نشرت الصحف علي لسان البروفيسور ماركوس بوشلر الذي كان يرأس الفريق الطبي المعالج للرئيس، في مستشفي هايدلبرج الجامعي بألمانيا أن الرئيس مبارك كان يتحدث معه بالإنجليزية التي يجيدها للغاية، وأحيانا كان يرد باللغة العربية فأقول له: سيادة الرئيس لا أفهم العربية، فيضحك ويقول لي: لقد حان الوقت لتتعلم قليلا من اللغة العربية . الحقيقة أثلجت صدري هذه النصيحة الغالية علي قلبي وعلي قلوب كل العرب والمسلمين، وأعادت إلي ذاكرتي كل ما تعلمته وقرأته في حياتي من مناهج وكتب التراث عن علمائنا العظام الذين نشروا في زمانهم حضارتهم وعلومهم في شتي بقاع الأرض، آنذاك.. كانت اللغة العربية هي لغة الحضارة وكان كل الدارسين وطالبي العلم يأتون إلي بلادنا ويجدّون في تعلم العربية، وبرع بعضهم فيها وترجم ما تعلمه إلي لغة بلاده، حتي ينهل الغرب من نهر الحضارة العربية والإسلامية، كم تمنيت أن نتبع نحن في بلادنا العربية نصيحة الرئيس مبارك ونعيد إلي مدارسنا أهمية أن يتعلم أبناؤنا اللغة العربية لغة القرآن الكريم، يتعلمونها قراءة وكتابة تعلما صحيحا سليما، ولا نحقرها ولا ننبذها كما يفعل معظم شباب الأجيال الجديدة للأسف الشديد، فهم عندما يتحدثون فيما بينهم يفخرون أنهم يجيدون اللغة الانجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وتجد حديثهم تختلط فيه كلمات أجنبية غربية، وكأن لغتهم العربية عارٌ عليهم إن تحدثوا بها، وجدير بالذكر أن أهل الغرب لا يفعلون كما يفعل البعض في مجتمعاتنا المشوشة ذهنيا ممن يجيدون أو لا يجيدون اللغات الأجنبية ؛ فأهل الغرب لا يختلط بكلامهم كلماتٌ من غير لغاتهم الأصلية، فالكل هناك في أوروبا أو في أمريكا يعتزون بلغتهم ولا يرضون عنها بديلا، فلم نرض نحن الدنية في لغتنا لغة القرآن الكريم؟ والسؤال الذي يجول دائما في خاطري من هو المستفيد من إضعاف اللغة العربية وجعلها لغة مشوهة مشبوهة لا تشبه لغة أجدادنا في شيء؟ وتكون الإجابة دائما أنهم بالتأكيد أعداء الأمة . فهل أعداء الأمة هم الذين اختطوا هذه السياسة المشبوهة المتبعة في تعليم أطفالنا؟ أن يبدأ تعلم اللغات الأجنبية منذ المرحلة التي تسبق المرحلة الابتدائية، وهذا بالمناسبة لايحدث إلا في بلادنا العربية للأسف الشديد، إن تعلم اللغة الأم في البلاد المتحضرة المعتزة بلغتها هو الأصل ويجب بل ينبغي أن يتشرب الطفل لغته الأصلية التي يتحدثها ذووه حتي ينهي المرحلة الابتدائية كاملة قراءة وكتابة وقواعد، كما فعل آباؤنا وأجدادنا ولذلك نجحوا وبرعوا وتفوقوا، وعند بلوغ الطفل سن العاشرة، وهي لا تزال سنا صغيرة يمكن له بعدها استيعاب أية لغة أخري، أما ما يزعمه الواهمون والساعون وراء حب كل ماهو غربي وأجنبي، من أن الطفل كلما كان صغيرا كان استيعابه للغات أفضل ؛ فهذا تسفيه لعقولنا وتأكيد لاستغفالنا، وهل يعتبر من بلغ سن العاشرة كبيراً في السن؟ ما هذا الهراء؟ هذه كلها هرطقات المراد منها تدمير اللغة العربية وسحقها، فهي أولا لغة القرآن، وهي ثانيا لغة يتحدث بها أكثر من ثلاثمائة وخمسين مليونا من البشر يربطهم لسان عربي واحد، ويتوجهون نحو قبلة واحدة، وتوحدهم رايات التاريخ وحدود الجغرافيا، ومصيرهم واحد، وعدوهم واحد. وهذه المقومات الرائعة للوحدة هي ما يخيف هذا العدو الواحد من أن يأتي يوم يصحو فيه العرب من سباتهم العميق، وهذا اليوم لا بد آت إن شاء الله، حينها سيدركون الروابط والعُرَي المشتركة التي تربط أمتهم ومن أهمها رابط اللغة، وقد سعي أعداء الأمة - ولايزالون - سعيا دؤوبا إلي تأخير ذلك اليوم، لضمان عدم تحقق وحدة العرب وشيكا، والحقيقة أن مخططهم قد نجح إلي حد كبير، فقد أصبح التحدث باللغة العربية عارا وشنارا علي متقنها، ولا يصل إلي الوظائف العليا ذات المرتبات المجزية إلا من يتقن اللغات الأجنبية، وفي لسانه عجمة ورطانة بسبب إجادته للغة أخري غير العربية، فلنتبع نصيحة الرئيس مبارك ولنعد إلي تعلم اللغة العربية بفخر واعتزاز، فهي لغة أهلينا وأجدادنا وعلمائنا وعظمائنا، ولغة تاريخنا ووجودنا، والأهم من ذلك كله أنها لغة القرآن الكريم، ولا ننسي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ؛ كتاب الله وسنتي )، وتمسكنا بكتاب الله يعني تمسكنا باللغة العربية التي تعتبر بعد القرآن الكريم ؛ السبب الرئيس في وحدة المسلمين وقوتهم. شكرا لسيادة الرئيس علي نصيحته التي يجب أن نقتنصها ونعمل بها جادين مخلصين، عسي أن نستيقظ من غفوتنا التي امتدت وطالت وآن لها أن تنتهي، والله من وراء القصد.