هل كانت إسرائيل تعرف بالمؤامرة على السادات ولم تبلغه بعد أن أصبح عبئًا عليها؟ ساسون يكشف الجدل الدائر فى أروقة تل أبيب حول مشاركته المحتملة فى العرض العسكرى فى السادس من أكتوبر.. وكأن إسرائيل تعترف بانتصار مصر عليها! بيجن يرسل برقية «فضيحة» إلى السادات يهنئه فيها بنجاته من الموت.. وكان السادات وقتها قد قتل منذ عدة ساعات
عملية قتل السادات ومرافقيه لم تستغرق سوى 30 ثانية فقط وفق شهادة السفير وضابط الموساد الذى تعامل باستعلاء شديد مع المسؤولين المصريين.. وكان أغلب الضباط ينفذون طلباته وكأنها «أوامر»!
جلس السادات وعن يمينه نائبه حسنى مبارك وعن يساره وزير الدفاع أبو غزالة
ساسون: لحظة الاغتيال دفعنى ضابط الموساد المرافق لى لكى أنزل أسفل المقاعدمتصورًا أنها ألعاب نارية فإذا هم جنود يفتحون نار جهنم على المنصة!
نهض السادات ليحيِّى الجمهور ثم نزل مع مبارك وأبوغزالة وساروا بخطوة عسكرية فى اتجاه قبر الجندى المجهول
هل كان ضابط الموساد المرافق للسفير الإسرائيلى يعلم أن السادات سيقتل؟ ولماذا قال للسفير هامسا وهم أسفل مقاعد المنصة: الموضوع انتهى؟
هذه شهادة سفير إسرائيل الأسبق فى مصر موشيه ساسون. وموشيه ساسون هو مهندس العلاقات المصرية - الإسرائيلية، وهو رجل موساد بامتياز، عمل فى مصر قبل اغتيال السادات بشهور ثم امتدت فترته إلى سبع سنوات تالية، لقد عمل فى فترة انتقال كبرى بين نظام عقد صلحًا منفردًا مع عدو للأمة العربية ولمصر، ونظام آخر كان امتدادًا له فى العمالة، والتحالف مع ذات العدو، موشيه ساسون نشر باللغة العبرية فى تل أبيب قبل سنوات مضت مذكراته عن فترة عمله فى القاهرة والتى امتدت إلى سبع سنوات، متجاوزًا بذلك كل من سبقه (سفير واحد إلياهو بن إليسار) ومن تلاه (عشرة سفراء حتى يومنا هذا 2013)، المذكرات حملت عنوان «سبع سنوات فى بلاد المصريين» وقام بترجمتها للعربية (دار الكتاب العربى فى القاهرة ودمشق) ودور نشر أخرى، وقمنا -كاتب هذه السطور- وقتها بالرد على ترهات وأكاذيب ساسون عن مصر والمصريين فى مقدمة للترجمة العربية الصادرة عن دار «الكتاب العربى»، ولقد احتوت المذكرات على أسرار مثيرة عن السياسة والسياسيين فى مصر، وفضحت أصدقاء الصهاينة ورجالها واختراقات السفارة وأدوارها الخطرة على أمن مصر القومى، ومن بين ما احتوته هذه المذكرات التى لم تلق عناية كافية من المقاومين للتطبيع لكى يدرسونها ويردون على الشبهات بها، كان الفصل السادس منها والمعنون ب«على حافة أزمة»، والذى خُصص فى أغلبه لسرد وقائع اغتيال السادات على المنصة يوم الثلاثاء الموافق 6 أكتوبر 1981، ومع الذكرى الثانية والثلاثين لمصرع السادات على أيدى خالد الإسلامبولى ورفاقه: نفتح ملفات الاغتيال، ومن أهمها وأخطرها، ما احتوته مذكرات موشيه ساسون، ثانى وأخطر سفير للعدو الصهيونى فى مصر، ترى ماذا رأى، وكيف رأى حادثة الاغتيال؟ وهل كان لتل أبيب وواشنطن دور فيه ولو بتجاهل وعدم إبلاغ القاهرة بالمخطط الذى يجرى لقتل السادات والانتقال إلى نائبه (مبارك) بعد أن أصبح السادات عبئًا على واشنطن وتل أبيب؟ أسئلة نحاول أن نجد إجابة عنها فى الجزء الخاص باغتيال السادات فى مذكرات موشيه ساسون. فماذا قال؟!
