يومًا بعد يوم تتوالى الفضائح، ويومًا بعد يوم يؤكد المستشار طلعت عبد الله النائب العام، عدم حياديته، وانحيازه السافر تجاه نظام محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، وكأنه يقر بأنه ليس نائبًا عامًّا للشعب، خصوصًا فى ظل قراراته بتحريك بلاغات ومباشرة تحقيقات ضد فصيل واحد هو المعارضة، بينما يتجاهل تمامًا البلاغات الأخرى المقدّمة ضد قيادات وأفراد جماعة الإخوان المسلمين، حيث تنتهى إما بالحفظ أو التجاهل والتجميد فى الأدراج. بلا شك، فإن قرارات الضبط والإحضار الصادرة مساء أول من أمس، فى حق 5 نشطاء سياسيين على خلفية أحداث المقطم، تشير إلى أن المستشار طلعت عبد الله يعمل فقط بأوامر وإشارات من رئيسه الذى عيّنه، محمد مرسى، فبمجرد أن أعطى له الأخير الإشارة خلال كلمته، «الأحد» الماضى، بمؤتمر «مبادرة دعم حقوق وحريات النساء»، والتى حملت تهديدًا صريحًا للمعارضة وكلامًا مباشرًا عن اعتقالات، تحرّك عبد الله وباشر إجراءاته باستدعاء وضبط وإحضار عدد من النشطاء السياسيين.
المفاجأة هنا أن رئيس النيابة الذى أصدر قرار الضبط والإحضار للنشطاء الخمسة، هو القاضى حازم صالح، وهو يعمل بالمكتب الفنى للنائب العام، وهو أيضًا عضو بحركة «قضاة من أجل مصر» المعروفة بأنها إخوانية الهوى، وبدفاعها المستميت والمستمر عن محمد مرسى، منذ مؤتمرها الأول الشهير الذى أعلنت فيه نتيجة الانتخابات الرئاسية قبل أن تعلنها اللجنة العليا للانتخابات، وأشارت فيه إلى فوز محمد مرسى.
حازم صالح هو نفسه الذى سيتولّى التحقيق مع النشطاء الخمسة، «مما يشكّك فى حيادية واستقلال تلك التحقيقات»، حسب مصدر قضائى فضّل عدم ذكر اسمه، مشددًا على أن المكتب الفنى للنائب العام الآن أصبح بتشكيله الكامل يتكوّن من قضاة حركة «قضاة من أجل مصر»، وهو أمر فى منتهى الخطورة أن يسيطر على منصب النائب العام قضاة يدينون بالولاء بشكل صريح إلى رئيس الجمهورية، حيث قال المصدر إن ذلك سيؤدّى إلى شل النيابة العامة عن تحقيق العدالة والتحكّم فى تحريك الدعوى الجنائية، حسب الأهواء.
أيضًا فإن ما يدعم عدم حيادية النائب العام ومكتبه وتعامله بازدواجية فادحة تجاه الأحداث، هو السرعة الشديدة فى التعامل مع البلاغات التى تقدّم ضد رموز المعارضة، والتجاهل التام فى التعامل مع البلاغات التى تقدّم ضد جماعة الإخوان، على الرغم من أن تلك البلاغات دائمًا ما تكون مدعمة بأدلة وصور وفيديوهات واضحة ومباشرة للأشخاص الذين يمارسون الاعتداءات ضد معارضى الإخوان. بلاغات كثيرة ضد الإخوان مؤخرًا كان مصيرها الحفظ فى أدراج النائب العام، كان آخرها البلاغات التى قُدّمت من عدد من النشطاء ونقابة الصحفيين ضد شباب الجماعة فى أحداث الاعتداء على نشطاء وصحفيين أمام مكتب الإرشاد بالمقطم فى 16 مارس، إثر قيام النشطاء والشباب برسم جرافيتى مناهض لسياسات الإخوان. حيث تداولت الفضائيات ومواقع الإنترنت فيديوهات الاعتداء عليهم، وتظهر فيها بوضوح شديد شخصيات المعتدين الذين ذُكرت أسماؤهم وقيل إنهم حراس المهندس خيرت الشاطر، وكان مشهد الصفع على وجه الناشطة ميرفت موسى أقوى هذه المشاهد، وكذا