يقول الله تبارك وتعالي في كتابه الكريم: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَي فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَي أَلاَّ تَعُولُوا) النساء هذه الآية الكريمة تحث علي حفظ حقوق اليتامي والحرص علي تحقيق العدل فيهم، فأباحت التعدد بهذه الصورة الراقية حرصاً علي تحقيق العدل الذي ينشده الإسلام لليتامي وأمهاتهم، التعدد في هذه الحالة يعني الزواج من الأرامل اللواتي لهن أبناء تيتموا، واليتيم هو من فقد أباه لا أمه، هنا تجد الأرملة من يعينها علي غوائل الدهر، ويشاركها متاعب التربية والإرشاد لأيتامها، حتي وإن وجدت أن الرجل الذي تقدم إليها له زوجة ثانية وثالثة ورابعة غيرها تشاركنها نفس ظروفها وآلامها وترملها؛ لن تشعر من كانت في مثل هذا الموقف العصيب بأن لها ضرائر، والضرة في اللغة: من الضرر وهو الضيق والهمّ اللذان تشعر بهما كل زوجة تزوج عليها زوجها دون ما ذنب جنته إلا الفهم الخاطئ للمقصود من تشريع التعدد، والهدف الأوحد للتعدد هو اشتراط ابتغاء تحقيق القسط لليتامي ونشر العدل في المجتمع الإسلامي، بالنسبة لليتامي خاصة ثم الأرامل. إن شعور هذه المرأة الأرملة سيكون شعور العرفان وحفظ الجميل، هي وبقية الزوجات الأرامل إذا كان في استطاعة الرجل أن ينفق علي أكثر من بيت، والرجل الذي يعدد زوجاته من هذا الباب ابتغاء مرضاة الله وتقرباً إليه، بهدف القسط في اليتامي، هو من فهم الهدف الحقيقي من وراء إباحة التعدد وهو القسط في اليتامي حتي لايشبوا دون أب لهم يرشدهم ويعوضهم عن فقد السند، وهذا الفهم الراقي هو قمة تحقيق العدل لليتامي، ولو أن رجال الأمة الإسلامية حرصوا علي تطبيق هذه الآية كما أمر الله؛ لما وجدنا أيتاماً يشبون من غير أب، ولا وجدنا أرامل تعشن وحيداتٍ ولا عائل لهن أو لأبنائهن. إن المفهوم الحقيقي لهذه الآية هو تحقيق العدل والقسط لليتامي، فلا يمكن أن يكون هناك أمر إلهي بتحقيق القسط والعدل لليتامي، ويحمل في طياته الأمر بظلم النساء. والعدل والظلم نقيضان، وقد حرّم الله عزّ وجلّ علي نفسه الظلم، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرّمت الظلم علي نفسي؛ فلا تظالموا)، وإن حرص الإسلام الشديد علي إبعاد شبح الظلم عن المرأة وتجنيبها مجرد الإحساس به؛ يجعلنا نتساءل: هل من المعقول بعد كل هذا الحرص علي إعلاء شأن المرأة، أن نكذب قوله تعالي ومَنْ أَصدقُ مِنَ اللَّه قيلاً»، الآية، وكذلك قوله تعالي: (مَنْ عَمِلَ صَالحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)- النحل 97، والحياة الطيبة أن تشعر المرأة بالأمان والاطمئنان والاستقرار النفسي عند الزواج، لا أن يكون سلاح التعدد مسلطاً علي رقبتها من قِبَل زوج لم يفقه من أمور الدين الإسلامي إلا التعدد. إن التعدد شُرع حماية لليتامي وقسطا لهم وليس فيه ظلم لأمهاتهم، بل هو سلاح للمرأة وحل لمشكلاتها هي وأبنائها اليتامي، هذا السلاح يُعين المرأة علي احتمال فقد الزوج والسند، فتجد فيمن أراد التقرب إلي الله عن طريق هذا الباب، من يُعينها علي رعاية أبنائها اليتامي، وقد وعد رسولنا الكريم هؤلاء المؤمنين بأنهم في مصاف الأنبياء، فقال: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطي)، وما أكثر من يمكنهم طرق هذا الباب من الرجال، فهناك الكثيرون ممن لم يسبق لهم الزواج لسبب أو لآخر حتي سن متأخرة، وهناك أيضا من ابتلي بفقد الزوجة فأصبح أرملاً، أو من طلق زوجته بعد أن استحالت العشرة بينهما، فارتأي أنه يستطيع التقرب إلي الله بكفالة اليتامي بالزواج من أمهن التي سوف ترعي أبناءه أيضا، سواء كان أرملاً أو مطلقاً في نفس الوقت لا يُنقص ذلك من أجره شيئا. ومثيل هذا الزواج لايوجد معه أي شبهة لظلم للمرأة أو الأبناء، بل إن تطبيق مفهوم التعدد بهذه الصورة الإنسانية الرائعة يشيع العدل ويحقق القسط الذي أراده الله في اليتامي، ولنا في رسول الله - عليه أفضل الصلاة والسلام - وصحابته - رضوان الله عليهم - -؛ أسوة حسنة في تطبيق التعدد بهذا المفهوم الراقي. وللحديث بقية، والله من وراء القصد..