على منصة الاغتيال
يبدأ سفير العدو الإسرائيلى موشيه ساسون الجزء الخاص باغتيال السادات فى الفصل السادس من مذكراته تحت عنوان فرعى «على منصة الاغتيال» بقوله: «فى 27 سبتمبر 1981، وقبل تسعة أيام من العرض العسكرى الضخم الذى كان سيجرى فى مصر، مثلما يحدث كل عام منذ حرب يوم الغفران (هكذا يسميها الصهاينة وهى لدينا نصر حرب رمضان والسادس من أكتوبر) قال أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية، فى اجتماع حكومى، إنه كان من الخطأ السماح لأول سفير لإسرائيل فى مصر إلياهو بن اليسار حضور العرض، رد رئيس الوزراء مناحم بيجن بأن موضوع حضور السفير الثانى لإسرائيل للعرض العسكرى فى مصر سوف يعرض للمناقشة فى الاجتماع التالى للحكومة فى 4 أكتوبر أى قبل يومين من العرض العسكرى المنتظر، ما أن علمت بهذه الأمور أرسلت برقية إلى وزارة الخارجية فى القدس من جزئين. فى الجزء الأول شرحت باختصار لماذا يجب أن يوجد السفير الإسرائيلى على المنصة، فى الجزء الثانى من البرقية أوصيت لوزير الخارجية بأمرين: الأول أن يطلب من رئيس الوزراء عدم طرح الموضوع للبحث فى اجتماع الحكومة القادم، والثانى أن يترك القرار لى بأن أذهب إلى العرض أو لا. فى نهاية البرقية أضفت بأننى سأكون على استعداد لتحمل المسؤولية ونتائج القرار الذى سأتخذه. ثم يقول فى رد وزير الخارجية إسحاق شامير بتوقيع مدير عام الوزارة ديفيد كيمحى، كان يوجد بندان قصيران: فى البند الأول قيل إنه وفقًا لطلبى، فإن الأمر متعلق بقرارى، وفى البند الثانى كتب دافيد كيمحى أن وزير الخارجية يود أن يشير، باسم رئيس الوزراء إلى أنه أيا كان قرارى فإن الحكومة سوف تسانده».
جدل فى إسرائيل قبل العرض العسكرى
كنت مدركًا -يقول ساسون- الحقيقة أن موضوع اشتراكى فى العرض الذى يقترب قد شغل الرأى العام فى إسرائيل، وقد اتضح ذلك فى أجهزتنا الإعلامية، حيث إن هناك من قالوا أو كتبوا إنه لا مجال لحضور السفير الإسرائيلى، حيث يرمز فى نظر المصريين إلى انتصار بارز فى عبور القناة فى حربهم ضد إسرائيل فى عيد الغفران، شعرت بأننى ملزم بأن أشرح الأمر، خصوصا لمن سماهم سفير العدو الإسرائيلى بالثكالى الذين فقدوا أعزاءهم فى حرب يوم الغفران، وما أن عرف فى إسرائيل بأن القرار أصبح بيدى، ضمنت أنه بعد اجتماع الحكومة يوم الأحد أو الإثنين، سيتصل بى الصحفيون ومندوبو أجهزة الإعلام فى إسرائيل لمعرفة رأيى، قررت أن أستغل هذه الفرص كى أشرح الخطوة التى صممت على الإقدام عليها لأقول إننى لم أكن منتبهًا للأخطار الأمنية لحظة قرارى حضور العرض، ولكننى لم أفكر لحظة فى احتمال اغتيال الرئيس الذى كان محاطًا بالحرس وجهازه الأمنى الكبير، كذلك فإن المساعدين الإسرائيليين والمصريين الذين تولوا حمايتى الشخصية زادوا من حرصهم فى تلك الأيام، كان المناخ فى القاهرة مشبعًا بالمخاوف إلا أننى اعتمدت على المرافقين الإسرائيليين. أنهم شباب ذوو يقظة وكفاءة مهنية لا مثيل لها، فى تلك الأيام كنت معتادًا على التحرك بسيارتى، وكان يجلس معى المرافق وفى سيارة ثانية يسير خلفنا بعض العاملين فى السفارة، وراء هذه السيارة كانت تسير أحيانًا سيارة أو اثنتان حاملة رجال أمن مصريين، من أفضل الأشخاص الذين ينتمون إلى الأمن المركزى (علينا أن نلاحظ هنا عدم ثقة السفير الصهيونى فى الأمن المصرى فجعل المرافقين الصهاينة من رجال الأمن دائمًا إلى جواره، أما المصريون ففى الخلف دائمًا) (الكاتب).