الاعتداء على الناشط أحمد دومة، وقد قدّمت بلاغات فى هذه الوقائع إلى النائب العام، وحتى اليوم لم نسمع عن استدعاء أحد ممن قاموا بتلك الجرائم. كما قدّم ضياء رشوان نقيب الصحفيين الجديد، بلاغًا إلى النائب العام ضد المرشد محمد بديع، وضد الإخوان المسلمين، بعد الاعتداء على الصحفيين أمام مقر الإرشاد، وحتى الآن لم يستدع أحد ممن قاموا بالاعتداء عليهم رغم تحديد أسمائهم فى البلاغات. «صهيب محمد إمام ومصطفى سعداوى وأحمد أبو رية».. أسماء ذُكرت فى البلاغات التى قُدّمت فى تلك الأحداث، وحتى الآن لم يتم التحقيق معهم.. فقط خبر تم تداوله أن نيابة جنوبالقاهرة أمرت بضبطهم وإحضارهم، لكن المصادر الأمنية نفت ورود أى إخطارات فى هذا الشأن، ما يدعونا إلى التساؤل: لماذا لم يتحرّك النائب العام ومكتبه كما تحرَّك أول من أمس وأصدر أمر الضبط والإحضار لخمسة نشطاء؟! ومن قبل أحداث مكتب الإرشاد كانت أحداث الاتحادية فى 6 ديسمبر الماضى، والتى تضمَّنت مشاهد موثَّقة بالصوت والصورة للتعذيب والضرب، التى تمت تحت رعاية الإخوان المسلمين على سور قصر الاتحادية، وقدّمت بلاغات كثيرة فى ذلك، منها البلاغ الذى قدَّمه الدبلوماسى السابق السفير يحيى زكريا نجم، الذى تم تعذيبه على يد الإخوان، وبلاغات أخرى منها ما قدّمه مجلس نقابة الصحفيين السابق، ضد الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وعدد من قيادات حزب الحرية والعدالة، تتهمهم فيه باغتيال الصحفى بجريدة «الفجر» الحسينى أبو ضيف، واستهدافه بعيار خرطوش فى أثناء تسجيله الأحداث التى وقعت أمام قصر الرئاسة، وفى هذا الصدد قُدّمت بلاغات تحديدًا ضد الصحفى أحمد سبيع، لقيامه بالتحريض ضد الصحفيين فى تلك الأحداث، ومع ذلك لم يُفتح تحقيق فى أى منها. ويعد البلاغ الذى تقدَّمت به اللجنة القانونية بحزب الدستور الذى يرأسه الدكتور محمد البرادعى، أبرز هذه البلاغات أيضًا التى اتهمت الدكتور محمد مرسى بتحريض قيادات جماعة الإخوان المسلمين على حشد أنصارهم للتظاهر أمام قصر الاتحادية وسحق المعتصمين المعارضين للإعلان الدستورى ومشروع الدستور الجديد.
كما اتهم المحامى ياسر سيد أحمد عضو لجنة تقصّى الحقائق عن قتل متظاهرى ثورة 25 يناير المشكلة بقرار الدكتور محمد مرسى، فى بلاغه الذى حمل رقم 4458 لسنة 2012 بلاغات النائب العام، كلًّا من النائبين السابقين المهندس عمرو زكى، والدكتور محمد البلتاجى، وعددًا من قيادات الإخوان، بالتحريض على قتل المتظاهرين المعارضين لرئيس الجمهورية أمام الاتحادية.
كذلك بلاغ الناشطة شاهندة مقلد ضد أحد عناصر الإخوان، حيث ظهرت فى المشهد الشهير لشخص ملتحٍ يكمّم فمها فى أثناء وجودها فى المظاهرة النسائية ضد الرئيس، والتى اتّجهت إلى الاتحادية وقت الأحداث هناك، وقدمت «سى دى» للرجل وهو يعتدى عليها ويكمم فمها، وكان مصير البلاغ كغيره الحفظ فى الأدراج.
كل هذه البلاغات وغيرها أمام النائب العام، لا تبدو مثل البلاغات الأخرى التى يقدّمها الإخوان ضد معارضيهم، ويبدو أن النائب العام، ولأنه «خصوصى» للرئيس، ينظر فى اتجاه واحد فقط ويغض بصره عن أى اتجاه يتعلّق بالرئيس وجماعته.