في الذكرى الثانية لتنحي رئيس الجمهورية السابق - وبالتحديد يوم الأثنين الموافق 11 فبراير 2013م – أعلن الأزهر الشريف عن إختيار الدكتور شوقي علام مفتياً للديار المصرية خلفاً للدكتور على جمعة .. وهذا الاختيار قد صادف محله ...ولئن كان في ظاهره ينم عن إنتقال مهمة الإفتاء من الوجه القبلي ( من بني سويف مسقط رأس المفتي الحالي ) إلى الوجه البحري ( وبالتحديد محافظة البحيرة مسقط رأس المفتي الجديد ) .
ومن تخصص أصول الفقه إلى تخصص الفقه العام ؛ ومن المذهب الشافعي ( الذي تخصص فيه المفتي الحالي ) إلى المذهب المالكي ( الذي تخصص فيه المفتي الجديد) ؛ ومن كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين ( بالقاهرة).. إلى إحدى كليات ( الأقاليم) ( كلية الشريعة والقانون بطنطا ) .
بيد أن هذا الاختلاف الظاهري ...لايعني عدم وجود أوجه تشابه بين المفتيين : فكلاهما إسندت إليه مهمة الإفتاء في سن متقارب ؛ فالدكتور جمعة تولاها وعمره 51 سنة و6 أشهر و25 يوماً – حيث تولاها يوم 28/6/2003م وهو من مواليد 3 مارس 1952م ؛ أما الدكتور شوقي فبإذن الله سيتولاها وعمره 51 سنة و6 أشهر ويوم واحد – حيث ستُسند إليه فعلاً يوم 3 مارس 2013م ؛ في حين أنه من مواليد 12 أغسطس 1961م . فالفارق بينهما 24 يوماً زادات في عمر د. جمعة عن عمر د.شوقي يوم تولي المنصب .
كما أن كلاهما له إجتهاداته المتنوعة في فقه الواقع ؛ وهي إجتهادات تستوعب مستجدات المعاصر وتجتهد في البحث عن الرأي الفقهي الأكثر تيسيرا على المخاطبين بالحكم الشرعي ؛ كما أن كلاهما أهتم ب( فقه المرأة) .
فقد قام الدكتور على جمعة بالمشاركة في مشروعات علمية تتعلق ب :-
1- مكانة المرأة في الفقه الإسلامي من مجموعة سلسلة التنوير الإسلامي. 2- المرأة بين إنصاف الإسلام وشبهات الآخر.(وفيه انتصار الشيخ لمذهب الشافعى أيضا بوجوب تغطية المرأه لوجهها أي النقاب الذي حاربه الشيخ نفسه فيما بعد) . 3- قضايا المرأة في الفقه الإسلامي.(وفيه الانتصار لقول الشافعى في وجوب تغطية وجه المرأه ووجوب ختان الاناث) ؛ فضلاً عن أن من مؤلفاته كذلك كتاب المرأة في الحضارة الإسلامية.
أما الدكتور شوقي فقد قام بتأليف حوالي 25 مؤلفاً كان من حظ المرأة فيها عدة مؤلفات فى : "الحقوق السياسية للمرأة المسلمة دراسة مقارنة بين الفقه والقانون، والقواعد الفقهية ودورها فى التفسير القضائى للعقد عند التنازع فى ألفاظها، والمرأة والعولمة فى شبه الجزيرة العربية، المرأة المسلمة فى العصر الحديث".
ولئن كان د. جمعة أهتم بالفتوى والافتاء حيث قام بتأليف عدة مؤلفات عن : الفتوى ودار الإفتاء المصري ؛ وصناعة الإفتاء من مجموعة سلسلة التنوير الإسلامي ؛ كما أعتني بجمع واختيار بعض فتاوى للإمام محمد عبده ونشرت في كتيب ؛
بيد أن الدكتور شوقي أهتم بالقضاء ؛ حيث كانت رسالته للدكتوراه حول : في ' ايقاف سير الدعوي الجنائية وانهائها بدون حكم في الفقه الاسلامي -- دراسة مقارنة ' ؛ واستكمل اهتمامه بعد ذلك بمؤلفه المعنون : الحكم القضائي وأثره في رفع الخلاف - دراسة في عوامل استقرار الحكم القضائي .