عشية يوم الإثنين، أى عشية العرض العسكرى -يقول السفير الإسرائيلى- بدأت تصلنى مكالمات تليفونية من الصحف الإسرائيلية والإذاعة وإذاعة الجيش والتليفزيون الإسرائيلى كنت قد سبقتهم وكتبت بعض الكلمات على ورقة وشرحت لكل من طلب موقفى، قلت إنه علينا أن نعيش بشجاعة، ومن خلال رؤية سليمة وبناء علاقات السلام وعهد التصالح مع مصر. قلت إننى أشعر بقوة بأنه فى هذا الوضع سوف أمثل الرغبة الحقيقية التى من أجلها سقط أبناؤنا خلال خمس حروب مع مصر، إنها الرغبة فى السلام، وأضفت إلى صحف المساء «يديعوت أحرونوت» و«معاريف»، بأن حضورى هذه المناسبة يعد جزءًا من عملية السلام، وبالتطبيع بين الشعبين والدولتين. «إن توجيه دعوة من وزير الدفاع المصرى إلى سفير إسرائيل لحضور العرض العسكرى يرمز فى نظرى إلى انتهاء عهد الحروب بين الجيوش ورفع علمنا فى هذا العرض بالذات، يعد فى نظرى تحية لرغبة السلام والأمن لدى الأعزاء الذين سقطوا من أجلهما»، من أسلوب نشر الصحفيين للكلام الذى قلته وردود الفعل التى وصلتنى من إسرائيل أدركت أن كلامى قد دخل آذانًا صاغية وفاهمة وربما أيضا قلقة، كذلك أحسست بتقدير للقرار الذى اتخذته من جانب شخصيات مسؤولة فى الإدارة المصرية الذين تابعوا الجدل العام الدائر فى إسرائيل حول هذا الموضوع.. (طبعًا هذا التبرير الإسرائيلى لا ينفى أنهم فى ذات الوقت تقريبًا قاموا بحروب أخرى ضد الدول العربية مثل تدمير المفاعل النووى العراقى، ثم لاحقًا حرب لبنان والقتل المنظم والمستمر للفلسطينيين، بل وضد مصر فى الاقتصاد والتجسس والأمن القومى ومنها ثروات سيناء بما يقدر ب500 مليار دولار فى 15 سنة من الاحتلال» (الكاتب).
السفير يقترب من ساحة العرض ويصف قتلاهم بالشهداء!
