هل كان حظُّ الشاعر المصرى «علاء جانب» سيئًا إلى هذه الدرجة؟ ربما بدا ذلك للوهلة الأولى، ففى الوقت نفسه الذى كان فيه الفريق أول عبد الفتاح السيسى يعلن فوز الإرادة المصرية الشعبية وانتصارها على الفساد والاستبداد الدينى والسياسى مساء يوم 30 يونيو، كانت لجنة تحكيم مسابقة أمير الشعراء بالعاصمة الإماراتية أبو ظبى تعلن فوز وانتصار الإبداع المصرى ممثلًا فى حصول الشاعر علاء جانب على لقب أمير شعراء العرب فى مصادفة قدرية تؤكد اشتباك الثقافى والسياسى فى لحظة تاريخية مضيئة ومشرقة. ورغم أى تحفظات على مسابقة أمير الشعراء فإنها فى النهاية مسابقة استطاعت أن تحظى باهتمام الدوائر الثقافية العربية والعالمية بفضل الترويج لها من قِبل منظميها، فضلًا عن إقبال آلاف الشعراء من مختلف أقطار الوطن العربى للاشتراك فيها وخوض تصفياتها، ورغم أى تحفظات -أيضًا- عليها، فإنها عبر دوراتها الأربع السابقة لم تفرز أدعياء ولا مزيفين، إلا مرة واحدة عندما أرادت الشركة المنتجة أن تضمن لها رواجًا إعلاميًّا، فأوعزت لشاعر عامية محدود القيمة ومتواضع أن يكتب الفصحى فاستجاب وشارك ولم يفز باللقب، على الأقل على مستوى قصيدة الخليل التى تهتم باللغة والإيقاع وعمود الشعر العربى القديم، فكل الفائزين باللقب كانوا شعراء حقيقيين، بل إن كل الذين وصلوا تقريبًا إلى تصفيات المرحلة النهائية كانوا مبدعين يمتلكون القدرة على الكتابة والتحليق فى الفضاء الشعرى بمفردات وصور جديدة تعيد أو تحاول أن تبعث الروح فى القصيدة العربية الكلاسيكية التى كادت أن تنطفئ جذوتها بسبب إصرار متعاطيها على النسيب والبكاء على الأطلال والدمن وآثار الديار وما إلى ذلك من معانٍ وأغراض لم يلتفتوا خلالها أبدًا لقول جَدهم القديم عنترة بن شداد، وهو ينشد متألمًا: هل غادر الشعراء مِن متردَّمِ؟ والشاعر علاء أحمد السيد عبد الرحيم جانب، المولود فى 25-12-1973، واحد من عشاق قصيدة الخليل، لكنه ليس واحدًا من سَدنتها ولا من كهانها، هؤلاء الذين حبسوا أنفسهم داخل أُطرها القديمة، لكنه فى زعمى وتصورى عاشق لروحها وتجليها وإيقاعها، ولا يحلِّق إلا فى فضائه المعاصر بأفراحه وأتراحه وهمومه الحالية، والمفاجأة الكبرى فى تجربته الشعرية والشخصية، أنه رغم انتمائه إلى مؤسسة الأزهر، فإنه ليس محافظًا ولا درويشًا كما قد يتبادر إلى الذهن. لكن حظه السيئ والعاثر يمكن أن يتجلّى فى أنه ليس من أبناء القاهرة ولا من هواة منتدياتها ومراكزها الثقافية المتعددة، فلا يكاد يعرفه أحد ولا أظنه تردد أو شارك فى فاعليات هيئات ومؤسسات وزارة الثقافة الكثيرة والمتعددة إلا فى ما ندر، فإذا أضفنا إلى ذلك كله أنه ابن لصعيد مصر -عرابة أبو الدهب بسوهاج- أدركنا أن حظه ليس سيئًا فقط فى اشتباك توقيت إعلان فوزه باللقب مع فوران ثورة 30 يونيو بالساعة والدقيقة، لأن الإعلام المصرى لدينا، خصوصًا القنوات الفضائية لا تبحث ولا تستجيب إلا للجاهز إعلاميًّا والموجود على الساحة. ولم يكن أستاذ النقد الأدبى بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر واحدًا من هؤلاء، فهو شأن الشعراء المجيدين مُقِلٌ جدًّا فى كتاباته حتى إنه لم يصدر غير ديوانين فقط «أنا وحدى 2002 - ولد يكتب بالنجوم 2011»، فهو لم يكن فى شهرة الشاعر أحمد بخيت، ولا فى ذيوع صيت الشاعر هشام الجخ كنموذجين من نماذج الشهرة والانتشار من قبل اشتراكهما فى المسابقة نفسها منذ سنوات. لهذا فإن الشاعر علاء جانب سيصل إلى القاهرة خلال ساعات دون أن تنتظره كاميرات التلفزة ولا محررو الصحف والمجلات ولا حتى سماسرة وتجار دور النشر، ربما تلتفت إليه قريته فى صعيد مصر، وربما تقيم له جامعة الأزهر احتفالًا، لكن الدوائر الثقافية والإعلامية لن ترى فيه الدجاجة التى تبيض لها إعلانات وذهبًا..!