أكبر ميزة في هذا الكتاب المهم «فتاوي الحاخامات» أنه لا يعيد تكرار ما سبق قوله، وإنما يدخل في العميق إلي جذور قضية أخري لم يسبق لأي كتاب آخر التعامل معها بتوسع باستثناء الموسوعة العمدة «اليهود واليهودية والصهيونية» للعلامة الراحل د. عبدالوهاب المسيري، وهو ذلك الجزء الخاص بالفتاوي التي تصدر عن الهيئات الحاخامية أو الحاخامات أنفسهم داخل إسرائيل، فيما يتعلق برؤيتهم للعرب عامة، وفيما يتعلق بشئونهم الداخلية الخاصة، وهو أمر يجعل الكتاب طاقة تعري المجتمع الإسرائيلي وتؤكد تطرفه عبر منطلق ديني في كيان عنصري قائم علي فكرة دينية بالأساس. الكتاب فيه مجهود ضخم يؤكده صاحبه ومترجمه د.منصور عبدالوهاب في المقدمة عندما يوضح أن صفحات الكتاب هي حصيلة خمس سنوات من العمل المتواصل من قبل قسم الترجمة العبرية بالمنظمة العربية لمناهضة التمييز التي ظهرت في يناير 2004 لمواجهة حملات الكراهية والتمييز ضد العرب في الإعلام الإسرائيلي قبل أن تغلق أبوابها في يناير 2009 ل«غياب التمويل» وهو سبب لا يقنع المؤلف- الذي كان يشغل منصب رئيس قسم الترجمة العبرية بالمنظمة- مطلقا مؤكداً أن السبب الرئيسي «هو عدم وجود رغبة عربية حقيقية في الاعتماد علي المنهج العلمي في طرح وجهة النظر العربية». ينقسم الكتاب إلي سبعة فصول أساسية، الأول خاص بفتاوي المرأة التي يتم التعامل معها في الديانة اليهودية في العصر الحديث كما كان يتم التعامل مع العبيد في أمريكا في القرن التاسع عشر حسبما يؤكد د. منصور مستندا إلي فتاوي الحاخامات ومنها تلك المنسوبة للحاخام «يوفال شارلو» وفيها يؤكد علي كون المرأة اليهودية ممنوعة من الشهادة في القضاء مبررا ذلك ب«الفصل بين مفاهيم القضاء والمفاهيم النسائية»!، وعليه فربما تكون مفاجأة لكثيرين بأن المرأة لا تشهد في المحاكم الإسرائيلية وأن ما تقوله يتم اعتباره «رأيا» فقط لا غير، بل ربما يبدو مدهشا أكثر أن تتطابق بعض فتاوي حاخامات إسرائيل مع بعض الآراء المتشددة في مصر والعالم العربي فيما يتعلق بتحريم سماع صوت المرأة حتي عبر الراديو أو شريط كاسيت! فيما يذهب حاخام آخر إلي تحريم تحرك الأم داخل منزلها دون غطاء للرأس أمام أبنائها استنادا لتعاليم «القبالا»- التي هي أشبه بالصوفية اليهودية- أما الجزء الثاني الخاص بالفتاوي عن المسيحية والإسلام، فيذهب فيه المؤلف عبر ترجمة نصية لفتاوي الحاخامات أنها تؤكد أن الصراع بين العرب وإسرائيل هو صراع ديني بحت وليس سياسيا، وكيف لا يكون هذا فعلا ونص إحدي فتاوي الحاخامات يقول أنه ليس هناك للمسجد الإسلامي «قداسة»- لاحظ الفارق مع ما يحدث مع المعابد اليهودية في مصر-،بل يعتبر المسجد مكانا منحرفا وذلك لأن الإسلام يوصف بأنه «ديانة مستحدثة» علي حد قول الحاخام «موشيه بن ميمون»، الذي له فتوي أخري يذهب فيها لاعتبار المسيحية ديانة وثنية، وهو أمر يؤكده حاخام آخر يدعي «عوزئيل إلياهو» ويحرم فيه علي اليهود حضور حفل زواج في الكنيسة محرما الأكل والشرب هناك بل و«التأثر بجمال المكان هناك»! التطرف والهوس باليهودية والتعامل مع الآخرين كأغيار- أي كل الشعوب غير اليهودية- يصل حدوده القصوي في فتاوي من عينة عدم مساعدة اليهودية لأي إمرأة من ديانة أخري أثناء الولادة، فيما أوصي حاخام آخر اليهود بتدمير أماكن عبادة الأغيار- المسلمون والمسيحيين وغيرهم- وذلك من أجل أن «يبقي العالم قائما»!، فيما تصل إلي إسرائيل لخبطة الدين بالعلم عندما يصدر حاخاما فتوي محددة عام 2004 يؤكد فيها أن سبب الإصابة بالسرطان هو تحول بعض اليهود إلي العلمانية! إجمالا، فإن المشكلة الأساسية التي قد تظهر بعد قراءة كتاب «فتاوي الحاخامات» هو الشعور بالراحة والرحرحة والانتشاء بأنه إذا كنا نعاني من تطرف أو استغلال للدين في غير محله، فها هي إسرائيل تعاني بدورها من تطرف أشد وأكثر غباء، لابد أن هذا ليس الغرض مطلقا من الكتاب، وربما يكون الغرض الأساسي هو العكس.. أن اقرأوا وتأملوا وفكروا وجاوبوا علي السؤال.. كيف يتقدمون وبداخلهم كل هذا التطرف وكيف نعود نحن إلي الخلف؟ الغلاف: صورة كبيرة لأحد الحاخامات التلقيديين وهو يضع كفه علي رأسه متأملا، واسم الكتاب مكتوب بخط اليد الذي ينسجم مع أجواء الغلاف المتسق تماما مع محتوي الكتاب ومضمونه.