ثم يقول سفير العدو فى مذكراته: «صباح يوم العرض يوم الثلاثاء اتخذ قرارًا آخر لم يعلم به أحد -وفقًا للإجراءات المصرية فى أى مناسبة شارك فيها رئيس الدولة يجب على السفراء الأجانب المدعوين لهذه المناسبة أن يكونوا فى مقاعدهم قبل ساعة من مجئ الرئيس خلال هذه الساعة تغلق كل الطرق ولا دخول ولا خروج ورغم هذه التوجيهات الصريحة، التى تكتب فى بطاقة الدعوة قررت تجاهلها، وأن لا أكون بين أول من يصلون إلى منصة العرض قلت لمساعدى والمشرف على جدول لقاءاتى، (وأطلق عليه السفير اسم (م) وتعمد عدم ذكر اسمه الحقيقى والكامل طوال الكتاب، وهو على ما يبدو الحرف الأول من اسم رجل المخابرات والموساد فى السفارة الإسرائيلية وقتها 1981)، قال له السفير: «إن علم إسرائيل الذى يرفرف على سيارتى، سيكون آخر الأعلام الأجنبية التى ستصل إلى المكان قلت له من الواجب أن أتواجد هناك، ولكن ليس هناك معنى للحماس، على أن أتصرف برصانة احترامًا لشهدائنا قلت أريد أن أصل إلى المنصة قبل عشرين دقيقة من البدء فى العرض».. (طبعًا من الفُجر والوقاحة أن يسمى المعتدين المقتولين بالشهداء! ولكن هكذا هم المجرمون دومًا والمشكلة ليست لدى إسرائيل، بل لدى من سمح لها بسفارة فى مصر تبث من خلالها هذه الأكاذيب ويحضر سفيرها وهو رجل موساد معروف، عرضًا عسكريًا يكرم شهداء مصر!) (الكاتب).
ثم يقول: «أوشك العرض على البدء فى مدينة نصر، وهو حى سكنى يزداد اتساعًا فى شرق القاهرة على مقربة من مطار القاهرة، بالقرب من هذا الحى، فى شارع الاستعراض، توجد منصة شرف لاستعراض القوات والطقوس الرسمية، أمامها شارع عريض جدًا يستخدم مسارًا للعروض العسكرية، على الجانب الآخر من الشارع، وأمام منصة العرض، يوجد نصب الجندى المجهول المصرى وهو مقام على شكل أضلاع هرمية وعلى أضلاعه من القاعدة إلى القمة الأسماء المشهورة لدى المصريين محمد، محمود، مصطفى.. وعلى الأرضية أسفل قمة الهرم، حجر من الرخام الأسود يرمز إلى قبر الجندى المجهول.
ثم يقول بعقلية الجاسوس: «وبمناسبة هذه الطقوس الكبيرة تغلق المنطقة بقوات عسكرية، والحرس الجمهورى وحرس الرئاسة وكذلك وحدات تأمين تضم رجالًا مختارين من الأمن المركزى، بعضهم بالملابس المدنية وبعضهم بالزى الرسمى، ودخول هذه المنطقة يكون خاضعًا لإجراءات، وكذلك عند كل نقاط التفتيش المؤدية إليها توقفت سيارتى عند الحاجز، قدم القائد المصرى التحية ونظر إلى العلامة الملصقة على زجاج سيارتى، ودعانى إلى مواصلة طريقى إلى المدينة أما بقية السيارات التى فى قافلتى -والتى لا تحمل أمرًا بالدخول- لن تواصل مصاحبتى»، رد (م) رجل الموساد فى السفارة: «على الضابط المشرف على المنطقة بأنه إذا كان الأمر متعلقًا بالسيارة المصرية التى فى الركب، فإن على الضابط المصرى أن يقرر ما يريده، أما بالنسبة إلى السيارة الثانية التى بها الحراسة الإسرائيلية فإذا مُنعت من مصاحبتنا، فإن السفير للأسف لن يستطيع الذهاب إلى العرض وسيعود إلى منزله، وقدم الضابط المصرى التحية مرة أخرى وسمح للسيارتين الإسرائيليتين بالمضى، وانضم رجلا الحراسة المصريان محمود وعبد اللطيف إلى السيارة الإسرائيلية». (من الواضح أن مصر قد انهارت تمامًا فى أثناء تلك الفترة بسبب هذا الوضع المذرى الذى وصل فيه نظام السادات فى مجال حمايته لحلفائه الصهاينة إلى حالة متردية بدءًا من تنازلاته الكبرى فى كامب ديفيد وحتى حماية سفير دولة العدو وتعامل أمن السفارة بازدراء واستعلاء مع الأمن المصرى) (الكاتب).
