أنشر اليوم مقالاً لابنتي كتبته لمجلة «الجريدة» التي يصدرها طلبة الجامعة الأمريكية راجية أن يقرأها السيد وزير الداخلية بعناية: «من زمان قوي قوي وأنا بافكر إمتي هاروح أنتخب أو أدلي بصوتي زي مابيقولوا . قعدت منتظرة سن ال 18 علي أحر من الجمر. أصلي كنت حسباها كده واحد: سن ال 16 هاطلع بطاقة وأكون مواطن، اثنين: سن التمنتاشر هاطلع رخصة وطبعا بطاقة انتخابية. ثلاثة: سن الواحد وعشرين هكون مواطنة مصرية ليها كل الحقوق وعليها كل الواجبات. بس من الواضح إن الدولة كان ليها حسبة تانية. بدأت قصة البطاقة الانتخابية لما أنا وصديقتي مريم أصبحنا من ذوات سن التمنتاشر. وقررنا علي غير المعتاد من أصحاب هذه السن إن أول حاجة هنعملها هنطلع بطاقة انتخابية، الكلام ده حتي قبل الرخصة. روحنا بكل حماس لقسم الشرطة اللي مكان ميلادنا تابع لهم. من حسن الحظ كان القسمان مش بعاد عن بعض . دخلنا أول قسم وسألنا نطلع البطاقة الانتخابية من فين لوسمحت؟ وهنا بدأنا نأخذ نظرة غريبة وتعليقات أغرب. يعني مثلا زي الظابط إللي قالنا «وده من إيه إن شاء الله؟». المهم كل مانسأل حد يقولنا امشوا علي طول لحد ماحسيت إن إحنا في الليلة الكبيرة وفضلنا ماشيين علي طول وسط مناظر غريبة من مساجين في القفص كده في وسط المكان وناس بتنضرب ومساجين متكلبشة في رجل كرسي أورجل ترابيزة ومرميين علي الأرض وناس بتصوت وناس بتعيط.الخ. لدرجة إني حسيت إن إحنا دخلنا فيلم عربي من أفلام الكفار. أنا كنت فاكراهم بيبالغوا لما بيقولوا علي التعذيب إللي بيحصل في الأقسام لكني شفت بعيني ماحدش قاللي. نرجع لموضوعنا فضلنا ماشيين علي طول لحد ما وجدنا المكان المطلوب، وهذا المكان هو غرفة صغيرة في آخر القسم قاعد فيها راجل عجوز بنظارة كبيرة وقاعد ماسك الساندويتش وكوباية الشاي ومستخبي بين دفاتر كتير. أول إحساس كان إنه هذا الشخص قاعد هنا من بداية الزمن . أنا ومريم وقفنا أمامه وسألناه «هوالبطاقة الانتخابية من هنا؟» وهذه كانت أغرب نظرة كأنه لم يسمع هذه الكلمة من قرون . قال لنا: «أفندم» أعدنا السؤال مرة أخري وهنا سألنا بمنتهي القرف «وإنتم عندكم كام سنة كده بقي؟!» لما قلنا تمنتاشر علامات التعجب كترت . لكن الراجل كان متعاونًا جدا، وبعد ماخد وقت طويل في البحث عن أسمائنا في الدفتر قال لنا: آه مريم تعال بعد شهرين عشان تاخديها . تكرر الشيء نفسه بالحرف في القسم التاني كأنهم كانوا متفقين مع بعض. خرجنا أنا ومريم في منتهي السعادة هنطلع البطاقة كمان شهرين. بعد شهرين رحنا تاني ولكن الراجل قال لنا: فيه قوائم الحج اليومين دول تعالوا بعد تلات شهور. مع النظر إنه المكتب كان فاضي تماما والراجل كان قاعد بياكل السندوتش المعتاد. تكررت هذه الجملة الشهيرة «تعالوا بعد شهرين» لمدة سنة علي الأقَل . حتي إننا حفظنا شكل القسم ومنظر المساجين بقي شيء عادي جدا ولكن لم نحصل علي البطاقة. مريم أبوغازي».