فجأني صديقي ما ان استقر على مقعده معي على احد المقاهي بسؤال غريب .. قال لي بلهجة لا تنقصها جدية و ملامح لم يغيب عنها الاصرار : هل تعرف خطوات طلب اللجوء السياسي ؟ اندهشت للغاية من سؤاله خاصة اني اعرف انه متزوج و لديه اولاد فاجبته محاولاً التظاهر باندهاشي من دعابته : افعل مثلما فعل احمد ادم في فيلم القرموطي و هو يبحث عن مكان لهجرة ابنه و احضر مجسم للكرة الارضية و اشرع في الاختيار .. قال بحسم مهذب سؤالي : لم يأتي من سبيل الدعابة ان اختلط عليك الامر .. اعتدلت في جلستي و ايقنت جدية حديثه و قلت و لكنك يا صديقي لديك اسرة تحتاجك فلو افترضنا امكانية الهجرة كيف ستطمئن و انت بعيد عنهم ؟ قال بسرعة و كأنه يتوقع الاجابة و ماذا افعل انا الان في ظل افتقادي لعمل مستمر و لمستقبل مضمون و لحيثية يفخرون بها حين يكبرون و يسألهم اقرانهم ماذا يعمل اباكم ولا تقل لي المهم ان يكون الانسان مُكداً شريفاً فهذه الاشياء هي التي تستحق بحق الافتخار فذلك الكلام مثل الاسطوانات التي نسمعها في التليفزيون من مثقفين او متظاهرين بذلك و عندما يتقدم شخص ما لخطبة ابنتهم تكون الاسئلة المحورية من انت و من اسرتك و ماذا تعمل و ما هي امكانياتك .. و صمت قليلاً ثم قال ثم من قال لك اني اريد الهجرة انا اريد معرفة اجراءات اللجوء السياسي انا لا اريد جنسية هذا الوطن لا اريد الانتماء له حتى و لو على ورق يساوي في قسوته قسوة اغلب المنتمين لهذا الوطن لا اريد ان ابقى منتظراً حدثاً ما اتى و لن يأتي ابداً .. ان احيا كأنسان .. ان اُعامل كأنسان .. كفاني انتظار الرحمة من قلوب و كأنها قدت من صخر .. كفاني انتظار التغيير من عقول جمدت على الاستبداد و الديكتاتورية .. لا تصدق ان هناك اختلاف بين مبارك و الاخوان و حتى معارضي الاخوان الان كلهم كاذبون متاجرون يعشقون القهر و السادية و فقط ينتظر كل منهم ان تتاح له الظروف لممارسة ذلك .. اريد ان اعيش بوطن اشعر فيه اني لدي حقوق .. مللت من الوجود بين قطيع المستعبدين .. اريد ان اتعامل مع اشخاص قيمتي لديهم لا تحددها قيمة ما امتلك من اموال او معارف او قدرات على النفاق و الخبث و البلطجة احيانا .. اريد ان انام مطمئناً فانا في هذا الوطن سجين يبحث عن فرصة هروب .. ساد بيننا صمت و غضب مكتوم و حسرة ملأت المكان من حولنا قطعتها انا محاولاً تغيير دفة الحوار قائلاً خفف عنك يا صديقي فحتى الهجرة او طلب اللجوء السياسي سمها ما شئت ليس باليسر الذي تتخيله فالدول الاوربية و امريكا ساروا يدركون تمام الادراك انهم لو تساهلوا في منح الهجرة او اللجوء السياسي فلن يبقى في بلاد المستعبدين احد ثم انهم في المعتاد لا يأخذون الا من يضيف الى اوطانهم لا من يكون عالة عليها و عفواً معظمنا لا يملك من القدرات او الملكات الا القليل هذا ان امتلك .. قال لي و هو يهم بالانصراف لا اعتقد انك على حق فقد سمعت ان الكثير من المسيحيين يقدمون هذه الايام طلبات هجرة و لجوء تحت ذريعة الاضطهاد الديني و انا اريد ان اعرف خطوات طلب اللجوء السياسي تحت ذريعة الاضطهاد الانساني .. انا هنا لا اشعر اني انسان و لن اشعر .. انا مستعبد لمن يملك المال و السلطة و النفوذ انا درجة سُلم يسمح لها بالتواجد فقط لتتطأها الاقدام و انا مللت دهس الاقدام .. و هم واقفاً و قال يوماً ما كنت اسأل نفسي كيف يخاطر احدهم بنفسه و بماله غالبا يكون استدانه من اجل الاقِدام على مغامرة هجرة غير مشروعة الان فقط ادركت الاجابة فالغرق احيانا قد يكون اقل قسوة من احتمال حياة يصبح من سبيل الخطأ و التجاوز و المبالغة ان نطلق عليها حياة .. و تركني و انصرف وما كان لي تعقيب على ما قاله غير النظر للسماء ثم قمت و انصرفت غير معقب ولا مستغرب ......