السفير وحراسته المسلحة على المنصة مخالفًا القانون!
ثم يقول السفير: «قام رونى -سائقى- بقيادة السيارة إلى منصة العرض بيد مدربة بطول هذه المنصة المكونة من مقاعد متدرجة، يوجد منبر بنى اللون وخلف هذا المنبر ساحة واسعة وخلفها حجرة كبيرة تستخدم كقاعة انتظار لكبار الضيوف، ومنها يمكن الوصول إلى المقاعد فى المنصة الرئيسية، على جانبى المنصة الرئيسية يوجد درج يوصل بين الطريق وحتى طرفى المنصة، وصل رونى حتى درج الجانب الأيمن من المنصة المخصص للزوار الأجانب صعدنا الدرج، ولاحظت أن المنصة مليئة بالضيوف الجالسين فى أماكنهم، ووجدت صعوبة فى العثور على مقاعد خالية، على طرف الدرج وقف ضابط مسؤول تقريبًا عن الأمن. سأل (م) -ضابط الموساد فى السفارة- ما إذا كان معه سلاح وما أن أجابه بالإيجاب حتى قال الضابط إنه للأسف الشديد يستطيع السفير فقط أن يدخل ويجلس على مقاعد المنصة وطلب (م) أن يتحدث إلى المسؤول الرئيسى عن أمن المنصة وجاء ضابط من حرس الرئاسة برتبة لواء وأكد على موقف الضابط الصغير، وأشار بقية السفراء وقال إنهم لم يدخلوا إلى المنصة مع مرافقين ولا حتى السفير الأمريكى، رد (م) بأنه طبقًا للتعليمات التى لديه، ولا يمكن تغييرها، لن يستطيع السفير حضور هذا العرض إذا لم يسمح له هو وزميله المسلح بدخول المنصة. دار الحديث فى هدوء وبأدب ولكن بتشدد، وساد الصمت لمدة ثانية نظر اللواء إلىّ ولم أعلق». (يلاحظ هنا تلك الوقاحة الشديدة والازدراء الواضح للحرس الرئاسى المصرى نجح سفير دولة العدو الصهيونى فى فرض وجود حراسته المسلحة فى العرض دونًا عن باقى سفراء العالم الحاضرين! لقد كان السادات هو السبب فى كل هذا الخنوع والقبول بالذل أمام إرادة أصغر صهيونى أو رجل موساد وهو ما جرى فى باقى الملفات الغامضة فى العلاقة المصرية - الإسرائيلية!» (الكاتب).
أدى اللواء التحية وسمح لجميع المرافقين لى (م) و(ق) -وهو رجل موساد ثان- ومحمود وعبد اللطيف بالدخول مسلحين، ثم يقول السفير: «استقبلنى السفير يحيى رفعت، رئيس المراسم بوزارة الخارجية المصرية، قائلًا: (مرحبًا بك يا موشيه لا توجد أماكن معينة ويمكنك أن تختار أى مكان ترغب فيه يؤسفنى أنه لم تتبق أماكن كثيرة). فى هذه النقطة واجهت مشكلة: المنصة كلها مليئة بالناس حتى آخرها، ويجب أن أختار مكانًا تكون خلفه على الأقل عدة مقاعد خالية من أجل المرافقين لى من المصريين والإسرائيليين، وبدأت أهبط الدرج وأنا أستعرض كل صف فى الصف الأول من أعلى رأيت صديقى السفير الأمريكى، ابتسم إلىّ ولوح بيده علامة السلام، وهذا ما فعله أيضًا بعض السفراء الآخرين الذين التقت نظراتى بهم، واصلت النزول حتى وجدت نفسى بالقرب من الصف الثالث من أسفل.
