث فى مصر هو تطور طبيعي وهو جزء من التحول من نظام إلي نظام اخر... والاتجاه هو التحول نحو نظام ديمقراطي يشمل الجميع"، واصفا الاضطرابات الحالية بأنها "مشاكل مؤقتة".