ماذا لو أصر الإخوان المسلمون على إجراء الإنتخابات البرلمانية فى موعدها بغض النظر عما يدور الأن على الساحة السياسية من إنقسام وإضطرابات تكاد تعصف بالبلد وجميع من فيه؟! إلى أين سوف يصل مستوى التدهور الإقتصادى المتزايد بعد أن أثبتت التقارير الصادرة مؤخراً عن تراجع كبير فى إحتياطى النقد الأجنبى بمقدار 1.4 مليار دولار فى شهر واحد ليصل إلى 13.4 مليار دولار فقط لاغير؟! ما هى الإنعكاسات السلبية التى من الممكن أن تطرأ على الساحة السياسية فى حالة عدم توافر الرغبة لدى النظام الحاكم فى الوصول إلى صيغة توافقية ترضى جميع الأطراف، والإصرار على المضى فى تجاهل مطالب الشارع والقوى المدنية على طريقة صب الزيت على النار؟!
إن النظام الحالى يذكرنى بسائق غبى يقود سيارة أجرة قديمة ومتهالكة بسرعة شديدة، بينما يظهر فى الأفق أنها على وشك أن تنحدر بسرعتها هذه فى منحدر خطير، فى جو تنعدم فيه الرؤية نتيجة للأمطار الغزيرة التى تتساقط على الزجاج الأمامى للسيارة والضباب المنتشر فى كل مكان، بينما الدخان يتصاعد من كل جوانب السيارة نتيجة عطل ما، كل ذلك يتزامن مع صراخ الركاب فى السائق بأن يتوقف أو يغير المسار، إلا أن السائق يظل متشبثاً بعجلة القيادة، متجاهلاً كل محاولات إثناءه عن المضى فى ذلك الطريق الوعر والملىء بالمخاطر التى قد تعرض السيارة بمن فيها من ركاب لخطر محدق.. ولكن ما لا يعلمه الركاب جميعاً، وما لا يريد السائق أن يعترف به لهم حتى الأن أن الأمر قد خرج عن سيطرته ولم يعد لديه القدرة على إيقاف السيارة أو تحويل مسارها لأنه لم يعد لديه فرامل يمكن بواسطتها أن يوقف السيارة أو على الأقل أن يخفض من سرعتها!
نعود إلى الإنتخابات البرلمانية، ودعونا نتصور السيناريو المحتمل لو أراد النظام أن يجرى الإنتخابات البرلمانية فى الموعد الذى أعلن عنه خلال ثلاثة أو أربعة أشهر :
1-من المتوقع أن تتقلص أعداد الناخبين بشكل حاد كنتيجة طبيعية لفقدان الثقة التى تعانى منه الأن قطاعات واسعة من الشعب المصرى تجاه الحكم والمعارضة معاً، نتيجة لتخبط النظام وفشله فى الخروج من الأزمات التى تتعرض لها البلاد واحدة تلو الأخرى، وإصراره على الإنفراد مع جماعته بالحكم، وهدمه لأى محاولة لتحقيق التوافق أو الشراكة الوطنية، وكذلك فقدان الثقة فى المعارضة نتيجة عدم نجاح القوى المدنية الأخرى (حتى الأن) فى إفراز مشروع بديل من الممكن الإعتماد عليه فى المستقبل . 2-سوف تعلن جبهة الإنقاذ الوطنى بالطبع عدم مشاركتها فى إنتخابات تقام فى مثل تلك الظروف وطبقاً لهذا القانون المعيب، وكعادتهم لن يلتفت الإخوان إلى مشاركة أى من القوى الأخرى من عدمها، بل على العكس سوف ينظر الإخوان .
المسلمون لإنسحاب جبهة الإنقاذ بإعتبارها المنافس الأقوى لهم على الساحة (على الأقل) الأن على أنه فرصة سانحة لتحقيق أغلبية برلمانية كاسحة ومن ثم تشكيل الحكومة القادمة من الإخوان فقط، بالضبط مثلما فعلوا عند إنسحاب ممثلى القوى المدنية من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، والنتيجة كانت خروج هذا الدستور المعيب الذى نعانى منه جميعاً الأن . -3 ستكون نتيجة هذا كله هى عودة المظاهرات الحاشدة إلى الشوارع مرة أخرى، وإرتفاع حدة العنف وسقوط مزيداً من الشهداء والمصابين وزيادة حدة الإضطرابات والإنقسام وبالتالى مزيد من التدهور الإقتصادى .
إذن فإن قرار بتأجيل موعد إجراء الإنتخبات البرلمانية المقبلة قد أصبح ملحاً الأن عن أى وقت مضى، وقد بات من الضرورى أن يستمع مرسى والإخوان إلى نبض الشارع، وإلى مطالبه المتصاعدة يوماً بعد يوم قبل فوات الأوان، لأن النتيجة .
الحتمية سوف تكون بالتأكيد هى خسارة جميع الأطراف، ولكن أكبر الخسائر سوف تكون بلا شك من نصيب من هم فى السلطة، لأنهم عنئذ لن يكونوا قد خسروا كرسى السلطة الذى ظلوا يحلمون بالوصول إليه طوال أكثرمن ثمانين عام فقط، ولكن بالإضافة إلى ذلك سوف يتم محاسبتهم على كل ما إقترفوه فى حق الشعب المصرى من عبث بمقدراته وسحقاً لكرامته وفشلاً ذريعاً فى إدارة شئونه .