الأماكن الخالية فيه كثيرة وفى وسطه يجلس صديقى السفير السويدى، بجانبه وخلفه كانت مقاعد خالية استقبلنى بسعادة لقد وجد من يتبادل معه الحديث، جلس (م) خلفى مباشرة. نظرت إلى ساعتى كانت العاشرة وأربعين دقيقة أى قبل عشرين دقيقة بالضبط من الموعد الذى سيبدأ فيه العرض، أمامى فى الصف الأول لم يكن به أحد، الصف الذى جلسنا فيه كان قريبًا جدًا من الطريق الذى سيمر به العرض على يسارى، على بعد عشرات الأمتار فقط من وسط المنصة، كان يوجد المقعد الذى سيجلس عليه رئيس الدولة بعد قليل، وعلى جانبيه مقاعد للجهاز الرئاسى وكبار قادة الجيش».
على المنصة.. قريبًا من الرئيس!
ثم يستطرد السفير الصهيونى موشيه ساسون: «لقد قررت أن أصل قبل بداية العرض بعشرين دقيقة، عن عمد، والمنصة قد أصبحت شبه ممتلئة وضرورة البحث عن أماكن للمرافقين لى وهم الذين قرروا بالفعل أن أجلس قريبًا جدًا من الرئيس، وقريبًا جدًا من الطريق، ما أن جلست فى مكانى حتى اعتقدت فى داخلى أننى محظوظ، حيث وقعت على مكان قريب جدًا لا يضايقنى فيه الجمهور الذى يفصل بينى وبين العرض، بعض الوزراء الذين جلسوا على المنصة الرئيسية أشاروا إلىّ برؤوسهم كنوع من التحية».
ثم يقول بدهاء صهيونى وقح: «ما إن علمت فى اليوم التالى أن ثمانية عشر شخصًا، من الجالسين فى جناح السفراء والمدعويين الأجانب قد أصيبوا وقتل اثنان منهم، حتى تأملت يد القدر التى لعبت دورًا فى موضوع الاغتيال والقتل، لقد تحدد مصيرى فى ذلك اليوم مرتين: المرة الثانية سأحكى عنها فى ما بعد».
«تأخر وصول الرئيس بعض الوقت -يقول ساسون فى مذكراته- جاء مع نائبه حسنى مبارك ووزير الدفاع عبد الحليم أبو غزالة، جلس الرئيس على مقعده، وعلى يمينه نائب الرئيس حسنى مبارك، ومندوب جيش عمان، المقدم خلفان بن ناصر وممثلى السودان والصومال ورئيس الوزراء السابق ممدوح سالم ومستشار الرئيس عبد القادر حاتم وكان هو أيضًا رئيس سابق للوزراء، ورئيس مجلس الشعب د.صوفى أبو طالب، أما على يسار الرئيس فجلس وزير الدفاع عبد الحليم أبو غزالة، ثم صهر الرئيس سيد مرعى ومستشاره الكبير، ثم المفتى الشيخ عبد الرحمن بيصار، ثم بعده رئيس مجلس الشورى صبحى عبد الحكيم، ثم رئيس هيئة الأركان عبد رب النبى حافظ ثم قادة الأسلحة، نهض الرئيس حيث حيى جمهور المدعوين الذين صفقوا له، بعد ذلك نزل مع حسنى مبارك وأبو غزالة، عبر الدرج إلى الطريق، وسار الثلاثة بخطوة عسكرية إلى اتجاه قبر الجندى المجهول لوضع إكليل من الزهور.
كوب شاى لسيادة السفير!
