أنهيت تعتعتي السابقة (31 مارس) هكذا: «....ما نحتاج إليه هو المشروع القومي، وليس البطل القومي،ولن يكون المشروع قوميا بحق - في ظروف التحديات المعاصرة - إلا إذا كان جزءا من المشروع الإنساني العالمي الجديد، (وليس العولمة المشبوهة)، ولهذا حديث آخر..». بلغني أن هناك من ينتظر هذا الحديث الآخر،فبدأت الكتابة: ثم توقفت: إيش ضمّني أن هذا الحديث الآخر، سوف ينشر في الأسبوع القادم ليصبح الكلام متصلا؟؟!!يبدو أن هذا السؤال خرج نتيجة خبرة الأسبوعين السابقين لهذه التعتعة، حين احتجبت كل الصفحة لضيق المساحة، أسبوعا بعد أسبوع، بمناسبة العدد السنوي، أو لأي سبب آخر، وهذا تنظيم بديهي، إلي أنني ضبطت نفسي متلبسا بغرور مفهوم، يصاب به كل كاتب حين يتصور أن أحدا غيره لا يستطيع أن يكتب مثله، بل كثيرا ما يتصور، أن ما يكتبه هو كفيل بتغيير النظام، وأحيانا بتغيير العالم (وبيني وبينكم، بتغيير الكون) أي والله! تعلمت بعض ذلك من الفنان التشكيلي الرائع المرحوم كمال خليفة حين كنت أزوره، في حجرته علي السطح في شارع منصور، وأري نحته من الحمام وهو يكاد يطير حولنا، وأستمع إلي الشيخ إمام وهو يغني «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا،.. يا محلي جرية ظباطنا...إلخ»، فارفض ذلك محتجا أنه ليس هكذا، فظباطنا لم يجروا من خط النار، وأسأل كمال بعد أن ينصرف الجميع عن الحلفيقول إن ما نحتاجه هو «كتاب واحد صادق، جدير بأن يغير الدنيا، ويشير علي كراريس كثيرة علي الشمال، وأخري علي اليمين، ويقول لي إن الكراريس التي علي الشمال مملوءة بمشروع هذا الكتاب، أما التي علي اليمين فهي خالية تنتظر دورها، فأسأله وأنا أتساءل: ومتي غيرت الكلمات الناس أو النظام؟فيصر أنه في البدء كان الكلمة. ربما مثل هذا الشعور هو بعض ما ينتابني أنا أو أحد من زملائي في هذه الصفحة حين تحتجب، نتصور أنه قد حيل بيننا وبين أن نعدل الكون، فأروح أراجع ما كتبت في التعتعة السابقة، فأتصور - مغرورا- أن عند سكرتير التحرير حق: فمن تعتع وعيا ساكنا، فعليه وزر ما ترتب علي تحريك الساكن (وهو مبنيُّ علي الصمت).طيب، إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لما أكتب، فما ذنب زملائي علي هذه الصفحة، وما ذنب القراء؟!! فأتذكر تشبيه كمال خليفة لثورة يوليو: وأن الضباط الأحرار لم يكونوا يقصدونها ثورة هكذا، فقد كانت المسألة هي انتخابات نادي الضباط مع جرعة فائقة من حماس الشباب وحسن النية وأحلام اليقظة، ثم اتسعت عليهم، فصدقوا أنفسهم، وكان يشبّه الذي حدث بثلة كانت تجلس تحت شجرة تفاح تتساقط من إحدي ثمارها العفنة نقاط مزعجة، فأرادوا أن يسقطوا الثمرة الفاسدة، فهزوا الشجرة، فإذا بكل التفاح يتساقط، لأنه كله كان فاسدا عطنا، وكنت أحتج عليه أنه «ولو، إلا أنها تثورت بعد ذلك»، قياسا علي هذا المثال رحت أفسر حجب الصفحة هكذا: ربما أراد سكرتير التحرير أن يتخلص من تعتعتي الغامضة المزعجة، لسبب ما، فعصلجت معه، فاضطر أن يتخلص من كل الصفحة،وأروح أتصنع الندم علي أنني السبب في الحيلولة دون متابعة القراء كل تلك الأنوار المضيئة التي تنبعث من قذائف هلوسة د. أحمد يونس آخر الليل، ومن التمتع بدغدغة قلم بثينة كامل التي تدس النقد في الفكر فيلتهب لاذعا حريفا (سبايسي)، ومن مشاركة د. زكي سالم غضبه المر الساخن معا، ومن مشاركة محمد القدوسي ترحالاته وهو يقلب صفحات التاريخ أو يقلب علينا المواجع، فيسارع أ. د. عماد أبو غازي بتضميد جراح شظايا القدوسي بضمادات أحن من تاريخ أطيب، وأخيراأشعر بالتزامي باعتذار خاص لجاري إبراهيم داود وهو يكتب النثر شعرا، أو وهو يرسم بريشته هذا البورتريه أو ذاك، أو حين يختلط علي الأمر في لون كتابته، هل هي بلون فانلة النادي الأهلي، أم بلون نزيف الوعي. يا خبر!! ما هذا؟ انتهت المساحة وأنا لم أكتب كلمة واحدة فيما وعدت، فأكرر الوعد بأنه «..لهذا حديث آخر»، إن كان في العمر بقية، وإن لم تصل إلي سكرتير أو رئيس التحرير مواضيع أهم، فهو أدري بشئون تحريره كما يقولون في بلدنا «أم الأعمي أدري برقاد الأعمي»، وأتذكر شعرا قديما لي، وأغير كلمة واحدة فيه ليناسب المقام هي «عاجبهمَ»، بدلا من «عاجبني» كل القلم ما اتقصف، يطلعْ لُه سِنّ جديد وايش تعمل الكلمة يابا والقدر مواعيد" خطف القلم ما العدم أوراق وملاها وإن كان «عاجبهم» وجب، ولا أتني بعيد