هذا ولقد تصادف إعارة المفتيين - الحالي والجديد - إلى سلطنة عُمان ؛ حيث اشترك ( د. على جمعة ) في وضع مناهج كلية الشريعة بسلطنة عمان حتى افتتاح الكلية المذكورة وشارك في الافتتاح كعضو مؤسس.؛ في حين أن الدكتور شوقي علام ...ساهم في تدريس الفقه في معهد العلوم الشرعية ..على مدى عشر سنوات متصلة ؛ حيث بدأت مهمة د. شوقي من حيث انتهت مهمة د. جمعة
.. فالأخير قام بتفكيك – إن صح التعبير؛ وإن لم يصح فإني عنه أعتذر - معهد العلوم الشرعية والقضاة إلى معهد العلوم الشرعية فقط ؛أما القضاء فقد إسند لكلية وليدة – كان لي شرف العمل بها مدة ثلاث سنوات متصلة من 2004حتى 2006م – هي كلية الشريعة والقانون بمسقط ؛ التي صارت –فيما بعد - كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس..
ومن حُسن الطالع أن د.شوقي ذهب إلى عُمان ( في العام الجامعي1999 /2000م ) بعد ذهاب د. جمعة إلى هناك ؛ وشاءت الأقدار أن يعقبه – كما أعقبه في عُمان - في منصب مفتي الديار المصرية .
ذهب ليساهم في تدريس المواد الشرعية في معهد العلوم الشرعية بعد تركيزه على هذه المواد ؛ وإنتقال تخصص الدراسات القضائية إلى كلية الشريعة والقانون بمسقط التي إنشئت بموجب المرسوم السطاني رقم (26/97) الصادر في 28من مايو سنة 1997م .
أما على المستوى الشخصي ؛ فمن حُسن حظي أنني عملت بكلية الشريعة والقانون بمسقط خلال الأعوام 2004 حتى 2006 م ؛ وهناك سمعت من الزملاء كل الثناء على علم وخُلق وشخص فضيلة الشيخ الدكتور على جمعة .
أما المفتى الجديد ( د. شوقي ) فقد زاملته لمدة تربو على ثلث قرن بكلية الشريعة والقانون بطنطا ؛ كما صاحبته في سلطنة عمان سبع سنوات ؛ فلم أجد منه سوى كل الخير ؛ وأشهد له بسمو الأخلاق والسيرة الحسنة ؛ فيقيني أن المفتى الجديد سيكون بإذن الله خير خلف لخير سلف .
وتجدر الإشارة إلى أن د.جمعة جاء بالتعيين من السلطة التتنفيذية ؛ وهو آخر مفتي بالتعيين ؛ في حين أن الدكتور شوقي أول مفتي يجئ بالانتخاب من هيئة كبار العلماء . غير أن د. جمعة مفتي مخضرم باشر عمله خلال أكثر من عهد ( مبارك والنظام العسكري وعهد الرئيس محمد مرسي ) ؛ فهل سيكون حظ د. شوقي كحظ سلفه ؛ أي يباشر عمله في أكثر من عهد . الله أعلم . وأعلى .
وفي الختام لايفوتنا أن نشير إلى أنه من المألوف أن يكون منصب مفتي الديار المصرية هو الممر الطبيعي للوصول لمنصب ( شيخ الأزهر ) ؛ ولم يفلت من ذلك سوى القليل مِمَن تولى منصب مفتي الديار المصرية .
ومن هؤلاء فضيلة الشيخ الدكتور على جمعة ؛ فهل سيكون حظ الدكتور شوقي علام أفضل من سلفه ؟ سؤال تتوقف الإجابة عنه على أداء المفتي الجديد وظروف وملابسات أخرى في علم الغيب ؛ ويقيني أن سن ومؤهلات وكفاءة المفتي الجديد تؤهله لذلك.