عادوا إلى أماكنهم وجلسوا على صوت عزف الموسيقى العسكرية وهتاف الجماهير الواقفة على أقدامها وهى تصفق، كان الرئيس السادات يبدو فى أحسن حالاته، يرتدى ملابس فخمة جدًا حيكت بالذات من أجل هذه المناسبة، يرتدى حذاء جديدًا برقبة استطعت أن ألمح تعابير وجهه كان يبدو سعيدًا. تبادل بعض الكلمات مع مبارك وأبو غزالة وكذلك مع سكرتيره الذى كان يجلس خلفه مباشرة. فى الساعة الثانية عشرة تمامًا صدر الأمر ببدء العرض، فى تلك الأثناء امتلأ الصف الأول الذى أمامى بنساء وأطفال مصريين، اعتقدت أنهم من عائلات شخصيات مهمة سواء من المدنيين أو العسكريين، عند طرف كل صف كان يقف رجال الأمن. الرجل الذى كان مخصصًا لصفنا اختفى فجأة، مع بداية العرض وعاد بعد عدة دقائق حاملًا فنجان شاى ساخن وقدمه لى قائلًا: أهلًا وسهلًا يا سيادة السفير» (هكذا كان يعامل نظام السادات أصدقاءه الصهاينة كرم زائد عن الحد مع قتلة وناقضين للعهود ومحتلين للأرض، والكرم فى غير أهله يعد فى رأى البعض حماقة وخبلًا.. وفى رأى البعض الآخر: خيانة» (الكاتب).
كان العرض فخمًا مرت طوابير وطوابير من المعدات والأسلحة جو من المعركة. تدريبات هجوم كانت مصحوبة بضجيج الطلقات والانفجارات وحلقت الطائرات بتتابع على ارتفاع منخفض. نزل رجال مظلات أمام مقعد الرئيس مباشرة ومظلات تحمل صورًا كبيرة للسادات تعلقت على عامود كهرباء، سألنى السفير السويدى إذا كنت على استعداد لأن أترجم له بعض هذه الشعارات الكثيرة المعلقة أمامنا، على لوحات ضخمة جدًا على طول طريق العرض كان هذا أمرًا مهما بالنسبة له، كان ينوى كتابة هذا فى المذكرة التى سيرسلها إلى وزارة خارجيته.
مرت أمامنا طائرات ميراج، فوقنا تمامًا، ونظرت أمامى وترجمت لزميلى السويدى هذه الشعارات. كتب السفير على ظهر برنامج العرض ما أقوله له، رفع الجميع رؤوسهم ونظروا إلى العرض الجوى. اثنان فقط أو الوحيدان تقريبًا لم يرفعا رؤوسهما، كانا يجلسان كل إلى جوار الآخر. الأول رأسه مكفى على برنامج العرض يسجل الترجمة والثانى ينظر أمامه إلى الشعارات التى يترجمها». (طبعًا يقصد نفسه والسفير السويدى).
لحظة الاغتيال
ثم يمضى سفير دولة العدو فى رصد أحداث المنصة، يوم قتل السادات ليصل إلى ذروة اللحظة التاريخية، ولنترك كلماته تتحدث عن نفسها: «عندما نظرت إلى الأمام لاحظت أن ناقلة ثقيلة تجر مدفعًا ذا ماسورة طويلة فى الطابور الذى يمر أمام منصة العرض، وقد توقف فجأة، قلت لنفسى (عطل آخر) وواصلت الترجمة... فى بداية العرض حدث عطل لأحد الموتوسيكلات الذى توقف محركه أمام المنصة بالضبط حاول راكبه المسكين أن يحركه ولكن بلا جدوى، بدأ يدفعه حتى لا يعطل الطابور، فجأة سقط والموتوسيكل فوقه، رفعوه بسرعة، وبعد ذلك بفترة حدث عطب فى سيارة مدرعة توقفت هى أيضًا، ولكن السائق تغلب بسرعة على العطل وتحركت السيارة إلى الأمام، أما هذه الناقلة التى تجر المدفع فلم تتحرك خرج منها قائدها، بلا غطاء رأس حاملًا سلاحه سمعت طلقات رصاص، لم اعتقد أنها طلقات حقيقية، قلت فى نفسى (دفعة أخرى من الطلقات الصوتية) لم يحاول قائد القافلة ذاتها أن يصلح العطل بدلًا من هذا انطلق فى اتجاهنا حدث شىء ما فوق الناقلة ذاتها، ونزل منها ثلاثة أفراد وانطلقوا فى اتجاهنا واستمرت هذه الألعاب النارية، وقلت فى نفسى (ما هذا التدريب الغريب الذى يحدث أمامنا) ومع ذلك واصلت الترجمة للسفير السويدى الذى كان يكتب بالضبط ما أقوله وبخط جميل ومنمق وقبل أن أدرك أن ما يحدث هو شىء من نوع خاص غير مسجل فى برنامج العرض، شعرت بذراع (م) الجالس خلفى صاح: موشى.. إنها طلقات حقيقية ارقد فورًا على الأرض. وحتى يضمن أننى سأفعل جذبنى بشدة وهو يمسك بكتفى فى اتجاه الأرضية، لا أعلم ما إذا كنت قد رقدت بنفسى أم من قوة الدفعة التى دفعنى بها (م) أحد ضباط المخابرات بسفارة العدو المسلح -ويا للمفارقة- لم يحاول مجرد التفكير فى إطلاق نار على المهاجمين للمنصة الذين جاؤوا ليقتلوا صديقهم السادات.. رغم أن هذا الضابط المسلح لو كان أطلق الرصاص على المهاجمين فلربما تمكن من إرباكهم ونجا السادات وتوقف الاغتيال.. وساعتها كان مسار التاريخ ربما قد تغير.. وهو ما لم يحدث. «تُرى لماذا لم يطلقوا الرصاص على مَن يقتل السادات؟ هل كانوا متواطئين أم متفاجئين بما حدث؟» (الكاتب)
* ويواصل ساسون: «خلال ثانية كنت أرقد تحت أقدام مقعدى، واستطاع (م) أن يصل إلى صفى وبدأ يزحف فى اتجاهى ويصعد فوقى بحرص ولكن بسرعة مذهلة أراد أن يحمينى بجسده، وقتها فقط عرفت ما الذى رأته عيوننا، بينما أنا راقد و(م) فوقى، واصلنا النظر إلى ما يحدث سمعنا انفجارين مدويين وارتفع دخان أبيض كثيف من نقطة معينة على الطريق القريب جدًا من مركز المنصة واستمرت الطلقات. الطلقات الأولى التى اعتقدت أنها ألعاب نارية، انطلقت من الناقلة نفسها، وقف عليها جندى من طاقم الأفراد (كان هو القناص حسين عباس صاحب الطلقة الأولى التى أدت -وفقًا للتقرير الطبى الصادر لاحقًا- إلى مصرع السادات والتى استقرت فى عظمة الترقوة لأنور السادات) (الكاتب) -ويواصل السفير الصهيونى- وأطلق دفعة نيران الواحدة تلو الأخرى.. والآن أصبحوا أربعة -يقصد قتلة السادات- لدى كل واحد منهم سلاحًا أوتوماتيكيًا يطلق نيرانًا واحدًا منهم اقترب من طرف المنصة من جهة اليسار وأطلق النار بلا توقف فى اتجاه الصف الأول والثانى وقف عند الطرف الأيمن من المنصة الرئيسية وأطلق النار هو الآخر. الاثنان الآخران ظلا يركضان ويطلقان النار وصل واحد منهما إلى منتصف المنصة ورفع سلاحه وأطلقه فوق المكان الذى جلس فيه السادات الذى لم يعد ظاهرًا على مقعده الذى كان فيه منذ ثوان، بعد حوالى 30 - 40 ثانية انتهى ركض الأربعة، قال لى (م) (إنهم لا يقصدوننا) (تُرى لماذا استنتج ضابط المخابرات الإسرائيلى ذلك؟). ومرت ثوان أخرى، قال (م) شيئًا ما فى جهازه اللا سلكى، نظرت بسرعة إلى المنصة -لم يكن أحد فى مكانه كانت الفوضى عارمة!».